خبايا وأسرار المصري (أبو ناصر) الذي ظل مختبئاً في السودان (30) عاماً هارباً من الموساد والسادات..(2)

- هل اغتال الموساد أبو ناصر؟!
- ماذا كان يفعل (مشة) داخل المركز الثقافي الإيراني قبل الحادث بلحظات؟
- شاءت الأقدار أن القبر الذي جهزناه له بمقابر خوجلي لم يدفن فيه وكان من نصيب مرحوم آخر
- سائق الأتوس الذي أطاح به بشارع المطار يدحض فرضية تصفيته بواسطة أجهزة المخابرات
تحقيق ــــ التاج عثمان
**تسلل إلى السودان هارباً من حكم بالاعدام شنقاً لتفجيره المعبد اليهودي بالقاهرة عقب عودة الرئيس المصري (أنورالسادات) من زيارته الشهيرة لاسرائيل وتوقيعه على اتفاقية (كامب ديفيد).. الرئيس المصري السابق (السادات) وصفه بـ(الرجل الخطير) وجند مخابراته وكل أجهزته الأمنية للقبض عليه حياً أو ميتاً ..
من جانبه ظل جهاز (الموساد) الإسرائيلي يطارده ويلاحقه داخل وخارج مصر وحتى في السودان لاعتقاله حياً وتهريبه لإسرائيل ليحاكم هناك لتفجيره المعبد اليهودي بالقاهرة ..
وبعد مطاردات وملاحقات نجحت المخابرات المصرية في اكتشاف مخبأة بإحدى القرى النائية بصعيد مصر فاعتلقته وأحضروه مكبلاً بالأصفاد والزج به داخل سجن (الماظة) الحربي المصري تمهيداً لاعدامه شنقاً حتى الموت لكنه نجا من حبل المشنقة باعجوبة .. إنه المصري الملقب في مصر بـ(مشة) ـ على وزن (بشة) السوداني..
ظل مختبئاً داخل السودان (30) عاماً متنقلاً بين عطبرة ودنقلا وأخيراً طاب له المقام بالخرطوم دون أن يكشف أمره أحد .. والغريب أنه عمل موظفاً باسم مستعار بأرشيف صحيفة (الرأي العام) العريقة مدعياً أن اسمه (محمود أبو ناصر) وبعد موته أو اغتياله اتضح أن هذا لم يكن اسمه الحقيقي بل اسماً مزيفاً لكن لم يكتشف أحد من العاملين بالصحيفة سره إلا بعد موته (الغامض) بأحد شوارع العاصمة الخرطوم بعد تغطيته لندوة سياسية بالمركز الثقافي الإيراني بالخرطوم.. حيث أشارت أصابع الاتهام وقتها بتصفيته بواسطة جهاز (الموساد) الإسرائيلي .. من هو (مشة) أخطر رجل في مصر؟ .. وما هو اسمه الحقيقي؟ ..
وكيف نجا من حكم الاعدام بمصر؟ .. ولماذا ظل مطارداً من الرئيسين المصريين (أنور السادات) و(محمد حسني مبارك)؟ .. وأين وكيف تم اعتقاله؟ .. وكيف نجح في اختراق نظام الانقاذ البائد لدرجة أنه كان يكتب (التعليق السياسي) الذي كان يبث عبر أثير إذاعة امدرمان يومياً عقب النشرة الرئيسية الصباحية..
