مقالات سياسية

جدل “الإنتقال” السوداني الضال … والتمهيد للدولة الوطنية الثانية!!

محجوب حسين

جزء من أزمة السودان تتمفصل في أن لكل مواطنة/ مواطن
سودانه أو سودانها الخاص ، وسودان الخاص لا يُشرك سودان الجماعة و في ذات الوقت يريد شراكة الجماعة بحمولاته الخاصة. فالسوداني له سودانين ، الظاهر فيه تجده على جبهة الوجه مباشرة وهو للعامة ، فيما الثاني ، بطبعه مستتر و هو الأساس ، يتموقع خلف الرأس ويزود الأول عند اللزوم !! فضلا عن ذلك الثاني مليء بالتصورات والتمثيلات والتنميطات المتخيلة ذات المرجعيات المتنافسة والمتصارعة ، كل واحدة تريد أن تنهي الآخرى لعدم ضبط صراع المجال العام . وعلى شاكلة هذه الكيمياء تشكلت بنية الممارسة والفعل في البلاد وبموجبها تتم تغذية الفاعلين السياسيين والإجتماعيين الذين يعملون في صراع المجال العام السوداني وهو مجال يُعرّف بأنه مجال فسيفسائي ، غير مرتب وعدواني ويعرف صراعا حادا نتيجة لتلكم الأسانيد ودينامياتها التي حلت محل العقد الوطني جراء غياب المشروع الوطني وهو المشروع محل الصراع اليوم ، حيث يتكشف معالمه يوما بعد يوم ليرسم مشهدا أقلاه إنهيار مشروع الدولة والدخول إلى أتون “إستحقاق” الحرب الأهلية وتحقيق “حلم” قانون الغابة ، حيث البقاء للأقوى وليس الأصلح ، إن لم يتم إعادة النظر جديا في صراع المجال وضبط وتيرة صراعه!!. وضمن هذه السردية وبأليات التفكير تلك يتشكل سؤال جدل ”الإنتقال” السوداني وهو السؤال “المحرج” الذى لم يستنطق ثالوث المسآءلة التاريخية الآتية ، في أي وضعية تاريخية نحن ومنها نريد أن ننتقل ؟ ومن بعده الى أين نريد أن نذهب ؟ والتالي له هو سؤال الكيفية أو كيف؟ ، هذه الإستفهامات ومحتواها هي المحدد العام لجدل الإنتقال السوداني الذي يتراءى من المعاينة وكأنه الإنتقال الضال ، كالكلب الضال الذي ضل طريقه ويريد عض كل المارة من حوله أو في إتجاهه

“العماملوجيا”

