إضراب المعلمين : الغايات والآثار المترتبة

د. مهدي تاج الدين
لا يخفى على الناس أهمية دور المعلم في بناء المجتمع ، فهو من يعد وينشئ كافة الأشخاص الذين يعملون في مختلف المجالات وأنه يعتبر حجر الأساس لبناء جميع الفئات المجتمعية ، لأنه من يتواجد بفضله الطبيب والمهندس والمزارع والإقتصادي والسياسي وغيرهم الكثير من فئات المجتمع المختلفة والضرورية لبناء مجتمع سليم ومستقر.
من المعروف أن أطفال اليوم هم قادة ورجال المستقبل ، ويعد تخريج أطفال ذات وعي كامل وواضح عن ضرورة العيش لبناء المجتمع وتحقيق الأهداف المستقبلية بكل إصرار وعزيمة مسؤولية كبيرة تقع على أكتاف المعلم الكفء الذي يعطي كل ما لديه لبناء المستقبل عن طريق إتخاذ جميع الوسائل التربوية منها والتعليمية ، وبذلك يتمكن من بناء عقول سليمة تتسم بالوعي الشامل ، بالإضافة إلى تقويم سلوكياتهم وشخصياتهم ليستطيعوا أن يكونوا قادة الغد وليحملوا المهمة بسهولة عندما يأتي الوقت المناسب لهم، لذا فإن إرشادات المعلم وتوجيهه للطفل ما هو إلا حجر الأساس لبناء شخصيته ومستقبله ووعيه بشكل عام.
كنا نطمح بأن تولي الحكومة التعليم والمعلم أهمية قصوى وتفرد له القدر الكافي من الموارد ضمن الموازنة العامة للدولة ، وبالمقابل يعمل القائمون على أمر التعليم في بلدنا بتوظيف تلك الموارد لينعكس خيرها على مجتمعنا ومستقبل أطفالنا، لكن للأسف يبدو أن قدر أطفالنا بات عاثراً فيما يتصل بحقهم في التعليم – ولو في حده الأدنى- إذ كثرت الأسباب التي تخصم من حقهم في التعليم في كل مرة ، تارةً عدم الاستقرار السياسي وتارةً الجائحة المعروفة بـ كورونا وتارة أخرى بالإضراب الذي تخلل فترات مختلفة من العام الدراسي ولا يعلم مداه إلا الله في ظل دولة رخوة عاجزة عن القيام بالمعالجات الضرورية.
لا شك أبدا في أن غياب المعالجة الضرورية لأسباب هذا الإضراب سينعكس سلبا على مستقبل أبنائنا وتظهر العديد من المشاكل ، منها على سبيل المثال الإهمال الدراسي الذي قد يبدر من بعض الأطفال ، عندما كنا صغارًا في المدرسة اعتدنا أن تنقسم مستوياتنا ما بين فئة الأطفال المجتهدين وفئة الأطفال المهملين أو المتأخرين دراسيًا، وغالبًا ما حصلت الفئة المهملة على النبذ والازدراء من الطلاب المجتهدين وأحيانًا من بعض المعلمين ، لكننا في ذلك الحين كنا أصغر من أن نتساءل عن سبب التأخر والإهمال الدراسي عند هؤلاء الطلاب وما الظروف التي يتعرضون لها وهل هو نوعٌ من الغباء يجعلهم متأخرين عن الآخرين كما كنا نعتقد أم أن الأمر بخلاف ذلك؟ كنا صغارًا فلم نتساءل لكن ربما حظي البعض منا في المستقبل بأطفالٍ لاحظ عليهم علامات الإهمال الدراسي عندها سيكون بحاجةٍ لرؤيةٍ أوسع.
إن استمرار هذا الإضراب سيصيب الغالبية العظمى من الطلاب بالتأخر الدراسي بسبب ظروفٍ أحاطت بهم سواءً في البيت أو في المدرسة منعتهم من التحصيل الدراسي بشكلٍ مناسبٍ وصحيح ، فالطفل يحتاج لبيئةٍ مناسبةٍ للنمو واللعب والدراسة وتطور واكتساب السلوكيات والمهارات والإضافة للبيت تعد المدرسة هي العامل الثاني المؤثر على الطفل وفي بعض مراحل الطفل الحياتية تصبح المدرسة حرفيًا بيته الثاني الذي يقضي فيه ما يقارب نصف يومه، وللأسف فإن كثيرًا من العوامل والظروف الخاطئة في المدرسة من حوله تدفع الطفل للدخول في دائرة الإهمال الدراسي ، إن حالة الطفل الاجتماعية في المدرسة من أهم العوامل المؤثرة على سلوكه وإنتاجه واختلاطه وتقدمه أو تأخره الدراسي ، والحالة الاجتماعية تشمل موقعه وتعامله مع أقرانه وكذلك موقعه من أساتذته ومعلميه وطبيعة علاقته بهم ، وعندما يدرك الطفل أنه متوقف عن الدراسة بسبب إضراب معلمه وأن دولته عجزت عن التعامل مع مشكلته فتخيلوا ماهي الرسالة التي تصل إليه؟؟ .
لربما أصيب أبنائنا باليأس والإحباط ولربما يستعصي علينا إقناعهم بأهمية تعليمهم حتى لطالما الوضع كذلك.
نتطلع لأن تسعى الدولة لإيجاد حل لهذه المعضلة وفقا لأسس وقواعد صحيحة تراعى فيها مستوى المعيشة لكل الفئات العاملة بالدولة حتى لا يكون سلاح الإضراب دُولةً بين الموظفين. وبالتالي فإن كان البناء صحيحا وقائما على القيم التربوية والإنسانية فهو خير يعود على الأفراد وعلى المجتمع بشكل كامل. وإن كان البناء لا يقوم على تلك القيم الحميدة فإنه يكون غير سوي ولا يعود بالنفع على أيا من الأفراد أو المجتمع ، بل سينهار ذلك المجتمع ويفشل كليا.
تلك القيم الهامة في بناء المجتمع لن تتواجد إلا عن طريق دور المعلم في ترسيخ تلك القيم والأسس الحميدة في عقول وشخصيات الطلاب الصغار.
بالإضافة إلى تطبيق تلك القيم الأخلاقية والإنسانية أمام الطلاب من خلال تعامله معهم، فهو قدوتهم الأولى التي يجب أن يحتذى به.
لذلك لابد أن تتوافر العديد من الصفات الحميدة في المعلم كتحقيق العدل وحب الحرية وإحترام الآخرين حتى يحبه طلابه ويقتدوا به ، وبين ضغط المعيشة ونظرة أطفالنا للمعلم كقدوة تكمن المشكلة.