مقالات وآراء

الموقف الأمريكي يحتاج إعادة نظر فيما يخص العملية السياسية في السُودان..

 

نضال عبد الوهاب
من المعلوم للجميع، أن الولايات المُتحدة تدعم -وبقوة- ما يُعرف بالاتفاق الإطاري أو العملية السياسية، من أجل صُنع انتقال مدني وتحول ديمُقراطي في السُودان.
بدأت أمريكا تكثيف جهودها هذه، خاصة بعد انقلاب ٢٥ أكتوبر، وتعلم أن هنالك قوى إقليمية ذات علاقات جيدة بالولايات المتحدة تدعمه وتساند قادته العسكريين، سواء في الجيش أو مليشيا الدعم السريع.
بدأت أمريكا في إرسال مبعوثين يمثلونها ما قبل الانقلاب وبعده، للجلوس مع الأطراف السودانية العسكرية والمدنية، حتى توجتها بالوساطة المباشرة مع السعودية. ثم واصلت جهودها بتعيين سفير لأول مرة، بعد قطع للعلاقات الدبلوماسية، استمر في مُعظم سنوات نظام حُكم البشير.
استلم السفير الأمريكي مهامه، وفي ذات الوقت باشر في محاولات التنسيق والترتيب المُستمر للدفع بالعملية السياسية، من خلال آلية رباعية تجمع: الولايات المتحدة، إنجلترا، السعودية، والإمارات.
كل هذا الدعم الأمريكي ومحاولات فرض هذه العملية السياسية، باعتبار أنها تُمثل حلاً للأزمة القائمة، وتفتح الطريق للاستقرار في السُودان، وللتحول المدني الديمُقراطي فيه.
ولا شك أن اهتمام أمريكا تدخل فيه عوامل حماية مصالحها في السُودان، وكل المنطقة، خاصة في ظل الوجود الروسي والصيني في المشهد، والصراع الدائر في الملفات الاقتصادية والعسكرية لهذه الدول الكُبرى داخل السُودان.
تعلم الولايات المُتحدة جيداً أن السُودانيين قاموا بثورة سلمية، قوامها وأكثر فئاتها من الشباب والنساء، من أجل تغيير الواقع المعلوم، وإحداث تحولات حقيقية، ليس فقط في شكل الحكم والسُلطة، وإنما لتغيير شامل يرسخ الديمُقراطية ومؤسساتها، ويحقق الحريات والعدالة، ويوقف الحرب، ويعالج الأسباب التي أحدثتها معالجة عميقة تؤدي للسلام وعودة ملايين النازحين إلى مناطقهم.
ومن ثم البدء في تعمير البلاد وانتشالها من الفقر، وتحسين الاقتصاد، وإصلاح المؤسسات العسكرية والمدنية والعدلية، وغيرها من قضايا، من مطالب تعمل لأجلها الثورة في السُودان.
من أجل كل هذه الأسباب، تصبح أي محاولات لتغييرات شكلية وغير عميقة وسطحية، من أجل اقتسام السُلطة بين مجموعات محددة وبين العسكريين أو وجودهم في المشهد، شكلية لا تغير شيئاً، وسيقاومها السُودانيون، خاصة الشباب والنساء والمهمشون في الريف ومناطق النزاعات، وفي كل أجزاء البلد، فهم القوام الرئيسي للثورة ومطالبها.
بالرجوع إلى بنود الاتفاق الذي ترعاه أمريكا، نجد أن تلك البنود مُضاف إليها وثيقة دستور المُحامين، أبقت على ذات القيادات العسكرية التي ظلت تقاوم وتمنع أي طريق يؤدي إلى الديمُقراطية في السودان. صاحب ذلك وقوع العديد من الجرائم ما بعد الثورة، أعظمها جريمة فض الاعتصام، وما تلاها من عمليات استهداف مباشر للمتظاهرين السلميين، خلفت العديد من الشهداء والضحايا من الجرحى والمغتصبات والمفقودين.

