
جنى انفصال صغير، هكذا وصف دكتور جون قرنق دي مبيور زعيم الحركة الشعبية الراحل، الحكم الذاتي في المنطقتين، ولعل الفريق مالك عقار والذي حاز بالاقتدار على مطالبته بالحكم الذاتي لولاية النيل الأزرق، لم يكُ ينطلق من منصة رعناء، وإنما كان يقصد المعنى الحقيقي للمطالبة بضرورة تطبيق مبدأ إنفاذ الحكم الذاتي ليس في ولايته فحسب، وإنما في كل ولايات السودان، والتي كلها، وبلا استثناء في أمسّ الحاجة لهذا النوع من الحكم، من منطلق ما ظلّت تُعانيه بشدة من تهميش وإهمال من المركز ككل وبلا تمييز.
في الأسطر القادمات نرمي لإزالة اللبس الذي عَلَقَ بأذهان الكثيرين حول مفهوم الحكم الذاتي، وماذا يعني؟.. وهنا نتناول القضية من منظورها في القانون الدولي العام.
ولا شك أنّ مُطالبة الفريق مالك عقار بالحكم الذاتي باتت الآن مطلباً أساسياً لكل مكونات الولاية، عقب ما عانته من إهمال ونهب لثرواتها من قِبَل المركز دون منحها عائداً يُذكر يعينها في إنفاذ برامج التنمية الحقيقية على الأرض، منذ الاستقلال وحتى مجئ حكم المؤتمر الوطني البائد، والذي بدوره (أتمَّ الناقصة)، وأذاق شعب النيل الأزرق الأمرين، ولعلنا عند التأكيد على أن الحكم الذاتي مطلب شعبي في النيل الأزرق، لا ينقصنا الدليل المتمثل في نتائج عملية التصويت على المشورة الشعبية، والتي كانت أحد أسباب قيام الوطني بشن الحرب على حاكم الولاية وقتها الفريق مالك عقار، لا سيَّما وأن مفهوم الحكم الذاتي تاريخياً يعكس جوانب مُتعدِّدة لحياة بعض المُجتمعات الإنسانية والقوميات والمُجتمعات العرقية، والتي تنطبق تماماً على مجتمعات النيل الأزرق.
وبالغوص في مفهوم الحكم الذاتي في القانون الدولي العام، يمكن تعريفه بـ(أن يحكم الإقليم نفسه، في إطار الدولة الواحدة)، ويقصد به أيضاً، أنه صيغة قانونية لمفهوم سياسي يتضمن منح نوع من الاستقلال الذاتي للأقاليم لأنها أصبحت من الوجهتين السياسية والاقتصادية جديرة بأن تقف وحدها مع ممارسة الدولة ذات السيادة عليها.
وقد برز مفهوم الحكم الذاتي منتصف أربعينيات القرن الماضي، عندما هجرت الدول الاستعمارية سياسة اللا مركزية في إدارة شؤون مستعمراتها، ولجأت إلى تطبيق الحكم الذاتي بهدف تحويل رابطة الاستعمار بينها وبين مُستعمراتها إلى علاقة اشتراك، بمعنى آخر بقاء المُستعمرات في حالة تبعية، لكن في إطار جديد هو الحكم الذاتي، ومن هنا كانت العلاقة بين الطرفين على أساس مبادئ القانون الدولي العام، غير أن التحولات التي شهدها العالم بعد الحرب العالمية الأولى وتأسيس عصبة الأمم وتبنيها لنظام حماية الأقليات ونظام الانتداب، جعلت مفهوم الحكم الذاتي يعرف تطوراً أساسياً، فقد تمكّنت الدول الاستعمارية من إيجاد صيغة قانونية لاستمرار هيمنتها الاستعمارية، وذلك عن طريق تطبيقها لنظام الحكم الذاتي في مستعمراتها.
وقد أدّى هذا التطور الذي شهده مفهوم الحكم الذاتي إلى خروجه من نطاقه الضيِّق كعلاقة داخلية إلى المجال الدولي واكتسابه بعد ذلك بُعداً قانونياً دولياً، وتم التنصيص عليه بعد ذلك في ميثاق الأمم المتحدة في الفصول 73 و74.
أما بشأن مفهوم الحكم الذاتي في القانون العام الداخلي (القانون الدستوري)، فقد قام مشرعو القانون العام الداخلي في الدول التي أسهمت ظروفها التاريخية والاجتماعية والسياسية في وجود قوميات أو جماعات مُتباينة، بمُحاولات للتخفيف من الطابع الاستعماري للحكم الذاتي، وذلك بتصويره كفكرة مُستمدّة من مبدأ تقرير المصير القومي، ومن ثم تنظيمها في إطار قانوني ليكون أساساً لحل المسألة القومية ومشكلة التكامل، ومن خلال ذلك ظهرت تطبيقات عديدة ومُتباينة في كل من إيطاليا وإسبانيا والسودان والعراق.
