مقالات سياسية

دار الريح … بوادر الشقاق وفرص الاستقرار ! (2)

محمد التجاني عمر قش
شهدت هذه المنطقة تحركات ، في الآونة الأخيرة ، كان من الممكن أن تقود إلى مزيد من التشرذم والشقاق بين مكونات دار الريح التي ظلت متعايشة ومتجانسة منذ وقت ضارب في القدم . على سبيل المثال جرت محاولات من مجموعة لا تحمل تفويضاً رسمياً ولا شعبياً لترسيم الحدود بين بعض الأطراف في دار الريح ، دون وعي منها بما قد يترتب على ذلك من عواقب وخيمة منها ما وقع في تفلنق كما أشرت سلفاً. هذا التحرك أوغر صدور مجموعات من سكان دار الريح مما أدى إلى سعي محموم لوضع اليد على مساحات من الأراضي في مناطق متفرقة من تلك الديار. وما كان ذلك ليحدث لولا تواطؤ بعض قيادات الإدارة الأهلية وتقصيرها في القيام بواجباتها في مثل هذه الحالات. ونتيجة لذلك حدثت مشاجرات متفرقة بين بعض المجموعات السكانية وجرى التعدي في بعض الأحيان حتى على رجال الشرطة ! وقد اضطرت السلطات المختصة إلى ترحيل نفر كريم من مقراتهم بحجة حفظ الأمن وبضغط مباشر من بعض الأطراف.

يضاف إلى ذلك ما حدث في منطقة الجمامة من سعي غير مبرر لردم الأراضي التي تقع إلى الشرق والجنوب الشرقي من تلك القرية التي تعتبر منطقة تكامل بين جهات كثيرة من أهالي دار الريح ، سيما وأن بها مورد للماء ، وسوق عامر ومرافق تعليمة وصحية ومحكمة وهي تدار وفق عرف ظل مرعياً لفترات طويلة دون أن يحدث ما يعكر صفو العلاقات بين الناس . خلاصة القول ، نظراً لتوفر المال والسلاح لدى بعض سكان المنطقة ، جرت محاولات لإقصاء أحد مكونات الجمامة بدون وجه حق ؛ فقد تكون حلف غير معلن من أجل هذا التوجه واستعانوا بأطراف حكومية لتنفيذ ما يشبه المخطط لإخلاء منطقة الجمامة من بعض سكانيها المعروفين وردم أراضيهم وتحويلها لمرعى ؛ وكأن الحيوان قد بات أعز من الإنسان! .

وبما أن وسائط التواصل الاجتماعي قد باتت تلعب دوراً بارزاً في الأحداث على جميع الأصعدة، فقد نشر أحد أبناء الكبابيش مقالاً مطولاً ، عما دار من مواجهات بينهم وجيرانهم من دار حامد ، وكلامهما من المكونات الرئيسة للنسيج الاجتماعي في دار الريح . أورد المقال المذكور روايات شفوية لا تخدم التعايش المجتمعي في كثير أو قليل . فقد حوى المقال ما نصه : “إلى كل الأهل في البوادي والحضر ، ما كتبته وأرسلته لكم عبر الوسائط ، هو جهد المقل عن حقبة من تاريخ الكبابيش الشفهي مع دار حامد “والحضر أبوه بعرف كلام جدو”.  فهل يا ترى يصلح التاريخ الشفوي لمحاكمة وتحديد الواقع؟ .

وفي المقابل رد أحد الكتاب من دار حامد كما يبدو باسم مستعار على ما ذكر أعلاه وعبر وسائط التواصل الاجتماعي أيضاً . وقد جاء فيه ما نصه : “إن العلاقة بين الكبابيش ودار حامد/ فزارة علاقة دم ضاربة في القدم ، وتحرسها صلة قربى وجوار جغرافي نموذجي والعلاقات بين القبائل طريق باتجاهين إذ لا يمكن أن يكون من طرف واحد . وهذا الرد يهدف لإسكات الذين يشعلون الحرائق بأن يكفوا أيديهم وإلا فإن من طرق الباب وجد الجواب . ومعلوم أن العلاقة بين دار حام/ فزارة وأهلنا الكبابيش ظلت عبر التاريخ “عسل على لبن” ونأمل أن تستمر ، وألا يكون ثمة نزاع حول الأرض”.

في رأي أن مثل هذه المقالات على الرغم مما فيها من براءة وحسن نية إلا أنها قد تثير النعرات بين الناس ، وقد تؤدي إلى شحن قبلي لا تحمد عقباه. وأنا شخصياً من الجيل الذي عاش معظم صباه في بوادي دار الريح وكان الشعار السائد وقتئذ هو : “الكباشية حامدية، والحامدية كباشية” وذلك يعني أن يتشارك الناس في الموارد خاصة الماء والكلأ ، وقد كانت تلك ، نظراً لطبيعة المنطقة الرعوية ، من الحاجات الرئيسة لإنسان دار الريح ، في ذلك الزمن الذي كان يتولى زمام الأمور فيه العقلاء وأصحاب الحكمة والحنكة من الرجال في الإدارة الأهلية أو من أهل الحل والعقد عموماً ممن كانوا يرعون حرمة الجوار وتقدير المصالح المشتركة بين الناس . ولعل هذا ما جعل النسيج الاجتماعي في دار الريح متماسكاً ومتجانساً لحد كبير . أما الآن فقد غاب الكبار وظهرت قيادات شابة يبدو أنها لا تدرك أهمية الحفاظ على السلم المجتمعي ، الذي هو من الضرورة بمكان ؛ حتى لا تنزلق المنطقة نحو الاقتتال بلا سبب وجيه؛ لأن النزاعات مهما عظم شأنها من الممكن أن تحل عبر العرف والقانون ، شريطة توفر حسن النية والرغبة الصادقة في التعايش.

إن الحديث هنا ليس عن العلاقات بين طرفين فقط، وإنما القصد هو توفير أرضية ورؤية مشتركة من شأنها أن تمهد الطريق لآلية شعبية تتولى النظر في مسببات الشقاق في دار الريح ، وتضع لها حداً بما يرضي جميع الأطراف حتى تتفادى هذه المنطقة الآمنة تلك الصراعات مثلما نرى في محلية بليل وغيرها من مناطق دارفور وجنوب كردفان وغربها. وتحقيقاً لهذه الغاية نرجو من الإخوة المشاركة في هذا الصدد.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..