إن المتتبع للمسار الإنتقالي السوداني الثالث ، من حيث مشهد
حيثيات واقعه وتعقيداته وتحولاته المختلفة وبالنظر إلى الجديد المهم والمثير فيه هو توازن قواه وتوزيع عناصر القوة فيه ومن ثم تطويق وتقويض وتفكيك مركزية الإنفراد بالقرار ولإعادة توزيعه وتوجيهه وفق الشروط الجديدة ، هذا التحول الذي يصفه المهيمن وأجهزته ب ”الخلل”، يلحظ فيه المتابع وبإهنمام بالغ ، أن الإنتقال المنظومة لم تؤسس بعد ولم تطرح الخطاب والمشروع الإنتقاليين الواجب طرحهما نحو الإنتقال بسبب الجديد في عامل توازن القوى ، حيث كان أحاديا ومجانيا وصوريا وسهلا في لعبة التدوير النخبوية المهيمنة التي تأتي وفق إرادة مؤسسة الهيمنة المتحكمة والمتمثلة في نماذج حكمها بين الخوذة العسكرية والخوذة الراعية ل “العماملوجيا” بطائفيتها أو أسلامويها. لذلك جاء الإنتقال السوداني هذه المرة ضالا وخارج عن نسق لعبة التدوير تلك بفعل معطى موضوعي مع تعمية للحيلولة دون تكيفيه وتأطيره عضويا لمقابلة الإستحقاقات التاريخية لهذا السودان ، حيث ما إنفك الفعل الوطني الإنتقالي متأرجحا وتكتيكيا ويعمل على إنتاج المناورة الآنية اللحظوية عند تعاطيه الشأن الوطني بمزايدات وصفقات سياسية بصيغة الإحتكار لغاية تدوير عصبة الحكم لنفسها دون إعطاء أي ماهية لمفهوم الإنتقال الوطني أو حتى مطلوباته ، علما أن ” الإنتقال” المفهوم غير متوفر من حيث التدقيق المفاهيمي القار وبصيغة معرفية مستقرة ، وبالتالي لم يتم الحفر المفاهيمي تحت نسق معرفي ثابت ، غير ذلك الإقتصاد المفاهيمي المتوفر في الأدبيات حول التجارب والمقارنات التي عملت بها دول كثيرة مرت بتجارب الإنتقال ونمط مقارباتها التي تختلف من فضاء إلى فضاء ، في هذا الإطار يمكن إجراء تدقيق أبستمولوجي تمهيدي لمفهوم الإنتقال السوداني وذلك كالآتي: أنها حركة جماهيرية نقدية للفعل العام ومجاله وأنساقه القديمة وذات ضمير جمعي وبإرادة وطنية شاملة، ذات قاعدة شبابية معولمة مصرة على رسم عنوان جديد للبلاد عبر تفكيك المنظومة الوطنية الأولى وتقويض بناها السياسية والفكرية وتشيكلات علاقات نسقها الإجتماعي المهمين لغاية إحداث قطيعة مع ميكانيزماتها وإفساح المجال لتجربة وطنية جديدة وهي تجربة ما بعد الدولة الوطنية الأولى إلى الدولة الوطنية الثانية الحديثة.
وفق المنظور السابق ، وبالعودة إلى الإستفهامات المركزية للإنتقال الوطني الذي أصبغ عليه صفة ”الديمقراطي” في عملية إختزالية ، معيارية يراد منها التمييع لإفراغ المضمون قصد توليد إنتقال شكلاني مشوه لا علاقه له ببنية أزمته، هنا تنهض المحددات التي وردت في سياق أسئلة منهجية أشرنا إليه آنفا ، المحدد الأول هو تحديد المرحلة التاريخية التي يعرفها السودان ، تحديد محددات هذه المرحلة التاريخية والتي هي نتاجا لمراحل سبقتها في سيرورة فشل منتظمة تاريخيا وبدقة تفاصيلها هي التي تجيب على سؤال “من” وهو المرجع والى أين؟ّ وضع هذه المقاربة المنهجية على هذه الصيغة تؤدي بالضرورة إلى المخرج الوطني الذي يجيب على أسئلة حقبة الإنتقال وهي أسئلة الإشكالية الوطنية السودانية في حفرياتها المعرفية والسياسية والنتموية والإقتصادية والتعليمية والثقافية وبالمرة على التأخر التاريخي مقابل النهوض التاريخي ، جراء تمركز العقل الذي لم يحسم خياراته الوطنية وهو القائم بفعل الإنتاج والضخ والممسك بالرسم وصناعة القرار،،،،، إلخ. إن تحديد هذه المرحلة التاريخية ضروريا ، حيث لا يقتصر الإنتقال على الإنتقال من تحالف دكتاتورية اللحى ”الإسلاموية” وعصبة” الخوذة الملتحية و التي لا تمثل ضمن مسلسل الفشل إلا حلقة واحدة من تمظهرات وإنحرافات نسق الهيمنة والعجز الوطني الذي تسيد الواجهة السودانية على مدى التاريخ وبشرعنات مختلفة ، حتى الإنتقاليات السابقة كانت مدخلا لموقعة جديدة لقوى منظومة العجز الوطنية عندما تقع دورتها الوطنية.
لذلك سؤالنا المنهجي الذي نعمل على إعادة صياغته هو ، نحن في مرحلة إنهيار ”مشروع” الدولة الوطنية الأولى ، بكل ما لها وعليها ، مشروع للدولة خاضه الشعب السوداني ولم يحقق من الدولة أي مفهوم ولا وظيفة ، لإعتبار الدولة أسمى صيغة أنتجها الفكر الإنساني الغربي لتدبير شؤون الناس لم تحقق أو قابلة للتحقق في السودان إلا في شكلانيتها من علم وشعار دون وظيفتها ، فكانت اللا-دولة موضوعا ، وبهذا المنهج يبقى الإنتقال الوطني الحالي هو إنتقال نحو الدولة الوطنية الثانية بعد إنهيار الأولى التي تقوم بالمقاومة عبر بقايا مراكز قواها التي تتناثر يوما بعد يوم دون أن تستسلم بعد ، فيما المؤكد ، لا يمكن لها تغيير حركة تاريخ وبوصلة إرادة الشعوب السودانية نحو إستحقاق وطني حتمي يجيب على أسئلة الثورة والجيل المعولم الذي قرر إقامة قطعية مع كل بنى اللا- معقول الوطني ويريد قطع الطريق لمنظومة الفشل للحيلولة دون تفويت فشلها لجيل بعد جيل، حيث ينتظر في كل مرحلة ليسلمها للجيل الذي يليه ، إذاُ وفي خلاصة ، نحن في وضعية اللا- دولة في تجربة الدولة الوطنية الأولى ، لتمثل المحدد الأساس للوضعية التاريخية للحالة السودانية .

