مُتعاطو الآيس في السودان .. مآسٍ وحكايات صادمة

يعتبر مخدِّر الآيس الذي انتشر في البلاد بشدة مؤخراً من أخطر أنواع المخدرات الكيميائية التي ظهرت في عالم الجريمة في الفترة الأخيرة، وتكمن خطورة الآيس في أن إدمانه لايحتاج إلى تعوُّد أو كثير وقت، لجهة أن مستخدمه يصبح مدمناً منذ الجرعة الأولى ويكون خطراً على نفسه ومجتمعه،ولا يخفى على الكثيرين الجرائم الشنيعة التي نقرأ عنها كل يوم بسبب الآيس، آخرها كان في خواتيم شهر يناير، عندما فجعت مدينة أم درمان بقتل مدمن لزوجته وابنه بصورة بشعة لايمكن أن يتصوَّر أحد إنها يمكن أن تصدر من رب أسرة لأفراد بيته وفلذات كبده ولكن! هو “الايس”.
(التيار) في سلسلة الحلقات التالية حاولت أن تسلِّط الضوء على القضية بشكل مختلف باستنطاق عدد من ضحايا المخدر “الشيطاني” حتى يقف الجميع على تجاربهم ويقفون على خطورة هذا السرطان اللعين الذي غزا الجامعات والمدارس، وقبل البدء في النشر نفيد بأننا وجدنا صعوبة كبيرة في الحصول على المعلومات ومراكز الإدمان، ولكن بالجهد والبحث والصبر وجدنا عدداً من مراكز معالجة الإدمان الحكومية والخاصة المتمثلة في مستشفى التيجاني الماحي ومستشفى كوبر للأمراض النفسية ومراكز خاصة أخرى، وبجهد مشترك مع الأطباء استطعنا إقناع عدد من المتعاطين بالحديث للصحيفة من باب النصح للآخرين، ونشير إلى إننا وجدنا نسبة التردد على المراكز والمستشفيات للعلاج من التعاطي عالية جداً من فئتي الأولاد والبنات للأعمار مابين 18- 30 عاماً، كما أن معظم هذه المراكز والمستشفيات مكتظة بالمنوَّمين لدرجة إنه لاتوجد أسرِّة للراغبين الجدد في العلاج بسبب ارتفاع نسبة المتعاطين وقلة المعالجين، فضلاً عنارتفاع قيمة العلاج إذ تبلغ 40 ألف، للمراكز الخاصة و25 ألف، للحكومي في اليوم الواحد.
تزايد حالات الإدمان
يقول البروفيسور علي بلدو، استشاري تأهيل علاج الإدمان في حديثه لـ(التيار): إن مخدِّر الايس الذي يعرف -أيضاً- باسم “الشبو” و “الثلج” و”الكريستال” وأسماء أخرى للمروِّجين والمدمنين أصبح في ازدياد مضطرد في هذا العام، وأصبح منافساً قوياً لجميع أنواع المخدرات، حيث أنه أصبحنا يومياً نقوم بتسجيل أكثر من ألف حالة من الشباب والشابات من متعاطي الايس، الذين يقومون بتلقي العلاج بالمشافي الحكومية والخاصة، وهذه الحالات تمثل إنذاراً لحالات أخرى كثيرة لايتم عرضعها للعلاج خوفاً من الملاحقة القانونية والوصمة الاجتماعية وهذا لايشكِّل إلا نقطة في جبل من الجليد، ويرى بلدو أن الايس يعتبر مادة منشِّطة للجهاز العصبي ويظهر في صور مختلفة كشكل صخور وبلورات كرستالية صغيرة لونها كرستالي، ويضيف: هذه المخدرات يمكن أن يحدث إدمان عليها من أول جرعة إذا كان الشخص مدرك أنه تناولها أو لا، لجهة أنها تمثل خطورة في كل الحالات ما يزيد من نسبة أن يقع الشخص في خطر الإدمان دون أن يدري.