مقالات سياسية

سنوات الاستقلال وحصاد الهشيم !

محمد التجاني عمر قش

يحتفل الشعب السوداني ، هذه الأيام ، في مشارق البلاد ومغاربها ، بالذكرى السابعة والستين لعيد الاستقلال المجيد ، فقد أنزل العلمان الإنجليزي والمصري من سارية العلم بالقصر الجمهوري في الأول من يناير لعام 1956م . وانتهت بذلك فترة الحكم الثنائي الذي جسم على صدر الأمة السودانية لما يزيد عن نصف قرن من الزمان . وبعدها أصبح السودان دولة مستقلة ذات سيادة حسب مواثيق الأمم المتحدة والمنظمات الدولية والإقليمية الأخرى . وقد احتفى السودانيون بذلك الحدث وخلدوه في أشعارهم وتراثهم وتغنوا به ممجدين لعظماء الأمة الذين ناضلوا في هذا الصدد حتى تحقق لهم ما يريدون . وقد حفظنا نحن الجيل الذي رأى النور بعد الاستقلال مباشرة أناشيد كثيرة كنا نرددها كلما حلت ذكرى الاستقلال ومنها قول الشاعر :

اليوم نرفع راية استقلالنا

ويسطر التاريخ مولد شعبنا

يا إخوتي غنوا لنا – غنوا لنا

يا نيلنا ويا أرضنا الخضراء يا حقل السنا

يا مهد أجدادي ويا كنزي العزيز المقتنا

وكنا نطرب أيما طرب لمثل هذه الألحان الخالدة التي تثير في النفوس الحماس الوطني والاعتزاز بقيادتنا التاريخية ورموزنا من أمثال عبد الرحمن دبكة وعمنا مشاور جمعة سهل؛ فكما هو معلوم فإن الأول هو من قدم اقتراح الاستقلال تحت قبة البرلمان وثناه الأخير، وذلك فضلاً عن أسماء لامعة من أمثال الأزهري والميرغني وعبد الرحمن المهدي وغيرهم من كبار الشخصيات التي خلدت ذكرى طيبة لكثير من الأجيال . وبما أننا على وشك أن نودع هذا العام ، وإن شئت فقل السنة ، والفرق بين العام والسنة معلوم لدى أهل اللغة ، فإن كثيراً من الكتاب سوف يكتبون عن الاستقلال من زوايا ومنطلقات مختلفة ومتباينة ، فكل له وجهة نظره للأمور.

عموماً بما أن الاستقلال من الأحداث الوطنية التي يجدر بنا تخليدها والاحتفاء بها ، وددت المشاركة بهذا المقال الذي أرجو أن يكون بعيداً عن السرد التاريخي ؛ لأن القصد هو وقفة تأمل فيما حقق هذا الشعب من إنجازات خلال كل هذه العقود الممتدة منذ عام 1956م وحتى هذه اللحظة. فهل فعلاً يحق لنا أن نكون سعداء بنيل الاستقلال؟ وهل جنينا من ذلك ما كنا نحلم به من استقرار وتنمية وتطوير لبلادنا وتقديم ما يستحق المواطن من خدمات وأمن ورفاهية وعيش كريم؟ أم أن الأوضاع قد سارت بغير ما كان يشتهي السودانيون ويأملون ، يا ترى؟ وما هي الأسباب التي أدت إلى ما نحن فيه من أوضاع متدهورة في المجالات كافة؟ ومن أجل محاولة الإجابة على جملة هذه الأسئلة نقدم هذا التعريف المختصر والجامع لمفهوم الاستقلال ، وننظر بعد ذلك إلى ما تحقق لنا على جميع الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية . وحسب بعض المصادر يعرف الاستقلال بأنه: “حالة أمة أو بلد أو دولة يمارس فيها المقيمون والسكان أو جزء منهم ، حكمًا ذاتيًا ، وعادة ما يتمتعون بالسيادة ، على أراضيها . والاستقلال يعني السيادة ويعني الإرادة ويعني القدرة ويعني أمن المواطن الشامل الذي يحفظ كرامته ويحقق رغباته ويحفظ ماله ووقته وجهده ويحترم إنسانيته ويمنع الاستهتار به”.

