يبدو أننا قد جبلنا علي عدم التوافق والاتفاق!! (1)

ب/ نبيل حامد حسن بشير
الانسان خلق ليكون كائنا (اجتماعيا) . حتى تتوفر هذه الصفة لابد وان تكون لهذا الكائن خاصية (التعايش) مع الأخرين ومكونات بيئتة الأخري. للتعايش (متطلبات) أهمها التسامح والتوافق والحكمة وما يعرف الأن بمصطلح الدبلوماسية . لابد أن يعرف هذا الكائن الحي بأن له دور محدد في حياته وداخل مجتمعه . هذا الدور بالتأكيد والضرورة أن يكون دورا (ايجابيا) . أن حاد عن الايجابية ، عليه مراجعة ما قام به وتصحيح موقفه بنفسه أو الرجوغ الي الأخرين لهدايته الي الطريق القويم.
نحن كسودانيين (ندعي) بأننا أقدم شعوب العالم حضارة. نحن من أسس مفاهيم التعايش داخل مجتمعاتنا القديمة و(قبول الأخر) عبر الهجرات المتوالية لسوداننا هذا عبر القرون دون من أو أذي ، ووضعنا معاييرها التي تبنتها كل الشعوب التي اتبعت وطورت هذه الأسس والمعايير والمفاهيم وتعايشت كلها في أمان عدا نحن! . تعددت الاثنيات واللغات واللهجات والسحنات ببلادنا وتعايشنا رغما عن ذلك في سلام عبر كل العصور والعهود حتي ما قبل الاستقلال . كأن السودان طوال فترة الحكم البريطاني / المصري يدار بعدد محدود من البريطانيين والمصريين والشوام اضافة الي الادارة الأهلية لكل منطقة أو اقليم من حلفا حتي نيمولي. كانت السياسة وتعاطبها شبه محرمة علي السودانيين ، وسياسة السودان تتضعها الامبراطورية التي لا تغرب عنها الشمس . ركز المستعمر علي استغلال موارد السودان لمصلحة الامبراطورية وما قام به من مشاريع كمشروع الجزيرة والسكك الحديدية التي كانت أهم تلك المشاريع. أما التعليم وفتح المدارس وتأسيس كلية غردون فكان الهدف منها تخريج كوادر ذات (قدرات محدودة) لتكملة العجز في بعض المواقع التي يتطلبها برنامج المستعمر باقل تكلفة ممكنة . كما أن اختيار الطلاب كان مقصورا علي أبناء رجالات الادارة الأهلية والأعيان الذين كانت مصالخم مرتبطة بوجود المستعمر ورضائه عليهم . البعض من هؤلاء الأبناء رأي أهله أن يذهب لمصر لتلقي العلم بالمدارس والأزهر وبعض الجامعات مما جعلهم ينفتحون على الأنشطة الثقافية والاجتماعية والسياسية والانفتاح على العالم ، خاصة الأوروبي ووالأسيوي والصراعات ما بين الرأسمالية والشيوعية وغيرها من الأفكار السياسية والمذهبية والاقتصادية والاجتماعية .. الخ . كان المستعمر يتعامل داخل السودان وفقا لما يمليه عليه الراهن الواقعي لكل اقليم وامكانياته وتركيبته العشائرية وبيئته . لم يتعامل مع (السودان ككل) بسياسة موحدة كما هو الحال بعد نيل الاستقلال .
قبل وأثناء الحرب العالمية الثانية بدأ شباب المدارس وكلية غدون تعاطي العمل السياسي ، ولكل اتجاه ومذهب فكري أغلبه مكتسب من الخارج . منهم من يطالب برحول المستعمر ، وأخرين تبنوا أفكار يسارية ، وثالته نبني أفكار الأخوان المسلمين ، وتوالت التيارات قي ما بعد مثل القوميين العرب والبعثيين القوميين والقطريين ، وتيارات قبلية وأخري عنصرية متذرعين بمفهوم التهميش الذي غرسه فيهم المستعمر أثناء وبعد خروجه.
يا تري ما هو السبب وراء تقديم الخلفية أعلاه؟ .
هذا هو بين القصيد . أي السياسة . فالسياسة هي (فن الممكن) . الممكن هذا يتطلب (التفاوض والحوار) . التفاوض يتم عادة بين (الفرقاء) ، كما حدث في مفاوضات بقاء الجنوب جزء من السودان أم أنفصاله . وبالفعل لأدي الي الانفصال المشؤوم . لكن الحوار بالضرورة يتم بين (الشركاء) ولا توضع شروط قبله. الشركاء هم شركاء في الوطن ومتفقين علي (اطار) بقائه موحدا، أو في الحد الأدني من النقاط.
لكن سؤالي المشروع هو : هل يوجد في سوداننا هذا (سياسي) بالمعني الحرفي والعلمي الحديث؟ .
أشك في ذلك. السياسة الأن (علوم ومهنة) تنمي وتطور بالخبرات والممارسة والاحتكاك مع المجتمعات المحلية والاقليمية والدولية، ولها أسس ومعايير ومفاهيم وأخلاقيات مع وضع الوطن ووحدته كخط أحمر دونه المهج والأرواح. حتى تكون سياسيا لابد وأن تكون لك القدرة علي تفهم احتياجات ومشاكل المجتمعات والوطن ككل ، وامكانيات حلها وتوقير البرامج والأليات التي تساعد علي ذلك . هذا ما يفتقده السودان الأن علي مسنوي الأحزاب والأفراد المنتمين لها. بل أيضا علي مستوي المجتمع ككل ليس لأي حزب الأن دستور أو برنامج أو خطة عمل أو كوادر سياسية حقيقية . كلها أسماء وهمية صنعها الاعلام الحزبي أو الصحف ووسائل الاعلام الأخري والسوشيال ميديا . لا مؤهلات سياسية لها . تتميز بالهشاشة وضيق الأفق وتدعي أشياء لا تملكها بهدف التهديد واكتساب مكانة لا تستحقه ، او في الأغلب ولجوا هذا المجال لمكاسب شخصية كالمال أو الجاه أو السلطة . بل أن بعض أحزابنا تدعي بأنها ديموقراطية في حين أن دستورها رئاسي . بل كل أحزابنا يمينها وبسارها كلها رئاسية الدستور والفعل وكل شيء بيد الرئيس الأبدي ، وبعضها لم يعقد مؤتمره العام منذ أكثر منذ ما يقارب الخمسين عاما!!! .
يحكي أنه بعد الاستقلال بقرية أبوحراز الشهيرة شمال مدني كان اليشخ بجوا قدر البليلة الذي يفور تحت نار موقدة وحوله حوارييه الذين سألوه بأن يدعو الله بأن يوفق السودان بعد نيله أستقلاله. فكان رده ، والله يا أولادي السودان ده سيستمر يغلي ويفور مثل هذا القدر الي يوم القيامة ! .
الي هنا أتوقف في هذه الحلقة حتى أكمل لكم ما أود قوله في الحلقة القادمة أن شاءالله. أللهم نسالك اللطف (أمين).
تحياتي أستاذنا النبيل ب. نبيل
لو قرأوا لك وتمعنوا مقاصدك لامكن تفادي كثير من المحن الجاثمة فينا الآن
لك التحية