ويضيف بلدو: إن مخدِّر الايس يتم تعاطيه عبر التدخين أو الحقن الوريدي أو الاستنشاق الإيجابي، ويمكن استعماله في الشيشة، حيث تمثل واحدة من الأشياء التي تساعد في انتشاره وحتى السجائر يمكن أن يتم حشوها بهذا المخدِّر ما يُصعِّب من عملية مكافحته بسهولة، ومتعاطي الايس تحدث له تغيُّرات مابين ساعتين إلى ثمانيساعات، كالشعور باليأس والحزن والكآبة وضعف الشهية والإعياء الشديد والقلق والتوتر والإرهاق المميت وآلام العضلين والفكين، وأيضاً الشعور بعدم الفعالية والتشنجات الخطيرة التي تؤدي إلى الوفاة، كما يحدث خلل وتلف في المخ والسكتة الدماغية والذبحة الصدرية وانتشار الفيروسات والكبد الوبائي ونقص المناعة “الايدز” إلى جانب تقرحات في الوجه كما تظهر حالات الهلوسة السمعية والبصرية والعنف الجسدي والوهم والاكتئاب الحاد والسلوك العدواني كما يحدث الميول الانتحاري وأن أغلب مدمني الايس ينهون حياتهم بالانتحار أو مايسمى بالقتل الجماعي للأهل والأصدقاء، ويجعل الشخص يقوم بالتوهان وعدم الإدراك، ويمكن للمتعاطي لحصوله على الجرعة أن يقوم بالسرقة وتجارة الجنس، ومعظم المشاكل الأمنية في البلاد تنتج من مدمني الايس، ولكن إدمان الايس يمكن علاجه بسحب السموم منالجسم والكشف الطبي على المدمن أو المدمنة ويليه علاجات انسحابية أو تسممية ثم التأهيل النفسي والسلوكي، ولابد من متابعة خارجية وإشراك الأسرة في مراحل العلاج. ويقول بلدو: إن “الكريستال مس”، أصبح نجم المخدرات الآن في السودان وأزاح كل المخدرات الأخرى وأصبح يشكِّل خطورة بالغة على الأسر السودانية، إذ أصبح هناك مدمناً للايس بين كل عشرة من الشباب.
سرقة مقتنيات المنزل
من جانبه يقول المهندس “ن، ح” إنه كان يعمل في شركة هندسية مرموقة وأدمن الايس منذ عام عن طريق الصدفة مع صديقه “أ” الذي كان يعمل في إنشاء مبنى بأحد المناطق في الخرطوم، ويضيف إنه تعاطى الايس على سبيل التجربة عبر الاستنشاق ثم تطوَّر الأمر وأصبح مدمناً ويتعاطاه مع الشيشة يومياً ثم تطوَّر الأمر وأصبح يستخدم الحقن الوريدي، وفي أثناء حديثه كشف عن يديه التي ظهرت عليها علامات الحقن كتقرُّحات وهالات سوداء على الأوردة وتحسَّر “ن،ح” من هذا العمل الشيطاني الذي صرف خلاله أموال طائلة إلى درجة أنه باع عربته من أجل الحصول على الجرعات وتوقف عن العمل وأصبح يسرق من مقتنيات المنزل وبدأ بسرقة خاتم أخته الذي باعه بسوق مدينة بحري ومن ثم موبايلات إخوته. وقال لي: “يمكن لك أن تتخيَّل أي شئ” لدرجة أنني سرقت حتى أنبوبة البوتجاز من أجل الحصول على الجرعات، وقال: بعد ذلك توقف حتى حال المنزل لأنني كنت أصرف عليه، ويضيف: أنا نادم -حالياً- على كل شئ فعلته وبحمد الله الأسرة ساعدتني على إجباري بالعلاج ورسالتي للشباب لاتحاول أن تجرِّب – أنت في خطر.
