مقالات وآراء
النز يهدد حضارة .. يحدث في السودان فقط

خارج السياق
مديحة عبدالله
أورد موقع إرم نيوز خبرًا مقلقًا حول ظاهرة الطفح المائي (النز) في الشمالية منطقة نوري التي باتت تهدد جزء من حضارة السودان العظيمة وهي (مدينة ملوك الآلهة) وتضم المنطقة عددًا من الأهرامات الملكية ومدفنًا لأسر الملوك الكوشيين، وبحثت بعثة اليونسكو وجامعة الخرطوم الأمر فأتضح حجم ارتفاع المياه الجوفية مما يهدد هذا التاريخ التليد، حيث صنفت اليونسكو جبل البركل، وموقع تنصيب الملوك كمنطقة تراث عالمي 2003
النز يهدد الحاضر أيضًا حيث تضرر المواطنين بالمنطقة وفقد البعض منازلهم، ويهدد المزارع والمرافق العامة والخاصة، ولم تبدأ المشكلة فجأة بل نبه المواطنون للظاهرة منذ أمد طويل، ولا حياة لمن تنادي، وسيقومون بتنفيذ وقفة احتجاجية بتاريخ 23 يناير الجاري، لعل وعسى يجدون أذنًا صاغية تسمع وعين ترى من قبل المسؤولين للقيام بتدخل لحمايتهم وممتلكاتهم من الضياع..
كل المشهد يوضح ويؤكد أن أمة تستهين بحضارتها وتاريخها لن تهتم بحاضرها ومستقبلها، فحالة التوهان السياسي والاجتماعي السائدة الآن ليس مردها فقط لهيمنة الدكتاتوريات أغلب سنوات ما بعد الاستقلال، وإنما لحالة الغربة عن ماضينا التليد وتاريخ حضارتنا السودانية العريقة والتي توضح قوة الإرادة والقدرة على البناء والتشييد، وإذا كانت الأهرامات تجسد عظمة الملوك فأنها تكشف عن معارف وتراث علمي رائع لشعب عريق.
هذا التاريخ والحضارة جرى التعتيم عليها، فخلت منها مناهجنا التعليمية عدا النزر المبتسر، وتغيب عن رسائل الإعلام، والخطاب السياسي والثقافي مما يفسر أحد أسباب الخواء الروحي السائد رغم عظمة ما طرحته ثورة ديسمبر المجيدة من شعارات وأدبيات، ويفسر أحد أسباب الفراغ الذي ينفذ منه التدخل الخارجي في شؤوننا السياسية والاجتماعية بشكل سافر مستفز.
إننا ليس في حاجة لبناء سياسي بهياكل جديدة فقط، وإنما لثورة ثقافية تستند على حضارة السودان وماقدمته للبشرية، فكل الأمم التي قاومت الهزائم وانتصرت وقفت على أرضية صلبة من تاريخها وثقافتها ومعارفها وتراثها، وهي في ذلك لا تخشى مظاهر الهزيمة والتراجع بقدر ما تحتفي بالانتصارات، والخطوة الأولى لذلك حماية الأهرامات الملكية في منطقة نوري من خطر النز بعمل سياسي وإعلامي، ومن المؤكد أن هذا الجهد سيجد كل الدعم من اليونسكو وغيرها.. قاوموا..
الميدان