“الإنتقال عملية نقدية في الأصل” .

إن تحديد الوضعية التاريخية لهذه الحقبة بهذه الدقة ، تحت سؤال “من أين” هو وحده سوف يجيب على سؤال الضرورة الوطنية الذي يليه وهو ”إلى أين” الإنتقال الوطني السوداني المحدد تاريخيا والمعرف مفاهيميا كما أشرنا في الفقرة السابقة ، والإجابة هنا إلى الدولة وإستحقاقاتها العادلة والمؤسسة بعناصر ومعايير وأسس ومرجعيات ونظرية وتعريفات مفاهيمية تفسيرية لغاية مشروع نهضوي سوداني يؤسس للدولة الوطنية الثانية الحديثة بعد العلامات القارة لسقوط الأولى ومرجعياتها , أما سؤال ، كيف؟! فهي عملية إجرائية فنية ، وفي هذا الإتجاه مؤسف أن السودان الدولة الوحيدة التي لا تعرف خططا أستراتيجية لأفق عام 2030م أو 2040م ، والأدهى من ذلك ، مؤسف أن لا يعرف إستراتيجيات ولا ليوم واحد ، كل شيء فيه مبني على المجهول ، بدءً من الأجيال الشبابية المقاومة و كذا المستقبل ، الإقتصاد ، النهضة ، التعليم ، الصحة ، المؤسسات بأنواعها ، حتى العدالة والمجرم فيه مقيد ضد مجهول وعلى نسق هذا المجهول يمضي الإنتقال الوطني الذي يراد له أن يأخذ طريقه إلى عالم المجهولات والمطمورات ليدور السودان في لولبية أزمته ، أو في أحسن الأحوال إنتقالا في ظل إستمرارية النسق ، نسق الدولة الوطنية الأولى المتخاصمة مع شعبها ، دون فهم العلمية الإنتقالية بإعتبارها عملية نقدية في الأصل ، والمدخل هو باب الترتيبات الوطنية الجديدة الذي يمهد لهندسة الدولة الوطنية الثانية ، وهو ما تناولناها عرضا في مقالنا السابق المعنون ب ”السودان بين زمنين وبرأسين ،،،،،، وبراديغيما صراع توازن القوى”والذي سوف نعمل على توضيح خارطته أكثر في مقالنا القادم وفقا لمواقف شركاء الإنتقال ”الكتلويون ، الإطاريون ، العسكريون ، الدعامويون ، الحركيون ، المقاومون” .
نقلا عن جريدة ”الجريدة” السودانية .

‫5 تعليقات

  1. يا محجوب حسين هل انت فاهم ما تكتبه؟؟ اذا كنت فاهم فهل انت مقتنع بالسفسطه الفارغه وهذا الخطاب الملئ بالمصطلحات بعضها من صنع خيالك؟؟؟..

    … استاذ محجوب حسين هذا السودان الذي تراه اليوم لن يدوم والتقسيم قادم شئتم ام ابيتم..

    .. يا محجوب اكتب لنا عن دولة دارفور المستقله.وكيفية حكم دارفور وإنهاء الصراع القبلي السرمدي فيها..