ترك المدرسة
بدورها تقول “م، أ” والدة متعاطي أن ابنها صاحب الثلاثين عاماً، “م،ع” ترك المدرسة منذ الصف الثامن وهو وسط أربعة من البنين والبنات، وكل إخوته سولكهم ممتاز، وأنها حاولت إرجاعه للمدرسة إلا أنه رفض وأصبح يعمل في مجال قيادة الركشات وكانت هذه بداية انحرافه، ووالده يعمل في دولة عربية واشترى له ركشة حتى يعمل بها إلا أنه أهملها وكان يتعامل بلا مبالاة وفي تلك الفترة ساءت علاقته بوالده من خلال تصرفاته،وتضيف: بعد ذلك بدأ بتعاطي الحشيش وأنها كانت تعلم بذلك وبعد عام تحوَّل إلى تعاطي الحبوب وأصبح سلوكه عدواني وبعد ذلك اتجه للايس ولم يكن لها علم بذلك، وذات يوم جاء إلى المنزل وكان يظهر عليه الإعياء الشديد وعندما سألته عن سوء حاله أجابها بأنه مريض بـ”الكورونا” التي كانت منتشرة في ذلك الوقت، وتضيف أنها اهتمت به وبمعالجته ببروتوكول “الكورونا” إلا أن هناك علامات أخرى ظهرت عليه مثل: التواء فمه وذهبوا به إلى المستشفى للعلاج إلا أنه رفض تلقي العلاج وعندما عدنا للمنزل لاحظت أنه يجلس داخل الحمام لمسافات طويلة مما أدخل الشكوك في نفسي، وتضيف: ذلت مرة دخلت الحمام بعد أن خرج ووجدت مجموعة كبيرة من حقن الانسولين وعلمت حينها أنه بدأ يتعاطى في مخدِّر جديد، وعندما أبلغت إخوته قالوا لي إنه بدأيتعاطى مخدِّر جديد يسمى الايس، وأدركت حينها أن ابني أصبح في خطر فأخطرت والده وطلب مني أن أطرده من المنزل، لأنه أصبح يشكِّل خطراً على أفراد الأسرة، إلا أنها لم تستجب لحديث والده وحاولت معه العلاج بمستشفى السلاح الطبي بأمدرمان من خلال التنويم ثلاثة وعشرون يوماً، وبدأفي التعافي الحقيقي، وذات يوم أبلغها أنه تاب توبة نصوحة ولن يرجع للمخدرات مرة أخرى،ووصف لها مكان بقية المخدرات التي يخبئها في المنزل فذهبت وتخلصت منها جميعاً وأحست بأن ابنها أصبح معافًى وأبلغت الطبيب بذلك وطلبت منه أن يأذن لهم بالخروج من المستشفى ومواصلة بقية العلاج بالمنزل وعندما عادوا للمنزل أصبحت تعطيه الحبوب واللبن بنفسها وتتابع معه العلاج إلا أن أصدقاء السوء والشلة ظهروا مرة أخرى في حياة ابنها وأفسدوا كل ماقامت به من صرف في العلاج أكثر من مليار ومئتي جنيه، بعد أن باعت كل مقتنياتها الذهبية في سبيل العلاج، لأنه بعدظهور أصدقائه انتكس بصورة أخطر من الأولى وأصبح يتعاطى الايس بكميات أكبر وأصبحت الشكوك والوهم تطارده في المنزل لدرجة أنه يصرخ كثيراً. إن الحكومة تريد أن تداهمه ويقوم بتطبيل المنزل عليهم ويفتعل معهم المشاكل. وتضيف إنه يمكن أن لاينوم لمدة ثلاثة أيام، وأصبحت حركتهكثيرة وتوضح أنها بعد هذه الانتكاسة وتصرفاته الأخيرة خافت على نفسها وعلى أخواتها منه واستجابة لحديث والده وقامت بطرده من المنزل، وتقول: بعد خروجه من المنزل لمدة ثلاثة أشهر، لم تكن تعرف عنه شيئاً إلى أن اتصل عليها شخص وأخبرها بأن ابنها يقف على سطح عمارة مهجورةومعه طفلة يريد الانتحار بدعوى أن الحكومة تريد أن تداهمه، وتقول: أسرعنا إلى ذلك المكان وأجرينا معه حواراً طويلاً إلى أن أفلحنا في إقناعه بعد ثلاث ساعات، بالنزول وترك الطفلة. وتضيف بعد أن نزل من السطح أتينا به إلى المنزل وشعر بإعياء وحمى خبيثة ومن خلال الفحوصات اتضح بأنه مصاب بحمى خبيثة وأقنعناه بالاستمرار في علاج الإدمان إلا أنه اشترط تلقي العلاج في المنزل ورفض التنويم بالمستشفى. وتضيف أنها كانت تقدم له العلاج بنفسها وبعد كم يوم رفض أخذ العلاج ودخل في تشنجات واضطراب نفسي حاد وبدت تظهر عليه أعراض الهلوسة بصورة أصعب من الأول إلى درجة أنه كان يغلق عليهم الأبواب والنوافذ ما أدخل الأسرة في حالة نفسية سيئة وقالت إنها الآن بمستشفى كوبر من أجل حجز غرفة لابنها الموجود -حالياً- بالحراسة من أجل التأمين حتى يتم أخذه للمستشفى، إلا أنها تحسَّرت لعدم وجود غرفة فارغة للتنويم لامتلاء المستشفى بمتعاطيي الإدمان. وتؤكد أن الصرف على علاج الإدمان بالمشافى الحكومية والخاصة كبير جداً ويتطلب من الشخص البقاء تحت الملاحظة لمدة شهر على أقل تقدير. وتؤكد أن عدد أسر المتعاطين في الخرطوم كبير جداً وغالبيتهم لايستطيعون الصرف على علاج أبنائهم، وأوضحت أن شيطان الايس وصل إلى أغلب البيوت السودانية من خلال المروِّجين وإضافة “الحقوا أبناءكم”.