كما أن أكثر الحركات القومية والتنظيمات السياسية في الدول مُتعدِّدة القوميات، اقتنعت بأنّ الحكم الذاتي يمثل أحد أشكال التعبير السياسي القومي التي يُمكن بواسطتها تنمية التراث الحضاري والثقافي، وقيام الجماعات القومية بإدارة شؤونها الداخلية في إقليمها القومي، وانطلاقًا من هذا التصوُّر للحكم الذاتي اتّجهت هذه الحركات إلى تبني هذا النظام، دون رفع شعار المطالبة بالانفصال والاستقلال التام، حفاظاً على وحدة الوطن وصيانة الوحدة الوطنية، وقد ساعدت هذه الظواهر الجديدة على التخفيف من الآثار الاستعمارية التي عُلِّقت به في ظل السياسة الدولية، إذ اتّجهت مُعظم الدول التي تُعاني من الصراع الداخلي وعدم التكامُل إلى النص صراحةً على الحكم الذاتي في صلب دساتيرها.
ولعل المقصود بالحكم الذاتي أنه نظام قانوني وسياسي يرتكز على قواعد القانون الدستوري، وبتعبير آخر هو نظام لا مركزي، مبني على أساس الاعتراف لإقليم مميز قومياً أو عرقياً داخل الدولة بالاستقلال في إدارة شؤونه تحت إشراف ورقابة السلطة المركزية، ولهذا فهو في نطاق القانون الداخلي أسلوب للحكم والإدارة في إطار الوحدة القانونية والسياسية للدولة.
وقد عرَّف القانون الأوروبي الحكم الذاتي المحلي في مادته الثالثة بأنه (قدرة الوحدات المحلية، والإقليمية الفعلية وحقها في تنظيم وإدارة جانب كبير من الشؤون العامة تحت مسؤولياتها، ولصالح سكانها في إطار القانون، وإن هذا الحق يُمارس عن طريق مجالس، أو جمعيات مُشكّلة من أعضاء منتخبين في اقتراع حر وسري، ويتميز بالمساواة، سواء أكان مباشراً أو عاماً، ولهذه الجمعيات والمجالس أن تمتلك أجهزة تنفيذية مسؤولة تجاهه).
إن الهدف الأساسي من الأخذ بتطبيق الحكم الذاتي في القانون الوضعي، هو حماية قومية أو حماية جماعة عرقية معينة، تقطن في إقليم مميز تاريخياً وجغرافياً.. ضمن أقاليم الدولة التي تمتاز مجتمعاتها بالتعدد العرقي والجغرافي، وبالتالي يرتبط مفهوم الحكم الذاتي، هنا بمبدأ القوميات ارتباطاً مُهماً ووثيقاً، كما أن تطبيقات الحكم الذاتي الداخلي لا تأخذ شكلاً واحداً، بل إنّ تطبيقاته تختلف من دولة لأخرى حسب الظروف التاريخية والسياسية والقانونية، بيد أن الأقاليم المحكومة ذاتياً لا يحق لها وفقاً للقانون الدولي، أن تُحظى بحق تقرير الشؤون الخارجية والدفاع، وهذا ما ينطبق بالحرف على إقليمي النيل الأزرق وجنوب كرفان، بل كل أقاليم السودان بلا تمييز، وهو ما دعا الفريق مالك عقار رئيس الحركة الشعبية قطاع الشمال لتبني هذا الطرح والإصرار عليه.
من كل ما سبق، يتّضح أنه لا مشكلة البتّة في أن ينال أي إقليم، وفي أي دولةٍ كانت الحكم الذاتي، وفقاً للقانون الدولي الذي أقرّ ذاك الحق منذ منتصف أربعينيات القرن الماضي، بيد أن ذلك أيضاً لا يعني خلو الحكم الذاتي نفسه من مشكلات يمكن أن تظهر بين الإقليم المعني والدولة الأم، حيث تتوقّف إثارة مُشكلة الأراضي في الإقليم المُتمتِّع بالحكم الذاتي وفقاً لطبيعة المُشكلات المنوط به مُعالجتها، وكذلك طبقاً للسياق التاريخي بجوانبه القومية والثقافية، ففي حالات عديدة لا تمثل الأراضي مشكلة محورية، إذ غالباً ما يتقرّر وضع الأراضي طبقاً لما كانت عليه في السابق، أي قبل قيام سلطة الحكم الذاتي، أي أنّها تمثل جُزءاً لا يتجزّأ من إقليم الدولة، وإذا ما أُثيرت فإنّها تُثار تحت صيغة تحويل أو تفويض سلطة الحكم الذاتي إدارة الأراضي الداخلة في نطاق الخدمات والنشاطات التي تمارسها.