فلا يمكن القبول التغطية على كل هذه الجرائم، مضاف إليها شهداء وضحايا النزاعات والصراعات التي تمت إما بتآمر مباشر، أو بالتقاعس المُتعمد في حمايتهم وتوفير الأمن لهم.
طرحت الثورة مطلباً مهماً، وهو حل المليشيات، وعلى رأسها مليشيا الجنجويد أو الدعم السريع، التي إضافة لملفها وتاريخها الإرهابي الإجرامي الداخلي، أضحت لها ولقيادتها علاقات وتنسيق معلوم مع روسيا وحلفائها في المنطقة، وعلى رأسهم الإمارات. وتكفي ما تقوم به عصابات فاغنر داخل السودان بمعاونة هذه المليشيا، ويكفي زيارة قائدها إلى روسيا عشية الحرب على أوكرانيا، وإعلانه المباشر لدعمها في ذلك التوقيت الحاسم والحرج، والعالم يترقب بدء الحرب الروسية الأوكرانية.
فكانت تلك رسالة مباشرة من قائد الدعم السريع والحكومة الروسية معاً للولايات المتحدة وحلفائها، ومؤكد فإن إعطاء شرعية لهذا الرجل ولمليشياته تصل حد النص على دمجها في الجيش القومي للسُودان، والتغاضي عن كل جرائمها واستثماراتها وتمدد نفوذها الاقتصادي والعسكري كفيل بأن يجعلها -مع تواصل الدعم الروسي الإماراتي لها- قوة يمكنها السيطرة والانقلاب على الحكم في أي توقيت مستقبلي قريب، مما يعتبر أكبر مهدد للتحول الديمُقراطي الذي تسعى له الولايات المتحدة، بدعمها وإصرارها على العملية السياسية في السودان، خاصة ببنودها وأطرافها الحاليين، وفي ظل رفض القوام الأساسي للثورة والشارع لها، ومؤكد أنه لن يكتب لها النجاح وفق هذه الأسباب والواقع.
على الولايات المتحدة عدم تكرار أخطائها فيما يخص تقديرات سياستها الخارجية، ما لم تدرس الواقع السوداني بتأن، وتقف على مطالب شعبه، قبل أن تقدم على اتجاه في حالة فشله الحتمي سيفقد السودانيين الثقة في أمريكا، وسيجعل من العسير قبول السُودانيين أي تدّخل أمريكي مُستقبلاً، أو حتى صداقة وشراكة اقتصادية يحتاجها البلدان السُودان وأمريكا. وسينفتح الباب حينها لغريمتيهما روسيا والصين اللذين يعتمدان على الحكومات العسكرية وغير الديمُقراطية بشكل مباشر لتحقيق أهدافهم ومصالحهم في أي موقع في العالم، خاصة في أفريقيا.
كما أن على الولايات المتحدة معرفة من هم القيادات المرتبطة بالشعب، وليست المرتبطة بمصالح مؤقتة. ولا يكفي أن تغلق دائرتها على مجموعة محددة، باعتبارها أنها هي التي ستمرر سياستها في السُودان عن طريقهم. على الولايات المتحدة إدارة حوار مع اليسار السوداني بشقيه القديم والحديث والديمُقراطي، وتفهم طبيعة المطالب التي تسعى قوى لجان المقاومة والشباب لتحقيقها، عبر مطالبتهم باستمرار الثورة.
وأخيراً، على الولايات المتحدة استخدام لغتها الخشنة المباشرة، والأفعال التي توازيها كدولة عُظمى. بل والأولى في العالم حالياً تجاه العسكريين وقيادة الانقلاب وقادة مليشيا الجنجويد وحلفائها من المليشيات الأخرى. لن يستقر السُودان، ما لم يكن هنالك توجه حقيقي لتغيير حقيقي باتجاه الديمُقراطية والعدالة والحرية والسلام.