تكاليف مليارية للعلاج
من خلال الجولات الاستقصائية استفسرت (التيار) عن الإجراءات المطلوبة لحجز المتعاطين بالمشافي لبدء العلاج من الإدمان، ووجدنا أن المستشفيات الحكومية تشترط فتح بلاغ جنائي بالشرطة في مواجهة المريض ثم دفع مبلغ 750000 لمدة شهر بواقع 25000 ألف، لليوم بالمستشفى الحكومي، أي “سبعمائة وخمسون ألف جنيه” أما في المراكز الخاصة فيتطلب دفع 1200000 أي مليار ومئتا ألف بواقع 40000 ألف في اليوم لمدة شهر.
ضربات القلب
إلى ذلك تقول “س،م”: إن شقيقها يبلغ من العمر 23 عاماً، ويسكن أمبدة اكتشفوا أمر إدمانه في العام 2021م، بعد أن حضر “أ” إلى المنزل متوتراًوتظهر عليه علامات التهيج الشديد. وعندما سألته “مالك؟” قال لها بأنه يشعر بضربات قلب شديدة فأعطته حبة إسبرين إلا أنها لم تفعل له شئ وسقط على الأرض بعد ذلك تقول ذهبنا به إلى مركز صحي قريب من المنزل وفي الطريق قال لها إنه تعاطى جرعة كبيرة من الايس المخدر وتضيف أن هذه الكلمة وقعت عليهم كالصاعقة بعد أن اكتشفت أن شقيقها مدمن بالمخدرات وعلى الفور أعطاه الطبيب درب جلكوز ومن ثم قام بفحصه ووقتها الأسرة كانت في حالة حزن وكبير وتحاوروا معه بعد أن عادوا للمنزل لإقناعه بضرورة ترك المخدرات سيما وأن “أ” كان محترماً ومهذباً وسط الأسرة والأقرباء والجيران إلا أنه في اليوم الثاني من العودة للمنزل أصبح يطالب بمبالغ مالية كبيرة للحصول على المخدر ومن ثم صار يفتعل معهم المشاكل “ويضارب” إخوته في المنزل وبدأ فيسرقة الموبايلات ونفتقد كل يوم أجزاء من أساسات المنزل، ونعلم أنه قام بسرقتها سيما وأنه يتيم لأن والدنا توفي، وبعد ذلك أصبح يدعو بعض الشباب للتعاطي معه أمام المنزل وهذا السلوك أثر على الجميع وحتى المارة في الحي. وتضيف أنها حاولت التأثير عليه من خلال الحوار المتواصل إلى أن استجاب أخيراً وذهب إلى مستشفى السلاح الطبي الذي مكثوا فيه 15 يوماً، وبدأ في العلاج إلى أن يتعافى وبدأ يرجع تدريجياً وتم تخريجهم من المستشفى إلى المنزل على أن تتم متابعة العلاج من المنزل، إلا أنه انتكس مرة أخرى وبطريقة مخيفة وشرسة أكثر من الأول، وتضيف: كل هذا لأنه لم يفارق الشلة الأولى التي كان يتعاطى معها، وتضيف إنهم صرفوا أموالاً طائلة على علاجه في المرة الأولى والآن أصبحوا لايملكون شيئاً وناشدت الدولة والخيِّرين الوقوف إلى جانبهم من أجل علاج أخيها.