وعلاوة على ذلك، غالباً ما يتم الإشارة أو النص في تقرير صيغة الحكم الذاتي حول المساواة بين مواطني إقليم المتمتع بالحكم الذاتي والمواطنين الآخرين في الأقاليم المختلفة للدولة المعنية في تملكها وشرائها والانتقال من الإقليم وإليه من دون حواجز ثقافية أو لغوية أو عنصرية، وذلك إعمالاً للمساواة بين المواطنين التي تكفلها الدولة وتدخل ضمن صلاحياتها، وكذلك تأكيداً لسيادة الدولة على الأراضي والأقاليم كافة الخاضعة لها.
بجانب المسائل الأمنية التي تقتصر في تطبيقات الحكم الذاتي على الأمن الداخلي المحدود بنطاق الإقليم المُتمتع بالحكم الذاتي، ذلك أن قضايا الأمن القومي تدخل في عداد صلاحيات الأجهزة المركزية للدولة، وطبقاً لذلك فإنّ مُعظم الوحدات المُتمتِّعة بالحكم الذاتي لها صلاحية تشكيل قوة شرطة محلية، وحتى في المجالات التي لا ينص فيها على ذلك، فإن الإقليم المُتمتِّع بالحكم الذاتي بإمكانه تشكيل قوة شرطة محلية تضمن تنفيذ التشريعات في مجال الضرائب والتجارة، وحماية البيئة، جزيرة غرينلاند وإقليم الباسك مثالاً.
أما فيما يختص بالسياسة الاقتصادية والمالية العامة، فتمثل وحدات الحكم الذاتي، بدرجات متفاوتة، جزءاً من اقتصاد قومي موحد وسياسة مالية موحدة على الصعيد القومي، إذ تحتفظ الحكومة المركزية بحقوق وصلاحيات لا تقبل المُنازعة في تقرير السياسة المالية وسك النقود، وتحديد معدلات الصرف، والإشراف على نظام قومي للجمارك والضرائب، ووضع خُطط التنمية الاقتصادية، وعقد الاتفاقيات المالية، والقروض مع الدول الأجنبية، ومع ذلك.. فقد تسمح الدولة في بعض الحالات للحكومات الذاتية، بفرض وتجميع بعض الضرائب المحلية، أو تفويضها في ذلك.
نظام الحكم الذاتي الإقليمي: تجربة سودانية ناجحة و إن قُوِّضت
بقلم: أتـيـم قـرنـق
الشأن السوداني هذه الأيام هو الطاغي علي وسائل الإعلام الإقليمية و الدولية، لما تشهدها الساحة السودانية سياسياً و اجتماعياً و وجود مشكلات قديمة ورثها الحكام الحاليون. و يبدو لي ان الوضع لن ينجرف نحو الهاوية لما لدي السودانيين من خبرة في ما تعرض له السودان من هزات إجتماعية و سياسية و أمنية خلال الثلاثين سنة الماضية.
لكن السؤال المهم هو: كيف يمكن حكم السودان بعد انفصال الجنوب و ذهاب نظام المؤتمر الوطني؟ احتمال ان ما اعلنتها و صادقت عليها الحكومة السودانية مؤخراً قد يكون المخرج نحو سودان مستقر و موحد، و هو اعلان تطبيق نظام الحكم الذاتي الإقليمي لمنطقتي جنوب كردفان و جنوب النيل الأزرق و دارفور آيضاً، نزولاً لمتطلبات اتفاقية جوبا للسلام؛ و هذا في نظري يدعم مصداقية السلام في السودان.
ما أريد ان أساهم به في هذا المقال، هو كيف يجب علينا في جنوب السودان الوقوف مع الشعب و الحكومة السودانية في ان تكون السودان هي القدوة في المنطقة في تطبيق نظام الحكم الذاتي من أجل إدارة التنوع لتحقيق الاستقرار و تقدم البلاد، علي رغم من خروج جنوب السودان من التنوع السوداني هذا. و السودان مؤهل لتحقيق الاستقرار السياسي و الإجتماعي و الاقتصادي في (إقليم الايغاد) بصفة خاصة و إفريقيا بصفة عامة لما لدي السودان من تجربة في مجال الحكم الذاتي.