وكيف تقرب لقادة العهد البائد حتى أصبح من أقرب المقربين للرئيس المخلوع (عمر البشير) الذي كان يطلق عليه (الجعلي الأحمر)؟ .. ومن هو كاتم أسراره الذي كشف حقيقته بعد موته وكان يعلم كل صغيرة وكبيرة في حياته بمصر والسودان؟ .. (الحراك) عبر هذه السلسلة من التحقيقات الصحفية التوثيقية تكشف للحقيقة والتأريخ حقيقة هذا الرجل المصري (الغامض) الذي ظل يقيم بالسودان سنين عددا ويعمل بصحيفة (الرأي العام) لسنوات طويلة دون أن يكتشف أحد سره والذي كان سيحمله معه لقبره بعد موته المثير للجدل إلا أن مشيئة الله والظروف وحاستي الصحفية قادتني للشك فيه من بعض المواقف والنقاش معه لدرجة أنني شككت أنه قد يكون جاسوساً تمت زراعته في السودان ولكن بعد موته ـ رحمه الله ـ تبددت شكوكي واكتشفت أنه أخطر من ذلك بكثير**
حادث الأتوس
من خلال الحلقة الأولى أوضحنا كيف تغلغل (محمود ابو ناصر) داخل نظام الإنقاذ البائد بأعلى رموزه ومنهم الرئيس المخلوع (عمر البشير) الذي كان يطلق عليه (الجعلي الأحمر).. كما كشفنا كيفية التحاقة بالعمل بصحيفة (الرأي العام) السودانية بواسطة وزير إعلام بالعهد البائد فأصبح مسؤولاً عن أرشيف الصحيفة.. وكيف نجح بروحه السمحة ودعاباته وقفشاته ونكاته التي كان يوزعها على محرري ومحررات الصحيفة حتى كسب ودهم واحترامهم، خاصة بعد أن أصبح يؤم المصلين بالصحيفة ويتلو على مسامعهم ما تيسر من القرآن الكريم بصوته المميز العذب.
يوم الحادث المروري الذي تعرض له أخبرني أنه في طريقه لتغطية ندوة ثقافية بمقر الملحقية الثقافية الإيرانية بالعمارات الخرطوم غرب شارع إفريقيا ـ المطار ـ ودعاني لحضور فعالياتها معه، على أن نعود معا بعد انتهاء الندوة لتوصيله لمنزله بحي حلة خوجلي ببحري القريب من منزلي، فاعتذرت له لارتباطي ببعض المواعيد الصحفية، فغادر لوحده.. وقبيل أذان العشاء بقليل اتصلت بي زوجته الثانية (سناء) على الهاتف قائلة بصوت باكي:”محمود تعرض لحادث.. دهسته سيارة بشارع المطار، ويوجد الآن بمستشفى الأطباء القريب من مكان الحادث!!”.. فخرجت مسرعاً لمستشفى الأطباء وهناك وجدته راقداً على نقالة بغرفة الطوارئ مجبص الرجلين، لكنه كان في كامل وعيه حتى ابتسامته (الغامضة) ارتسمت على وجهه عندما شاهدني أقف أمامه..وكان حوله كل محرري ومحررات (الرأي العام) يواسونه ويشجعونه.. وكان يكرر ما حدث له لكل زميل أو زميلة يأتي لمعاودته..
حيث ذكر أنه بعد انتهاء الندوة الثقافية والتي قام برصدها، خرج من المستشارية الثقافية الإيرانية برفقة بعض المحررين الشباب من عدة صحف أخرى الذين قاموا بتغطية الندوة الثقافية ايضا لصحفهم.. وكانوا يسيرون معاً ناحية شارع المطار من الناحية الغربية، لكنه حسب ما ذكره لي بعضهم أنه انصرف عنهم لأنه مستعجل وتقدم أمامهم, وعند وصولهم شارع المطار شاهدوا تجمعاً كبيراً للمواطنين يلتفون حول أحد الأشخاص الذي تعرض لحادث مروري وعند اقترابهم فوجئوا بأنه (محمود أبو ناصر) ملقى على الأسفلت سابحاً في دمائه لا يقوى على النهوض حيث تم كسر إحدى رجليه ويده، بينما العربة التي صدمته تقف على الناحية الغربية من شارع المطار، وهي عربة أتوس صغيرة.. يقودها شاب ممتلئ الجسم فحدثني أنه من الجزيرة ومعه مريضة خرجت من المستشفى وكانا في طريقهما لمدينتهما القريبة من الخرطوم.. ولم ينكر أنه كان ينطلق بسرعة، وشاهد أمامه حافلة ركاب متوقفة على الطريق لإنزال أحد الركاب وما أن تفادها حتى اصطدم فجأة بشخص خرج للطريق أمام الحافلة المتوقفة ودخل الشارع دون النظر للسيارات القادمة من الشمال للجنوب فاصطدم به بقوة، وحسب وصفه: “أنه طار عالياً في الهواء ثم سقط على كبوت السيارة ومنها ارتطم برأسه بقوة على الأسفلت.. فتوجهت ناحيته وكان في كامل وعيه لكن يبدو أنه أصيب بكسر في رجله لأنه قال لي إنه غير قادر على الوقوف.. وحضر بعض زملائه ممن كانوا معه في الندوة الإيرانية الثقافية وحملناه لمستشفى الأطباء القريبة لموقع الحادث وظللت معه حتى تم اسعافه واتضح أنه مصاب بكسر في رجله اليمنى ويده اليمنى ايضا، واصابة خفيفة في رأسه كما ذكر أطباء الطوارئ بمستشفى الأطباء لا تخوف منها”.. هذه الاصابة الخفيفة في رأسه كانت سبب وفاته لاحقاً.. عموماً ما ذكره سائق الأتوس الذي اصطدم بابو ناصر ينفي الشائعة التي انطلقت عقب تكشف أسراره ـ والتي سنتناولها بالتفصيل في حلقات أخرى ـ بأن جهاز الموساد الإسرائيلي هو الذي اغتاله.