ووفقاً لهذا التعريف يرى كثير من المراقبين أن السودان لم يحصد إلا الهشيم من استقلاله، فالمواطن الآن يكابد الأمرين من أجل الحصول على لقمة العيش في جو يسوده اضطراب أمني لم تشهد له البلاد مثيلاً من قبل ، حتى صارت دماء السودانيين تسيل في شوارع الخرطوم وغيرها من المناطق جراء ما تقوم به عصابات النهب والسرقة ، دون أن تتحرك الجهات المسؤولة عن حفظ الأمن للحيلولة دون ذلك . فكم من أسرة فقدت عزيزاً لديها أو أموالها ، وصار الإنسان غير آمن على نفسه ولا عرضه ولا ماله ! ولقد حكي لي أحد كبار السن الذين عاصروا عهد الاستعمار أنهم ندموا أشد الندم على ترديد النشيد المشهور :

يا غريب يلا لي بلدك … يلا يلا لي بلدك

يلا لي بلدك سوق معاك ولدك لملم عددك

انتهت مددك وعلم السودان يكفي لي سندك

وكان مبرره لهذا الشعور أن الإنجليز كانوا ناس عدل ونظام ولكن بعد خروجهم “ما شفنا خير كله كله”! وإن كنا لا نقر هذا القول لكن الحق يقال إنه يحمل في طياته قدراً من الحقيقة والواقع . فكيف فشل السودانيون ، مع تعاقب حكوماتهم من ديمقراطية إلى عسكرية ، في تحقيق الحد الأدنى من متطلبات واستحقاقات الاستقلال المشار إليها في التعريف أعلاه؟ وهل صحيح قول الرجل الأبيض أن شعوب أفريقيا لا تجيد فن إدارة نفسها أو الحكم الذاتي لأوطانها؟ وهذه هي الذريعة التي قدمتها دول القارة العجوز للتكالب على أفريقيا ونهب ثرواتها . ومعظم التجارب السياسية في أفريقيا كانت وبالاً على الشعوب وأوردتها موارد الذل والهوان . ووضعنا في السودان بعد كل هذه السنين ليس استثناءً ؛ خاصة في هذا الزمن المملوخ ، فقد زاد حشفاً وسوء كيلة ، فما زلنا نتصارع حول الهوية واطلت علينا القبلية والجهوية في أبشع صورها ، وأصبحت إرادة البلاد مرتهنة للأجنبي واستشرت العمالة حتى صارت مهنة للبعض.

‫2 تعليقات

  1. ماذا يقصد القش بالعمالة ؟
    اتراه يشير الى القاعدة الروسية التى كانت (ستجسم وليس تجثم على حد تعبيره اعلاه ) على موانىء البلاد شرقا ؟!
    ام تراه يقصد الذهب السودانى الذى تبنى به روسيا امبراطوريتها المالية ؟!
    لعله يشير بطرف خفى الى صرخة الاستغاثة التى اطلقها البشير بروسيا ، قبل ان يهرع الى روسيا و يرتمى فى احضان رئيسها ؟!
    ام انه يرمى للعلاقة الايرانية السودانية مع الجماعات الجهادية و الارهاب الدولى ابان الترابى ؟!
    على اى حال :
    يذكر للادارة الانجليزية العاملة على وصايته بعد المهدية (ليس استعمار ) _ انها سلمت عهدتها و العملة السودانية تفوق نظيرتها لديهم بثلاثة اضعاف . كما يشهد لهم بالحفاظ على كرامة و رفاهية و سلامة هذا الشعب حتى (جسم ) نظراء قش على صدر سلطاته و ثرواته ، فعملوا على هز اوساطهم بها كما تفعل الكلاب فى موسم التزاوج ..
    فعن اى استعمار و عمالة (يخشخش بها القش ) ؟!