التجربة السودانية في مجال الحكم الذاتي الإقليمي كانت تجربة رائدة و متقدمة في مجال الحكم في افريقيا، قدمت انموذجاً فريداً و ناجحاً إلا انها انهارت بعد عشر سنوات من تطبيقها و إنهيار تلك التجربة ادت الي ما آلت اليها الأوضاع في (السودانين). و يبدو ان المفكريين السودانيين لم يحاولوا دراسة تلك التجربة بشئ من التحقيق و البحث العلمي لمعرفة عوامل فشل تلك التجربة السودانية الرائدة. الذين تطرقوا لها هما السيدان: أبيل إلير و جوزيف لاقو و هما من تمت علي يديهما اتفاقية أديس أبابا عام ١٩٧٢ و التي بموجبها تم تطبيق نظام الحكم الذاتي في جنوب السودان وهما آيضا تحت مرآيهما تمت تقويض تلك الإتفاقية.
عندما تم تطبيق الحكم الإقليمي بدأية من عام ١٩٧٢، شهد جنوب السودان استقراراً حقيقياً في مجال الأمن بصورة عامة و استقرار اجتماعي بصفة خاصة. و رغم عدم توفر أموالٌ للتنمية الا ان الخدمات الاجتماعية من تعليم و صحة قد شهدت طفرة كبيرة جداً كما ان الطرق، رغم عدم سفلتتها فإنها، ربطت عواصم المديريات و المراكز و سهلت عملية التواصل التجاري و الإجتماعي بين المكونات الإدارية و الإجتماعية في الجنوب.
إن الطفرة الخدمية التي شهدها الجنوب بين أعوام ١٩٧٢-١٩٧٨ تعود أساساً الي أعتماد الحكومة الإقليمية أنذاك علي عناصر ادارية ذات تدريب تخصصي عالي و خبرات و كفاءات مهنية مكتسبة من الخدمة الطويلة، و هي كانت عناصر متدني الفساد وسطها و مهنية في تعاملاتها الوظيفية. هذه الكفاءات المهنية إنعكس جهودها في بسط حكم القانون و استقرار الأمن و تقديم الخدمات الاجتماعية، بصورة متوازنة بين مكونات الجنوب، و إن كانت محدودة بسبب نقص الأموال.
عنصر أخر ساهم في نجاح تجربة الحكم الإقليمي كان وجود جهاز تشريعي، منتخب ديمقراطياً، (مجلس الشعب الإقليمي او البرلمان) قوي و مستقل لا يعمل بتوجيهات من الجهاز التنفيذي. ساهم البرلمان في الإقليم في محاربة الفساد بكل اشكاله، و لكن عندما بدأت الحكومة المركزية تتدخل في شئون الحكومة الإقليمية عام ١٩٨٠، وبما فيها البرلمان، دب الوهن و الضعف علي الحكم الإقليمي و بدأت نهاية اتفاقية أديس أبابا التي انتهت عام ١٩٨٣.
السودان حالياً يقوم بتطبيق نظام الحكم الذاتي في المناطق التي ذكرتها و يمكن ان تنجح التجربة اذا درست قادة السودان تجرب (الإقليم الجنوبي) ١٩٧٢-١٩٨٣. و في اعتقادي هناك العديد من العوامل التي ساهمت في تقويض الحكم الإقليمي في جنوب السودان و ساهمت في قيام الحركة الشعبية و الجيش الشعبي لتحرير السودان عام ١٩٨٣ و من بين تلك العوامل:
تجويع الحكومة الإقليمية اقتصادياً و تنموياً. كانت تراد ان تكون حكومة صورية لوقف الحرب و كسب الدعم الإقليمي و الدولي و تحويل المصروف الحربي لتنمية الشمال!
وجود حكومتان متعارضتان منهجياً، حكومة (مركزية) عسكرية ديكتاتورية متسلطة وان استخدمت سياسيين مدنيين و حكومة (إقليمية) مدنية ديمقراطية منفتحة في الجنوب.
نجاح الديمقراطية في الجنوب من خلال ممارسة انتخابات حرة و نزيهة (انتخابات عام ١٩٧٤ و انتخابات عام ١٩٧٨) كان تهديداً حقيقياً و مباشراً لوجود النظامين الدكتاتورين في كل من السودان و مصر.
الحكومة المركزية لم تكن لديها اَي مشروع قومي في الجنوب من تخطيطها، تماثل المشاريع التنموية الهائلة المبتكرة، في مجال صناعة السكر والطرق المسفلة و المطارات الحديثة،و غيرها من بنية تحتية في الشمال؛ هذا عمق من شعور التهميش عند الجنوبيين.