    … نحن أهل السودان القديم لسنا في حوجه او بالاصح في غنى تام عن نصائحك لنا، ركز على دارفور بلدك واترك الجلابه العنصريين ونخب الشريط النيلي في حالهم…

    … الانفصال قادم وسمح…

  2. اقتباسات من المقال العجيب -والفاهم يشرح للمستغرب-:
    “نسق لعبة التدوير تلك بفعل معطى موضوعي مع تعمية للحيلولة دون تكيفيه وتأطيره عضويا لمقابلة الإستحقاقات” ؟؟؟

    “الجيل المعولم الذي قرر إقامة قطعية مع كل بنى اللا- معقول ويريد قطع الطريق لمنظومة الفشل للحيلولة دون تفويت فشلها”!!

    “حفرياتها المعرفية والسياسية والنتموية والإقتصادية والتعليمية والثقافية وبالمرة على التأخر التاريخي مقابل النهوض التاريخي ، جراء تمركز العقل الذي لم يحسم خياراته الوطنية وهو القائم بفعل الإنتاج والضخ والممسك بالرسم وصناعة القرار” ؟؟؟

    تعليق:

    لا حولا آزول انت ماك نصيح … الحاصل شنو ؟؟

    هكذا تحدث المستشار العبقري لفكي حبرين …
    ويبدو ان الاخ المستشار المتنطع قد اكتشف للتو بعض مفردات اللعة العربية وزاذ عليها بنجر بعض الكلمات من ددقنوسو وقرر خلط كافة خطرفاته العجيبة ليخرج لنا بهذه التحفة الابداعية … المصيبة تكون دي وظيفته فى مكتب السيد الوزير وبياخد مرتب من اموال خزينة الدولة الهاملة …

    هضربة عجيبة ؟؟!!
    اهلا ومرحبا بكم فى حضرة الكمرد مني اركو مناوي فى نسخته الورقية المعدلة…

    1. دا مدمن مخمور يهذي فاكر نفسو عبقرينو وجماعتو مصدقينو ومشيط الشعر والنظارات دي عدة شغل عبقرينو الهوان

  3. خطاب يندرج تحت الذهنيه الغردونيه التي تمارس خطاب الاستهبال المعرفى عبر توظيف مصطلحات مدونه في الكتب وتنفصل من المضمون . وهنا تكمن جدليه الاستهبال السياسى والارتزاق وجدليه الثوره والتغيير__________ من منظور التاسيس التاريخى , نلحظ فشل بناء الدوله الوطنيه والتعاقب على دوله التوريث الاستعماريه التي اورثها المستعمر الانجليزى للافنديات والنخب الريفيه التي شكلت الاداره الأهلي(معرصين الانجليز وحكام العرف الفاسد) ومن ثم برزت الدائره الشريره الى ان وصلت في يد الفريق البرهان ووكيل عريف حميتى . يستلزم بناء الدوله الوطنيه تفكيك بنيه الدوله الموروثه وهدم الوثنيه السياسيه ومسح وكنس الذهنيه الغرودنيه وتفكيك مركزيه الامتيازات وهدم بنيه الامتيازات المتجذره ذات مصالح وامتيازات تاريخيه مرتكزه على صناعه الفقر والتجهيل وتخليق الهامش الثقافي والاثنى والتنموى وكذلك تخليق هامش المدن المرتكز على عنصريه مؤسسيسيه اخر تمظهراتها مثلث حمدى . والتي ظلت تمارس الاباده الثقافيه عبر مشاريع الاسلمه والتعريب والاستعراب عبر خطاب دينى ممجوج ختمها بابادات جماعيه للاثنيه الافريقيه الاصيله ____________ مشكله السودان تكمن في أحزاب بلا برنامج تمارس السياسه بغايه التكسب والحصول على امتيازات تاريخيه وأخرى تمارس تزييف اجتماعى سياسى عبر ايدولجيات هرمه وتطلعات قوميه اسلاموعروبيه وحركات متمرده تدلع بحركات مسلحه وهى حركات اجراميه ارتزاقيه تسعى للمناصب عبر متاجره بقضايا مطلبيه —- ___انتاج الدوله الوطنيه يبداء بدحر الشلليليه السياسيه وغوغائيه التنظير وهدم البنيه المركزيه السائده——— وهل استاذن هذا الكمرد الرستا المحجوب حسين الالهه المبجل وكيل عريف حميتى على بناء الدوله الوطنيه ____+++++ وهل استاذن من اسياده من الفرنجه واذيالهم في الحيز الجغرافى ؟

  4. لم يحن موعد الانتقال للدولة الثانية .. الآن علينا ان نتخلص من الدولة الشكلانية الاولي

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..