  2. يا قش كل عام وانت بخير من شرور حكامنا الحاليين وأذنابهم وأذيالهم ومموليهم في الخارج والداخل. نحن نقول لك أصبت حين فعلاً تصيب ولكن للأسف إصاباتك دائماً كإخوانك الذين لا يرضون بقول الحق والحقيقة كاملة أبداً. نعم مازلنا نتصارع على الهوية – وطبعاً الهوية ليست التي عرفنا بها العالم فسمانا السودان وقد أصبحت رقعتنا الجغرافية معلومة من خلال الاستعمار الانجليزي ولا أقول المصري فالشعب المصريين محكوم مثلنا من نفس الزول – فشراكة الحكم بين الخديوي والانجليز ظاهرة أوضح ومنطبقة أكثر على مصر وليس السودان. فالإنجليز كانوا يحكمون لنفسهم وملكتهم والمصريين كانوا عمال الخديوي أو ممثليه في الشراكة مع الانجليز الذين حكموا السودان أي كل الحكام العامين كانوا انجليز ولم يكن المصريون أو الترك حكاماً إلا في التركية السابقة قبل الانجليز. والمهم كنا قانعين بهذا الاسم السودان طالما عبر عنا خير تعبير أقصد عرفنا بلا لبس فهناك من الأعراق والألوان من يشبهوننا من الجيران والمهاجرين إلينا بلا غزو ولا اخضاع وعابرو طريق هجرات وحج وقد وسعهم الاسم ووسعتهم الارض وخلاص. إلى أن جاء الأنجاس ليفرضوا ديانة ليسوا بأهلها ولا أحق بها صدقاً ولا عدلاً وانما نفاقاً وجهلا – والهوية الدينية رغم زيفها وخداعها فقد استخدموها أبشع الستخدام ووظفوها لأبشع الغايات السوء وهي فصل ثلث البلاد وفقدان مثلث حلايب ومناطق حدودية أخرى. لقد كان زيف الأنجاس واضحاً في استخدام الهوية الدينية وهم يضمرون تكتيكياً الهوية العرقية العروبية ولذا لم يكن عداؤهم مع القوميين العرب كبيرا فقد أشركوهم في برلماناتهم المزيفة. وبالطبع الجري وراء الهوية العربية سيمر بك بالجهات (الجهويات) التي تتوفر فيها فحاول الأنجاس تقريب القبلئل العربية المنغلقة منذ دخولها السودان واستثمار وجودهم فمنحوهم الجنسية وبطاقة الهوية فقط لهدف تكبير الكوم في الانتخابات اي انتخابات تشريعية ومهنية ونقابية وخلافها – يعني في النهاية الغرض حزبي وضيق واستغلالي. واليوم نراهم يحاولون الوصول بهذه الغايات الدنيئة إلى أدنى دناءتها بفصل أجزاء البلاد المختلفة بحسب توفر هذه القبائل العربية أو العروبية أو غير العربية ولكن مسلمة مع تفريق القبائل المسلمة وتمييزها كقبائل وقد استغل هذه الفكرة السيئة جماعة اللصوص المهاجرين والمسمون بالجنجويد والذين جلبهم نظام الأنجاس ليحل بهم محلات قبائل الزرقة المسلمين المواطنين لتطهيرهم أو اجلائهم من السودان – فربما اعتقد الأنجاس التخلص من زرقة مسلمين وابدالهم بعرب مسلمين هو أفضل لهم! وهكذا عاث أخوانك فسادا وقتلا وحرقا انطلاقا من سؤال الهوية الفتنة التي أرادوها وحدهم وأيقظوها وارتكبوا بها جميع الكبائر الدينية والفظائع العالمية – فهل قلت شيئا من ذلك يا قش أم تريد أن تاخد بينا لفات محلية قصيرة وتقول لينا هذا ما صنعت مدنيتكم في اربع السنوات اياها التي لم يبق فيها قرار واحد ساري المفعول؟

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..