نمو التوجه القبلي في الجنوب و الصراع علي المناصب الدستورية لما تحملها معها هذه المناصب من إمتيازات و منافع مادية و ساندت و دعمت (الحكومة المركزية) هذا التوجه.
التدخل من قبل الخرطوم في الانتخابات في جنوب السودان ١٩٨٠-١٩٨٢، و هو أمر كان تستهجنه ساسة الجنوب في بدأية الامر و لكن فيما بعد أحتضنته النخبة الجنوبية من اجل الوصول للمناصب العليا.
المعارضة السياسية القوية من قبل المعارضيين الحزبيين للنظام في الشمال، و الرافضة لاتفاقية الحكم الإقليمي لعام ١٩٧٢، تمكنت هذه المعارضة الشمالية من خلق و إشاع وهماً قوياً و إفتراءً خصيص بوجود (بنود سرية) لاتفاقية أديس أبابا مما زرع الشك و الريبة في عقول و نفوس مؤيديهم السياسيين و مريديهم الدنيين و توابعهم الأيديولوجيين عن عدم وطنية هذه الاتفاقية!!
بعض السياسات الفوقية كانت تتفق عليها الحكومتان المركزية و الإقليمية و لم تكن مقبولة لدي شعب جنوب السودان، خصوصاً فيما يختص بمشاريع قيلت انها قومية في حين كان يراها شعب جنوب السودان، بأنها محاولة للهيمنة و التغول علي موارد الجنوب: و من بينها مشروع قناة جونقلي و إنشاء مصفاة البترول خارج الجنوب، و تعديل حدود ١٩٥٦ بين الجنوب الشمال. هذه السياسات عمقت و زادت من عدم الثقة لدي شعب الجنوب في الحكومتين و الشعور بضبابية مستقبل الإنسان الجنوبي.
السياسات (القومية) في كثير من المجالات، مثل الخارجية، كانت تطبق حسب ما يقررها الحكومة المركزية دون الاهتمام برأي و موقف حكومة و شعب الجنوب
سياسات (الكشة) و طرد و ترحيل الجنوبيين قسراً من الخرطوم والعديد من مدن الشمال و ما صاحبتها من إزلال و تنكيل، فسرها الجنوبيون علي انها عنصرية صريحاء و عضدت من شكوك الجنوبيين القديمة التي قيلت في مؤتمر جوبا عام ١٩٤٧ بان وحدة الشمال و الجنوب ستكون عقيمة!
اعلان تنفيذ تطبيق نصوص (قوانين) الشريعة الإسلامية ١٩٨٣، و بديهياً كان اعلان سياسي، و اجتماعي و ثقافي بإلغاء مبدأ حكم السودان من خلال الاعتراف (بالتنوع الثقافي و الاجتماعي و الديني) و الذي استندت عليه مقررات مؤتمر المائدة المستديرة مارس ١٩٦٥، و إعلان التاسع من يونيو عام ١٩٦٩، و قانون الحكم الإقليمي لسنة ١٩٧٢ و دستور عام ١٩٧٣.
قوات الانيانيا التي (استوعبت) في (الجيش السوداني) عام ١٩٧٢ لم تكن مندمجةً اندماجاً كاملاً مهنياً و إجتماعياً مع (الجيش السوداني). كان يطلق علي أفراد قوات الانيانيا من قبل أفراد (الجيش السوداني) اسم (المستوعبين) و هو إسم ينطوي علي تقليل من (مهنيتهم العسكرية) مما خلق شرخ نفسي عميق بين مكونات الجيش السوداني آنذاك. ذلك الوضع النفسي لدي مكون الانيانيا في الجيش السوداني في الجنوب و (ضبابية مستقبل إنسان جنوب السودان) مهد و دعم علي ما حدث عام ١٩٨٣ عندما تجددت الحرب مرة أخري في السودان، و التي نتجت عنها (حق تقرير المصير) و استقلال جنوب السودان ٢٠١١.
نحن في الجنوب لم ندرس عوامل نجاح و فشل تلك التجربة لأننا ورثنا الكثير من نواقص الحكم الرشيد. كان من المفترض ان نبدأ نظامنا بثلاثة أقاليم لكل إقليم نظام حكم ذاتي علي غرار اتفاقية أديس أبابا ١٩٧٢و من هناك نحو النظام الفدرالي. اتمني ان تنجح السودان في قيادة المنطقة نحو نظام الحكم الذاتي.
Atem G Dekuek
Show quoted text