زميلات الداخلية
من خلال جولتنا داخل المراكز التقينا بالمدمنة “م، و” التي تقول إنها كانت طالبة طب في السنة الثالثة بجامعة مشهورة بالخرطوم، وولجت عالم الإدمان من خلال أول تجربة للايس وأنها تعاطتهادون علم من زميلاتها بالداخلية أثناء معسكرات مراجعة الامتحانات بالشيشة، وأضافت أنها تعرَّفت عليه بعد أن صارت مدمنة وحاولت أن تلجأ إلى أسرتها ولكن كان الإدمان أقوى وسلَّمت نفسها لهذا الطريق ثم بدأت في التعاطي عبر الشيشة ثم اتجهت إلى الحقن بالوريد مع زميلاتها، وواصلت حتى ثمانية أشهر، في الإدمان ولم تستطع مواصلة الدراسة بعد الغياب المتواصل من الجامعة وبعد فترة وجيزة حدث لها إعياء شديد وتم نقلها إلى مستشفى أم درمان وهنا كانت المفاجأة غير المتوقعة.
يعتبر مخدِّر الآيس الذي انتشر في البلاد بشدة مؤخراً من أخطر أنواع المخدرات الكيميائية التي ظهرت في عالم الجريمة في الفترة الأخيرة، وتكمن خطورة الآيس في أن إدمانه لايحتاج إلى تعوُّد أو كثير وقت، لجهة أن مستخدمه يصبح مدمناً منذ الجرعة الأولى ويكون خطراً على نفسه ومجتمعه، ولا يخفى على الكثيرين الجرائم الشنيعة التي نقرأ عنها كل يوم بسبب الآيس، آخرها كان في خواتيم شهر يناير، عندما فجعت مدينة أم درمان بقتل مدمن لزوجته وابنه بصورة بشعة لايمكن أن يتصوَّر أحد إنها يمكن أن تصدر من رب أسرة لأفراد بيته وفلذات كبده ولكن! هو “الايس”.
(التيار) في سلسلة الحلقات التالية حاولت أن تسلِّط الضوء على القضية بشكل مختلف باستنطاق عدد من ضحايا المخدر “الشيطاني” حتى يقف الجميع على تجاربهم ويقفون على خطورة هذا السرطان اللعين الذي غزا الجامعات والمدارس، وقبل البدء في النشر نفيد بأننا وجدنا صعوبة كبيرة في الحصول على المعلومات ومراكز الإدمان، ولكن بالجهد والبحث والصبر وجدنا عدداً من مراكز معالجة الإدمان الحكومية والخاصة المتمثلة في مستشفى التيجاني الماحي ومستشفى كوبر للأمراض النفسية ومراكز خاصة أخرى، وبجهد مشترك مع الأطباء استطعنا إقناع عدد من المتعاطين بالحديث للصحيفة من باب النصح للآخرين، ونشير إلى إننا وجدنا نسبة التردد على المراكز والمستشفيات للعلاج من التعاطي عالية جداً من فئتي الأولاد والبنات للأعمار مابين 18- 30 عاماً، كما أن معظم هذه المراكز والمستشفيات مكتظة بالمنوَّمين لدرجة إنه لاتوجد أسرِّة للراغبين الجدد في العلاج بسبب ارتفاع نسبة المتعاطين وقلة المعالجين، فضلاً عن ارتفاع قيمة العلاج إذ تبلغ 40 ألف، للمراكز الخاصة و25 ألف، للحكومي في اليوم الواحد.
تحقيق: عبدالله ود الشريف
في الحلقة السابقة كانت “م،و” طالبةالطب تتحدث عن تجربتها في الادمان وكيف أن زميلات الداخلية أوصلنها الى هذه المرحلة الى أن شعرت بإعياء شديد ذات يوم وذهبت الى الطبيب الذي أبلغها بخبر فاجأها…. نواصل.
حيث أخبرها الطبيب ان الفحص أوضح أن جسمها مشبع بالمخدرات وإنها مصابة بفايروس الكبد الوبائي إلا إنها عادت واستنجدت باسرتها للعلاج ولازالت تواصل في جلسات العلاج وقبل ان تكمل حديثها بدأت دموعها في الانهمار وهي تردد إنها فقدت كل شيء حتى الحلم الذي كانت تحلم به أن تصير طبيبة واكدت انها حاولت الانتحار كثيرا بيد إنها لم تفلح في ذلك بسبب تدخل الأسرة في احتوائها ودعمها نفسياً وقالت “حسبي الله ونعم الوكيل” في من أدخلني لهذا الطريق وكشفت أن الآيس أصبح منتشراً بكثرة في الداخليات والجامعات ولايحتاج الى كثير عناء للحصول عليه ،وأرسلت رسالة تحذيرية لكل من يسكنون بالداخليات بضرورة تجنب أصدقاء السوء وأكدت أن أسرتها أبلغت الشرطة بمن أدخلوها في هذا الطريق من زميلات الداخلية.