وفاة أبو ناصر
وبعد اسبوع من الحادث ساءت حالته الصحية، أيضا اتصلت بي زوجته (سناء) بتدهور حالته وفقدانه للوعي تماما، فقمنا بنقله لمستشفى (المودة) بالخرطوم، وهناك إتضح أنه مصاب بنزيف حاد في المخ هو الذي أودى بحياته.. تركت المستشفى وجثمانه لا يزال مسجى داخلها لحين اكتمال بعض الاجراءات الخاصة بالمستشفى وتوجهت لمنزله بحلة خوجلي لإتمام مراسم الدفن، برفقة جاره صاحب المنزل الذي كان يستأجر منه الشقة.. وبمساعدة مشرفي المقابر الذين أعرفهم اخترت له قبراً يطل مباشرة على شقته المطلة على الناحية الشرقية من مقابر الشيخ خوجلي وجهزنا القبر بسرعة لم نكن نتصورها.. بعدها استأجرنا عدداً من الكراسي بمساعدة جارة لاستقبال المعزين الذين توافدوا بأعداد كبيرة فور تلقيهم نبأ وفاته، حيث لمست أنهم كانوا يقدرونه، خاصة المصلين بمسجد أنصار السنة المطل على شقته مباشرة من الناحية الجنوبية، وجيرانه من سكان حلة خوجلي، وعدد كبير من الصحفيين.
ومن مفارقات القدر أننا توجهنا سويا قبل الحادث باسبوع واحد فقط بالعربة من الصحيفة لمنزله بحلة خوجلي فأوقفت السيارة أمام منزله ثم توجهت ناحية المقابر لالتقاط صور للقبور للاستعانة بها في سلسلة تحقيقاتي الصحفية بعنوان: (أسرار المقابر) نشرت بصحيفة (الرأي العام) على حلقات.. وبعد التصوير دلفت عائداً لشقته فشاهدته واقفاً في البلكونة ينظر للمقابر وكانت شقته تطل مباشرة عليها، فداعبته بقولي: (غايتو إنت يا أبو ناصر لما تموت حتريحنا حيث إنك تسكن تقريباً داخل المقابر، نحملك من الشقة وعلى طول للقبر).. فابتسم وهو ينظر للمقابر ولم يعلق فقط طلب مني الصعود للشقة لتناول كوب شاي، لكنني استأذنته وغادرت مباشرة.
وتشاء الأقدار أن القبر الذي جهزناه لستره لم يدفن فيه بل كان من نصيب مرحوم آخر وفاته كانت متزامنه مع وفاة (ابو ناصر).. أما لماذا حدث ذلك، ولماذا لم يدفن (ابو ناصر) في القبر الذي جهزناه له، فهذه ملابسات وأحداث عاصفة غريبة أخرى سنتناولها بالتفصيل في الحلقة القادمة.
*الحلقة القادمة
*سر المحادثة الهاتفية التي تلقيتها من زوجته (سناء) في وقت مبكر من صباح اليوم التالي لوفاته والتي كشفت حقيقة (أبو ناصر)؟
* لماذا ظل جثمانه (15) يوماً داخل ثلاجات الموتى؟
* ماذا كتبت عنه صحف المعارضة المصرية بعد موته بالخرطوم؟
الحراك السياسي