مقالات وآراء

بيئة العمل القضائي والعنف ضد المحامين

المحامي- الطيب النضيف

إن الاعتداء الهمجي والبربري الغادر و الجبان الذي تعرض له المحامي الخلوق مبارك الجنيد بواسطة قاضي واثنان من شرطة محكمة امبده وداخل قاعة القاضي النجيب حسن وتحت سمعه وبصره له دلالات عديدة منها، يعتبر الحادث التراكمي الذي انفجر بعده غضب وبركان كل محامي السودان على سوء المعاملة و العنف المتكرر من قبل القضاء والشرطة والنيابة ذلك أثناء ممارسة المحامي لمهنته أو بسببها.

والتكرار يدل علي القصد، والدلال الأخرى هي تجاوز   بعض القضاة و الشرطة و النيابة لقانون المحاماة، وهى أجهزة منشأة لبسط العداله والإنصاف ولاحترام القانون لا إجهاضه، ونشاط المحامي ينظمه قانون المحاماة.

والحادثة التي وقعت ضد الزميل الجنيد تحكمها ثلاثة مواد هي ٤٦ و ٤٧ و ٤٨ من قانون المحاماة.

ففي المادة ٤٦ وهي إذا محامي ما أخل بسير الجلسة فإن أقصى ما بوسع القاضى هو : أن يرفع الجلسه فورا ثم يكتب محضر بالواقعة ثم يرسل المحضر لنقيب المحامين. لكن الذي حدث من القاضى نجيب حسن نجيب ( ولا نقول مولانا) أن استدعى اثنان من شرطة محكمة امبده ليوسعا المحامي المهذب الجنيد ضربا ثم طرحه أرضا مع تمزيق قميصه.

حدث ذلك اما القاضي النجيب الذي لم يحرك ساكنا، لم يلتفت النجيب ولا شرطياه لقانون المحاماة و لا للقانون الجنائي ولا قانون الإجراءات الجنائيه الذي يحظر الاعتداء على جسد إنسان حتى و لو كان متهما.
بل لم يلتفت ثلاثتهم الجنيد الستيني المريض بالسكري.

أما المادة ٤٧ منه تتحدث عن الجريمة التي تقع على المحامي اثناء الجلسات حيث تنص على أنها تأخذ حكم الجريمة التي تقع على أي قاضي خلال قيامه بواجبه الوظيفي أو بسببه.

ويعاقب من يرتكبها بنفس العقوبه المقررة لتلك الجريمة، وهي هنا ساوت ما بين المحامي و القاضى، بل اعتبرت الجريمة التي تقع على المحامي كأنها وقعت على قاضى.

أما المادة ٤٨ اشترطت، لمحاكمة المحامي أو اتخاذ أي إجراءات قانونية ضده، اخذ الأذن اللازم من نقيب المحامين، بل اجازت النقيب أو مفوضة حضور جلسات التحقيق مع المحامي ( بالطبع عدا حالات التلبس) كما نصت على معاملة المحامي بما يليق شرف المهنه.

كما خلف هذا القاضى المنشور رقم ٥ لسنة ٢٠١٩ الذي يحث على التعاون بين القضاة و المحامين وحتى للقاضي و عند ضبطه الجلسات أن يتقيد بقانون المحاماة.

أما الدلالة الثالثة هي بيئة العمل القضائي المتردية بسبب إدارة الكيزان لهذا المرفق العدلي لثلاثين عاما بل و اكثر من ذلك، تربى خلالها منسوبو الاجهزه العدلية الثلاثة بما فيهم بعض الموظفين المدنيين على الاستخفاف بالناس وقضاياهم و حقوقهم معتمدين في ذلك علي وجود بيئة كيزانية تسندهم وتبرر افعاهم. ان شرطيا محكمه امبده لم يفعلوا ذلك لو لا أن بيئة العمل القضائي تسمح بذلك لعلمهما المسبق بأن الاعتداء وإلحاق الأذى بالآخرين يمنعه القانون.

قضية الزميل مبارك الجنيد أضحت قضية رأي عام لمساسها المباشر بحقوق الانسان و كرامته التي اهدرها المنوط بهم حفظ  و صيانة الحقوق و الكرامه الإنسانية، التحية للمحامي الجنيد و للمحامي حسن أحمد منصور الذي مر بنفس الموضوع حيث أمر قاضى محكمه الحاج يوسف شرطة المحكمة بالتحفظ عليه ولا عزاء للقوانين هنا وهناك.
أسقطت ثورة ديسمبر المجيدة الراس لكنها أبقت على أسوأ جزء وهو باقي الجسد و الذي في بقاءه سيظل الحال على ما هو عليه، والتحية للمحامين الشرفاء في سعيهم لتحقيق وترسيخ مبادئ حقوق الإنسان السوداني.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..