الطبقات المتعلمة
“التيار” من خلال تجوالها للحصول على معلومات هذا التحقيق وقفت على نسبالتعاطي وسط الشباب ومن خلال البحث المتواصل وسط ضحايا المخدرات خاصة “مخدر الأيس” وجدنا إن معظم المتعاطينمن الفئآت العمرية مابين 20 إلى 30 عاماًوتتفوق أعداد الإناث على البنين في التعاطي ولاحظت “التيار” أن معظم الفئات من الطبقة المتعلمة.
طلاق وإدمان
ضحيتنا التالية أدمنت جميع أنواع المخدرات وختمتها بالأيس حيث تقول “ت،ص” كنت متزوجة ومستقرة مع أسرتيولدي طفلة واحدة ولكن ولجت عالمالمخدرات من أوسع الأبواب بعد أن تخلىعني زوجي وتركني رغم أنني خسرتأهلي من أجل إكمال زواجنا، وبعد أن تركني وذهب أصبحت أعمل في الأعمالالهامشية حيث أصبحت فريسة سهلةمن أجل الصرف على إبنتي واستأجرت شقة وأصبحت أدمن الرجال وممارسةالعلاقات؛ صرت محطمة ولايهمني أي شيء من أجل كسب الأموال، ثم عملت فيأحد الكافيهات في مجال السيرفس بوردية ليلية تبدأ من الساعة السادسة مساءوحتى الخامسة صباحاً ، وهنا بدأترحلتي مع استخدام الشيشة و البنقووالكوكسن وجميع الحبوب لمدة ثلاثسنوات ، في تلك الفترة كنت دائماً خارجالشبكة، تعرفت على عدد من الشباب والفتيات من خلال عملي، كانوا الملاذ الآمن بالنسبة لي حيث أجد عندهم مافقدته من الأسرة وطليقي الذي تركني ، وكانت تتحدث يحرقة وهي تحكي بإنها بدأت تتدرج في الإدمان حتى وصلت إلى مرحلة تعاطي الأيس لكن للأسف بمساعدةالشخص الذي تكفل بمساعدتها ودفعإيجار الشقة.
فقدان الأمومة
تضيف “ت،ص” بدأت عملية تعاطيالآيس كبداية في العام السابق تقول أوقفني ذلك الشخص عن العمل واستغلإدماني واستخدمني لمصلحته في نظامالقعدات مع الشباب والشابات واصلت فيرحلة العذاب والإدمان حتى فقدت طفلتيونسيت إن لي طفلة إأمها وواصلتحديثها، دق ناقوس الخطر بينما أناأتجول في المنطقة التي أسكن بها في أحدالمولات ظهر أفراد من أسرتي وقاموابضربي وإرغامي بالصعود على عربةيقودها شقيقي جاءوا بي الى مركز لعلاجالإدمان ولدي الأن أكثر من شهر أتلقى ولازلت حتى الآن أعاني من الاضطرابوالهلوسة وفقدان الشهية وتساقطالشعر، نعم سكة الإدمان صعبة ولكنالأصعب الحرمان والخيانة، إلى ذلكرفضت “ت،ص” الإجابة على سوالي هلهي على قناعة بعدم الرجوع للآيس مرةأخرى .. وانصرفت من أمامي بسرعة ورفضت هذا الحديث.
