مقالات سياسية

تفاهمات الكتلة الديمقراطية : يحيطنا عنها الهدهد ويأتينا من القاهرة بنبأ  يقين

أسامة ضي النعيم 

 

هي ليست محادثات بل تفاهمات ، فيها تتولى المخابرات المصرية بقيادة عباس كامل التنسيق بين مكونات السودان الحزبية الموالية لاجهاض الحكم المدني في السودان ، لا نرجم في ذلك بالغيب بل نقلب صحف المخابرات المصرية القديمة ، ملف السودان عند المخابرات المصرية  ملك يمين عندهم ووزارة الخارجية لا تعرف عن العلاقات بين مصر والسودان الا القدر الذي تتيحه تلك الجهة الراعية الام .

في مثل التفاهمات المتوقع حشر مصر لاطرافها السودانية في الثامن من فبراير2023م ، يحدثنا التأريخ المسجل عن محادثات مماثلة ، لا يبخل الصاغ صلاح سالم عن تسليط الضوء في مذكراته الي الشأن السياسي في السودان صنع مصر، الي مضابط ما جاء بتلك المذكرات : [تحت عنوان فرعي (وفدان الي مجلس الامن )]، جاء النقراشي — ووقف أمام مجلس الامن ساعات وأياما يطالب بجلاء الانجليز عن وادي النيل كله مصره وسودانه …. بح صوته أمام أعضاء المجلس الذين ركبتهم الحيرة وهم يرون وفدين سودانيين أحدهما يقف بجوار النقراشي والآخر يعلن في أروقة المجلس أن النقراشي لا يمثل السودان ، والسودان لا يقبل حجج مصر وأسانيدها ويطالب بالاستقلال عن مصر وانجلترا وتقرير مصيره … احتار أعضاء مجلس الامن ولم يعلن عضو واحد من اعضائه عن وقوفه بجوار النقراشي في مطالبته بوحدة الوادي وعلق المجلس القضية كم هو معروف حتي تم شطبها بعد قيام الثورة وجلاء الانجليز عن مصر والسودان.

ثم بعد ثورة يوليو 1952م يسترسل الصاغ صلاح سالم ويروي : ومنذ وصول زعماء الاحزاب الاتحادية وأنا أقيم معهم صباح ومساء في الفندق احضر اجتماعاتهم العديدة المتوالية التي كانت تبدأ في الصباح الباكر ولا تنتهي الا ببزوغ فجر اليوم التالي … وكانت مصر قد دعتهم للقاهرة لنتفاهم معهم ونتفق واياهم حول خطة نجابه بها الجانب البريطاني. شهدت عشرات من الاجتماعات في غرفة أزهري زعيم جناح الاشقاء المسمي باسمه كما شهدت اجتماعات مماثلة في غرفة نور الدين زعيم الجناح الاخر من حزب الاشقاء وفي غرف زعماء حزب الاتحاديين والاتحاد يين الاحرار وحزب وحدة وادي النيل وحزب الجبهة الوطنية.

كانوا ثمانية أحزاب اتحادية اختلفوا فيما بينهم حول كل شئ وان اتفقوا حول فكرة الاتحاد مع مصر . كان يصيبني الدوار في بادئ الامر بعد ساعة من تنقلاتي بين غرف الفندق ولكني بعد فترة وجيزة من الزمن ألفت هذا الجو الصاخب وأصبحت أعيش فيه عشرين ساعة كاملة في اليوم الواحد أشهد خلافات ومتناقضات لا أول لها ولا أخر … لا تنحل عقدة دون أن تعود بعد لحظات لتنعقد وتتشابك مرات ومرات).

ذلك ما اتحفتنا به مذكرات الصاغ صلاح سالم ، هي الهدهد يحيطنا بالعظات والعبر، ما ستكون عليه تفاهمات مصر السيسي مع عناصر الكتلة الديمقراطية مقروءة مع المستجدات بين 1952م – 2023م ، الجيل من الرجال الذين ذهبوا الي مجلس الامن مطالبين باستقلال السودان ورصيفه الذي ذهب الي القاهرة ،  هم بلا استثناء نخب أول من أجيال السودان ، لم يطرحوا في محادثانهم قسمة السلطة والثروة والتهديد بالحرب وحمل السلاح وتمزيق السودان أو قفل الميناء اذا لم يستوزر قادة الحركات وزعماء القبائل ، الثقافة التفاوضية اليوم صبغتها الانقاذ بتوزيع المناصب الوزارية كأثمان للموقف  من السلطة الحاكمة.

تفاهمات مصر في فبراير 2023م لا تختلف عن التفاهمات في عهد البشير، توزع جزرات في فنادق القاهرة تتمدد من دولارات في حسابات خارجية عطية أو شرهة علي بعض أعضاء الوفد من الكتلة الديمقراطية ، شقق سكنية في القاهرة لمن يرغب بديلا ، مصر ليست جمعية خيرية لها أيضا في المقابل مصالح ترعاها ، أزمة القمح والمحروقات والتحكم في مياه النيل وسد النهضة وأمن البحر الاحمر، شواغل تأخذ مصر فيها ساتر وتصوب لزرع نفوذها في دارفور وشرق السودان لتحقيق الامن المائي وتعديل سعرصرف الجنيه المصري ، زراعة القمح في أراضي السودان وبمياه من حصة السودان ، الاقتراب الجغرافي من دولة جنوب السودان ومن أثيوبيا في ذهنية المخابرات المصرية تسعي لنيل حصصها تلك وهي تتبادل التفاهمات وقسمة السلطة والثروة السودانية مع الكتلة الديمقراطية.

تحذير بسيط مني ، كل فرد (يدير باله) علي عدته ويحافظ علي نفسه لان المخابرات المصرية تلجأ الي سلاح الابتزاز بنشر المقاطع الفاضحة يصورها أعضاء المخابرات من الجنسين لكل ما يدور في فنادق القاهرة.

 

تعليق واحد

  1. قحت ايضا تجول العواصم عارضة نفسها للبيع خدمة لمصالح تلك الدول فى السودان وفى مقدمة هذه المصالح تنفيس ثورة ديسمبر المجيدة المرعبة.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..