بعد (67) سنة من الاستقلال .. السودان يستخدم (التكتك) للإسعاف

من الآخر
أسماء جمعة
خبر محبط تداوله الشعب السوداني بكثافة في وسائل التواصل الاجتماعي الأسبوع الماضي، في ظل الاحتفالات بالعيد الـ (67) للاستقلال. يقول الخبر: “إن وزارة الصحة بالخرطوم أعلنت عن تخصيص تكاتك – جمع تكتك – لإسعاف الحالات الحرجة لطوارئ الحمل والولادة بجبل أولياء وأمبدة، لخفض معدلات وفيات الأمهات”.
أي والله، تخيلوا، هذا ما حدث بالفعل.
الدولة تخصص وسيلة نقل خطرة وغير مطابقة للمواصفات لإسعاف الحالات الحرجة، حقاً إنها فكرة متخلفة، ولا يمكن أن نراها في أي دولة في العالم، غير هذه الدولة التي يحكمها العسكر والعصابات والمليشيات.
دولة تهرب مئات الأطنان من الذهب إلى روسيا لتؤسس لها اقتصاد حرب، وتعجز عن توفير سيارات للحالات الطارئة أياً كان نوعها. هذا رغم أنها (ترعى) سيارات الدفع الرباعي الحديثة والبكاسي، كما يرعى الناس الضأن والأغنام والبقر. لدرجة أنك تتحير متى صنعت، وأين، وكيف دخلت السودان. يملكون (أمرحة) سيارات، ويقدمونها لمن يريدون كالشاي والقهوة والعصير.
الخبر المحبط قابله الشعب السوداني بسخرية لاذعة في مواقع التواصل الاجتماعي والمجالس، وما زالوا حتى هذه اللحظة يتحدثون عنه، غير مصدقين أن تقوم وزارة الصحة بتحويل (التكتك) الذي ينقل البضائع وهو غير آمن وغير مطابق للمواصفات إلى إسعاف، وهم يتساءلون: كيف تم تعديله، وأين، وكم كلف الأمر؟ وهل يحتوي على كل التجهيزات المطلوبة لإسعاف الحوامل، خاصة مع زحمة الشوارع ووعورتها، والفوضى المرورية التي تجعل سيارات الإسعاف الحديثه، بكل إمكاناتها وإجراءات السلامة تتأخر، وأحياناً تتعرض لحوادث مؤسفة يموت فيها الجميع؟
طبعاً الفكرة نموذج لنفس مشاريع الفساد التي أدخلت (التكتك) و(الركشة) ووسائل نقل أخرى كثيرة غير مطابقة للمواصفات عبر شركات المؤتمر الوطني والحركة الإسلامية الاستثمارية لو تتذكرون. بحجة أنها مشاريع لخلق فرص عمل للمواطنين، وقد أثرى من خلفها الكثيرون. لذلك جاءت التعليقات أن الموضوع عبارة صفقة فساد مثل التي اشتهر بها النظام المخلوع، لتستفيد منها مجموعة محددة.
هذا إن لم يكن الأمر تم (من بعيد لبعيد) في الدولة المشهورة بتصنيع (التكاتك) و(الركشات)، والتي سبق لكوادر النظام المخلوع التعامل معها. طبعاً هم الذين يختارون المواصفات التي توفر لهم أكبر مبلغ، رغم أن المشروع قيل إنه مدعوم من الأمم المتحدة التي لن تعجز عن توفير سيارات إسعاف، ولو من خلال تأهيل سياراتها القديمة.
بغض النظر عن كل شيء، إنها خيبة أمل كبيرة أن يستخدم السودان بعد (67) سنة من الاستقلال (تكاتك) لإسعاف الحالات الحرجة، والعالم أصبح يستخدم الطائرات لنفس الغرض. (التكتك) وسيلة تشبه الوسائل التي استعانت بها البشرية بعد العربات التي تجرها الخيول، ولو استمرت هذه العصابات في حكم السودان، متوقع جدا أن تحول وزارة الصحة (الكارو) إلى إسعاف، وحقيقة تبدو هذه المرحلة قريبة جداً.
يبدو أننا سنرى العجب في ظل هذه السلطة الانقلابية، النسخة الثانية الحديثة للنظام المخلوع، لذلك هي أكثر تقدماً في الفساد والدمار. وإذا لم يتخلص منها الشعب، فلا أحد يمكنه يتصور ما سيكون عليه الحال خلال شهور، فقوموا إلى ثورتكم، وواصلوا النضال.
الديمقراطي