أقرب الأقربين
يسرد “م م” حكايته مع التعاطي ويقول،دخولي عالم المخدرات والإدمان كان منذالعام 2011 ثم تمرحلت في استخدامالحشيش 13 عاماً ثم دخلت عالم الآيسمن خلال زيارة الى ابن عمي الذي كانبدولة الصين حيث وجدت هذه المادة بحوزته ومن باب الفضول دخلت في أولجرعة عندما كنت أتعاطى الحشيش لم أجدصعوبة في التعامل مع المجتمع والأسرةوالعمل ولكن عندما بدأت تعاطي الآيساختلف الأمر حيث فقدت أسرتي وساءتالعلاقة وفقدت عملي ويقول ” م،م” بأنالإدمان عموماً خطر يصعب الأشياءوالشخص المدمن لايكون له هدف واضحوهو طريق للموت السريع والانتحار وأنتلا تستطيع أن ترى وتشاهد ما يحدث لكولكن الإحساس الذي ينتابني صعب لاأستطيع أن أحكيه وكنت عندما أتعاطىالآيس ينخر في جسدي بالداخل أنهى ليكبدي وأصبت بالتهاب في الدم ودورانفي الراس والهلاويس ووقعت في مشاكلصحية كثيرة وخطيرة واجهتني “ماتحاول تغش نفسك شديد وأنا كنت غاشينفسي هو مخدر شيطاني كفاية موتكفاية أمراض ما تحاول تجرب أبعد منالمخدرات ” فضولي أوصلني للمرحلةالتي أنا فيها الآن أصبحت مدمناً وأعانيالأمرين والإدمان من أول جرعه يجعلشهوتك عالية للمواصلة ” ويضيف “مابقدر اقيف أنا عايز على طول والحالة ديبتجيك من جوه أعماقك وعندما لا أجدالجرعة كنت أكون غير راض عن نفسيحتى أجد الجرعة وهي متوفرة يكثرة فيكل مكان فضلاً من إنها تباع بالجراماتمعدل الجرام كان في السابق بـ 15 ألف جنيهاً و أصبح الآن ب25 ألف حنيه الآيس هو سلاح حقيقي لتدمير الشبابمثل الكورونا والمدفع والطلقة وبدأت جهاتفي استخدامه ضد الشباب والكل يعلمذلك”.
استراحة الضحايا
بعد ذلك تجولت وسط ضحايا الآيسووصلت الاستراحة وجلست في وسطهمتحدثت معهم وعرفتهم على شخصيومهمتي الصحفية ودورهم بالمساهمة فيالتوعية وإرسال رسائل عبر تجاربهموجدت ترحيباً كبيراً وسط الضحاياقضيت ساعتين كانت من أثمن ساعاتيمن خلال الاستماع لهم ولحكاياتهموطريقة تفكيرهم وأن أغلبهم من طلابالجامعات، و تحسرت على انخراط هؤلاءالشباب في التعاطي والإدمان .بدلاً من الجلوس والانخراط وسط العلوم في قاعات الدراسة.
بنقو وآيس
عند توقفنا أمام مركز نقاء للطب النفسيوعلاج الإدمان وقفت سيارة أمام الباب نزلمنها شاب في الثلاثين من عمرهوبصحبته ابنته وزوجته قلت في نفسيبأن هؤلاء أسرة أحد المرضى .. رد عليالسلام ثم دخل المركز وبعد مدة قصيرة وأناأسجل مع بعض الضحايا جاء ذلك الشابوقال لي يمكن أن احكي عن تجربتي وأنأكون جزءاً من توعية المجتمع إندهشت جداًلهذا السلوك الجميل قلت له كنت أبحث عنشخص مثلك .
قال لي أنا “م، أ ” متعافي ولكن لدي قصةمهمة وتجربة أقوى قد تفيد المجتمع، قاللي كنت مدمناً منذ عام 2005 حيث بدأتاستخدم الحبوب في بداية الأمر ثم في العام 2017 أصبحت استخدم الحشيشوالكبسولات وفي العام 20018 بدأت فياستخدام الأيس عن طريق الحقن الوريدي،كنت محكوماً بتوجيه الآيس لأنه المسيطرفي كل شيء، هنا لكي أعترف أكفر عن كلخطأي عبركم أرسل رسائل حيث أثرتالمخدرات في عقلي بطريقة كبيرة وفقدتأقرب الناس لي، كنت ارى مخلوقاتعجيبة وغريبة من خلال الحقن، وتأتياصوات وتكلمك لا تستظيع أن تميزهاحيث يحدث لي تهيآت بإن الكل ضديوإنهم مشكلة بالنسبة لي وجرعةالإدمان مرهقة ومكلفة جدا مالياً