الديمقراطي

‫7 تعليقات

  1. لن يستقر السودان الا اذا ابعدنا اليسار واليمين من صراع السلطة ولو الي حين قيام الانتخابات.

  2. الاستاذ نضال
    انت تدري أن السعودية و مصر و الامارات كانوا وراء انقلاب البرهان الفاشل. و بفضل أحرار العالم و في مقدمتهم امريكا قد أخافت السعودية و الامارات و مصر و امرتهم بالابتعاد عن مستقبل السودان و من حينها قد أصبحت السعودية كالكلبة الخائفة و ذيلها بين فخذيها و قد تبدل دور السعودية و الامارات من دور داعم للانقلاب الى دور وساطة العودة للتحول الديمقراطي. على النخب السودانية استثمار فرصة وقوف امريكا بجانب الثورة الديمقراطية و التحول الديمقراطي بعد ان عرفت السعودية و الامارات و مصر انهم لا يمثلون شئ في العالم المتقدم و هذا عكس اعتقادهم و محاولاتهم لعب دور دول متقدمة تريد ان تلعب بافدار الشعب السوداني و هيهات. اما ان تتحاور امريكا مع اليسار السوداني الرث فهذا يرجع لاتباع اليسار المتكلس و هذا امر مستبعد لأن ناس قريعتي راحت كمال كرار و تاج السر بابو سيقولان بخم بخم هل يفاوض الشيوعي السوداني البرجوازي الثقيل الامبريالية و من يمثلها أي البرجوازي الصغير؟ يبقى دي خيانة للاستاذ المضاد الذي يلعب دور سلطة الاب و ميراث تسلط الأب البايلوجي و هو ينسب له الحزب أي حزب الاستاذ و طبعا بتأييد من الأفندي المضاد.

    1. تسلم الاخ العزيز طاهر علي متابعتك المستمرة لمانكتب والتعليق .. حقيقي شاكر ليك..

  3. حتى أنت يا نضال عبدالوهاب تبحث عن الحل في الخارج النقول عليه موسى يطلع فرعون دي مصيبة شنو الوقعنا فيها دي لا يوجد صحفي او كاتب او تنظيم او حزب يعتقد ويؤمن بالشعب السوداني ؟؟؟؟ شيء مؤسف

    1. يا استاذ تحلي بشئ من الواقعية وتخلص من اليسارية الطفولية تتكلم عنحل الدعم السريع او الجنجويد سمهم ما تشاء وكانهم تكوين او جمعية تستطيع حلها بفرمان ! ياعزيزى هذه قوة عدد افرادها يربو علي ٤٠ الف مدججة باسلحة متطورة توازى ما عند الجيش فكيف تستطيح حلها يا عبقرى ؟وتتكلم عن ان الشارع وألقوام الرئيسي للثورة يعارضان الحل السياسي !! ومعلوم للكل من هم الذين يعارضون الحل وهم المستفيدين من الوضع القائم وفلول النظام المباد والحزب الشيوعي وبعض واجهته وبعض لجان المقاومة المخترقة منه فهل هؤلاء هم قوام الثورة والشارع ؟! يارجل خاطب الناس بما يعقل

  4. تحياتي الطيب … نحن اذا ما مؤمنين بشعبنا وقدرته علي التغيير ما كان وقفنا الموقف دا وضد دول الثورة المضادة وليس فقط عساكر وكيزان ومليشيات… لكننا هنا نكتب عن مسألة وردت في اتفاق العملية السياسية حقت الحرية والتغيير … ومخاطبتنا امريكا طبيعية باعتبار الواقع الدولي ودورها في دعم الاتفاق الحالي وتقويته ، فعايزين نوصل راينا ودا ما عنده علاقة بالبحث عن حلول في الخارج بقدر ماتسويق لمواقف شعبنا ومقاومته وثورته و وقوفنا ضد مايمس مصالحه لصالح قوي الثورة المضادة المعروفة وكسب شريك مستقبلي مثل امريكا مهم للسودان…

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..