
حسب وثائق الأمم المتحدة وجميع المنظمات الدولية والإقليمية ذات الصلة، يعتبر السودان دولة مستقلة ذات سيادة ولها تثميل دبلوماسي مع معظم دول العالم ، وهي دولة لا تقر التدخل في شؤون الدول الأخرى تحت إي ذريعة أو لأي ظرف! ولكن السودان الآن كأنه تحت وصاية بعض الدول المجاورة ، فقد باتت تتدخل في أدق الشؤون الداخلية، بل تعين وتعزل المسؤولين عبر عملائها من بني جلدتنا الذين يرتادون بعض السفارات ويقبضون منها الأموال الطائلة مقابل تنفيذ مخططاتها في بلادهم ، مع المجاهرة الفاضحة بهذه الخيانة الوطنية في وسائل الإعلام ووسائط التواصل الاجتماعي! بعض هذه الدول، التي بثت مخابراتها في السودان مستقلة ما نحن فيه من تيه سياسي وعدم استقرار، كان مواطنوها يفلون القمل من أجسامهم وملابسهم عندما أعلن السودان استقلاله من الاستعمار البريطاني. وظل السودان دولة فاعلة في محيطها العربي والإفريقي ، تقدم كل المساعدات المطلوبة والممكنة بلا تدخل في الشؤون الداخلية لجيرانها أو فرض وجهة نظر معينة عليهم ، ولكن انقلبت الموازين في هذا الزمن المملوخ ، فتكالبت علينا الدول كما تتكالب الأكلة على قصعتها! .
بعض الدول تسعى لتحقيق مآرب اقتصادية سواء عن طريق التهريب أو بتوزيع عملات سودانية مزورة لشراء المنتجات السودانية، وبعضها يقوم بخدمة أهداف دول أخرى لأنه جُبِل على العمالة الرخيصة ، ولو كان ذلك على حساب مستقبل الأمة العربية والإسلامية وأمنها واستقرارها ووحدتها ، وكأنهم قد نسوا مقولة “أكلت يوم أكل الثور الأبيض”. وما ذلك إلا لظنهم أن هذه الدول سترضى عنهم إذا ساعدوها في تدمير السودان بعد أن بدأ يشق طريقه نحو الصناعات العسكرية التي يظنون أنها تهدد أمنهم القومي، فصاروا يتوجسون خيفة من بلادنا ، هذا المارد العملاق الذي يمتلك ثروات ومصادر طبيعية مقدرة وإذا سمح له باستغلالها فسوف يصبح قوة إقليمية ضاربة ! ولهذا السبب يتحدثون هذه الأيام عن هيكلة القوات المسلحة السودانية واختيار هيئة أركان لها وكأن السودان ضيعة مهملة تسرح فيها الهوام وتمرح بلا رقيب ولا حسيب ، والهدف هو إيجاد جيش يكون خاضعاً لإرادة الاستخبارات الأجنبية وينفذ كل ما تطلب بلا حول ولا قوة.
في واقع الأمر تحولت معظم السفارات والبعثات الدبلوماسية في الخرطوم ، بما في ذلك بعثة الأمم المتحدة ، إلى أوكار للعمل الاستخباراتي الذي هو موجه ضد مصالح السودان واستقراره بالدرجة الأولى أو على تقدير لتدجين هذا البلد حتى يصبح طوع بنانهم بمساعدة العملاء والخونة من أبنائه الذين رهنوا ارادتهم للأجنبي مقابل ثمن بخس دولارات أو دراهم أو حتى جنيهات معدودة ، بحجة أنهم يسعون إلى تحقيق الحكم المدني والديمقراطي بعيداً عن هيمنة العسكر ، ولكنهم في ذات الوقت يرفضون مجرد الحديث عن الانتخابات التي هي الوسيلة المثلى لتحقيق الديمقراطية والحكم المدني. هنالك تناقض واضح في سلوك هؤلاء الناس ؛ لأنهم يقولون شيئاً لدغدغة مشاعر الجمهور ويفعلون غيره في الدوائر المغلقة عند تواصلهم مع أجهزة الاستخبارات.
من جانب آخر ، لم يكن أي سفير يجرؤ على عبور جسر النيل الأبيض إلى أم درمان أو جسر النيل الأزرق إلى الخرطوم بحري بدون الإذن المسبق من وزارة الخارجية السودانية ، وذلك أيام حكم الرئيس جعفر نميري ، رحمه الله وغفر له ، ومن يقدم على فعل ذلك سوف يكون شخصية غير مرغوب فيها ويبعد من البلاد خلال يومين أو ثلاث بالكثير . أما الآن فالسفراء الأجانب هم الذين يحددون كيفية التواصل مع عملائهم ويجتمعون معهم أينما ووقتما أرادوا بدون مراعاة لأبسط الأعراف الدبلوماسية التي تحتم احترام سيادة الدول وفقاً لاتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية لعام 1961م والاتفاقيات الدولية والإقليمية الأخرى المعمول بها في هذا الصدد ، علاوة على ميثاق الأمم المتحدة الذي ينص على حماية سيادة الدول واحترام استقلالها.
السودان يمر في هذه الآونة بفترة من الضعف والشتات جعلته مرتعاً خصباً ولقمة سائغة للدول وكل منها يريد أن يأخذ نصيبه من هذا “الجمل بعدما طاح وكثرت عليه السكاكين” فهنالك من يسعى ليجد له موطئ قدم في مواني السودان المطلة على البحر الأحمر ، وثمة دول تريد اقتطاع أجزاء واسعة من حدود السودان ، وحكومتنا البائسة لا تستطيع تحريك ساكن للوقوف في وجه هذه المساعي المسعورة بعد أن دب الوهن في دولاب الحكم في السودان وضربت الفوضى أطنابها في كل ربوعه ، والشعب السوداني الأبي بات يتفرج على الأحداث وهو مسلوب الإرادة بعد أن سيطر العملاء على مقاليد الأمور وامتلأت جيبوهم من الأموال الحرام وباعوا ذممهم للأجنبي الذي لا يرقب فينا إلاً ولا ذمة.
العلاقات بين الدول الآن تحكمها المصالح ولا مكان فيها للصلات التاريخية والقيم والأخلاق والجوار والمصير المشترك ، فكل هذا قد ذهب أدراج الرياح بعدما نجح أعداء الأمة العربية في السيطرة والتحكم في قرارتها وطفقوا يوجهون قادتها لتحقيق مقاصدهم الهدامة بحجج واهية كمحاربة الإرهاب ووقف المد الإسلامي وفرض النظام الديمقراطي ، مثلما حدث في تونس وما يحدث الآن في السوان وربما دول عربية أخرى.