دائماًأكون محتاجاً لجرعة ويمكن أن أسرق وأنهب من أجل الحصول على الجرعة . وهويسرد قصته قال لي ذات يوم اتصل بيصديق قال لي “عندي بنقو عايز اقطعه عندك وأنا عرفت إنك موجود لوحدك فقلتله تعال” وبالفعل جاء .. لم تمر لحظة وإلاصديقي ” ع” بدأ يتصل على أشخاصلحضورهم الى شقتي وحضرت كميةكبيرة من الشباب جزء منهم أعرفهموآخرين لا أعرفهم وبينما كنا نتعاطى فيالحشيش والآيس جاءتني تهيؤآت بإنهناك خطراً قادماً على أسرتي فقمتبطريقة هستيرية وأغلقت المنزل بطريقةجنونية بالأثاث والمفاتيح هنا لاحظتالأسرة إن ابنهم وصل مرحلة الخطر علىالفور اصطحبتني أسرتي الى مركزالعلاج من الإدمان الذي مكثت به شهراًكاملاً ولازلت أراجع نفسي وأزور المركزللدعم مع زوجتي .. نعم كنت أتخوف علىزوجتي وابنتي من نفسي وهي ساعدتنيوصبرت علي في العلاج،ويقول ما يحدثالآن من إدمان كبير وسط الشباب؛ يرجعالعامل فيه الى عدم مراقبة الأبناء فيطور المراهقة ومتابعتهم والحالةالاقتصادية والعطالة سبب رئيسي كماأضاف بإنه ترك أصحابه والشلة التيكان يتعاطى معها المخدرات وقرر أن لايعود مرة أخرى وأن يكون أباً صالحاًلأسرته الصغيرة .
تفاقم المشكلة
في غضون ذلك يقول استشاري الطبالنفسي وعلاج الإدمان الذي عمل في دولعربية وأوروبية، ويعمل الآن فيمستشفى عبدالعال الإدريسي كوبرللأمراض العقلية ومستشفى التجانيالماحي في قسم الإدمان، بروفيسورمجذوب محمد علي، انتشرت في الآونةالأخيرة بالبلاد ظاهرة الآيس بل وهيتحد ومشكلة صحية كبيرة ويضيف مجذوب بأن المشكلة هو مرض ولا بد مناختيار المصطلحات الصحيحة في تقديمالوعي وإن هناك فرقاً بين التعاطيوالإدمان وعندما تخلط الأشياء يصعبتشخيصها وأنا أقول بشكل علمي بأنالكشف المبكر والتدخل العلاجي المؤهلللمريض جزء من الحل وهنا في السودانتتفاقم المشكلة على حسب الظروفوالعوامل لارتفاع نسبة المتعاطين والمدمنينبشكل كبير، كثر الحديث عنهم وهنا نقولإن لم توجد مادة الآيس لن يكون هناكعملية إدمان من الأصل والمسؤولية فيإيقاف تدفق هذه المادة تقع على عاتقالدولة ومكافتحها ، وعندما نتحدث عنالجهات الطبية والكشف المبكر يوجد علاجحقيقي للآيس ونسبة الإدمان ليستظاهرة ولا سلوكاً بل هو مرض يصيبالدماغ ويسبب مشكلة مثله ومثل الأمراضالمزمنة الأخرى وهو مرض كثير الانتكاسةوهناك صعوبات وتحد في الحصول علىالعلاجات المؤهلة لعدم توفر المؤسساتالعلاجية المؤهلة في عملية معالجة الإدمان والأعداد الموجودة من المراكز غير كافية لدرجة إن بعض الأسر التي تحتاج لخدمة العلاج اصطدموا بالتكلفة العالية .
الفحص الدوري
ويضيف هناك علامات تظهر على مريضمخدرات الآيس ولدي مرضى أتابعهمشخصياً ومسؤول عن حالتهم أصيبوابمشاكل كبيرة في القلب وإلتهاب الكبدالويائي من خلال استعمال الحقن الوريديوربما يصابوا بأمراض أخرى مثل الإيدزوهناك محور مهم في الوقاية أن تحدد ماذاتريد وكيف توقف هذا المخدر هنا لابد منإشراك الأسر والإعلام في التوعيةومكافحته والفحص الدوري ، ومريضالآيس والمخدرات يحتاج الى فترات طويلةوعلى المتعاطي أن يحذر لأن مخدر الآيس شرس .
التيار
لا حول وال قوة الا بالله انها حرب علي شبابنا ومعروف من خلفها وربنا يحفظ شبابانا وبلادنا وكلكم راعي وكل راعي مسؤول من رعيته والله المستعان