مقالات وآراء

دار الريح … بوادر الشقاق وفرص الاستقرار! (5)

محمد التجاني عمر قش

هناك قاعدة شهيرة ومسلمة – أو شبه مسلمة – في الفقه الإسلامي ، بل هي سيارة على ألسنة الدعاة والوعاظ وكثير من الناس ، وهي قاعدة : “درء المفاسد مقدم على جلب المصالح”. وتحقيقاً لهذه القاعدة في هذا الوقت الذي أطلت فيه الفتن برأسها وكثرت النزاعات وسط المجتمعات في السودان ، وبدأت تدب إلى دار الريح تدريجياً ، فإن من الواجب اتخاذ خطوات استباقية للحيلولة دون ما قد يطرأ على هذه المنطقة المستقرة من هزات اجتماعية جراء ما أستجد على علاقات الناس من تنافس في الآونة الأخيرة. عموماً ، تماشياً مع مقترح منسقية دار الريح ، ومساندة لهذا التوجه كتب الأستاذ أحمد العشاري بخيت، وهو أيضاً إداري وخبير بشؤون دار الريح:  “المجتمعات المعنية التي ظلت متجانسة ومتسامحة وتشترك في عائداتها وتقاليدها ومتعايشة عبر التاريخ، وتربطها أواصر الأرحام والأنساب ما كان لها أن تتقاتل لولا المستجدات ودخول ثقافة الحروب والعنصرية ، وحكاية عرب وزرقه وغيرها من أدوات خطاب الكراهية التي مارسها البعض. عليه من جانبي ، وبعد الاطلاع على مقترح الأخ أحمد آدم سالم ، أرى أنه سليم إذا توافق الجميع على طرحه. هذا الرأي سيكون له مردود واسع: “فهو يعالج المشاكل الحالية ويرسم الحدود ، ويمثل مسار سلمي لدار الريح ، كما ينتزع لدار الريح حقها في قسمة السلطة والثروة على كافة مستويات الحكم ويساهم هذا التجانس المزمع في تحريك عجله الاقتصاد ونمو الموارد المحلية المشتركة في المنطقة ويخلق وحدة في الرأي والمصير المشترك. وعلى العموم آمل أن يقوم هذا الجسم ويكون بمثابة كيان كبير جامع ، وسوف يكون له مستقبل مشهود لتحقيق وحدة أبناء دار الريح” .

ووفقاً لمقترح الأستاذ أحمد آدم سالم، تتكون منسقية لدار الريح من أجل: “حفظ الأمن والسلم المجتمعي وتعميق الاستقرار في عموم منطقة دار الريح. وكتابة واعتماد ميثاق التعايش السلمى بين جميع قبائل منطقة دار الريح، والعمل على تنفيذه، وتطبيقه بشفافية، وقوة ، وصرامة. على أن يتضمن ذلك الميثاق حرية السكن والإقامة والتنقل والتملك والعمل في مختلف المجالات لجميع سكان دار الريح ويحفظ لهم التمتع بجميع الخدمات الأساسية المتوفرة بالمنطقة من دون حرمان أو إقصاء ولابد أن ينص الميثاق على منع جميع أنواع الاختلالات الأمنية والتعدي على حقوق الغير بأي صورة من الصور. ويعتبر من يقوم بذلك خارجا عن الإجماع المجتمعي. وعلى المنسقية أن تصدر أشد العقوبات على من يتجاوز ذلك الميثاق عن طريق إنفاذ القانون أو تطبيق الأعراف والتقاليد المجتمعية السائدة بالمنطقة وتقوم المنسقية بعقد اجتماعات تطييب الخواطر والجوديات عند حدوث النوازل والأزمات بين قبائل المنطقة بناء على مبدأ “ومن عفى وأصلح فأجره على الله” وتنظيم عقد مؤتمرات الصلح بين القبائل وفض النزاعات ومنعها من الحدوث ومتابعة تنفيذ مقررات تلك المؤتمرات، وعليها الإشراف على الإجراءات القضائية والقانونية التي تصل إلى مرحلة التقاضي في دعاوى النزاعات والصراعات القبلية. وتمثل هذه المنسقية المنطقة في جميع المحافل داخل وخارج السودان وبين قبائله المختلفة. ويكون للمنسقية الحق في ترشيح الأشخاص الذين يتولون مناصب قيادية وحكومية بالمنطقة ومن يمثلونها بالمؤسسات الولاية والاتحادية. وتعمل المنسقية على استنهاض همم أبناء المنطقة وأهل الخير لدعم خدمات الأمن والتعليم والصحة والمياه والكهرباء والطرق بالمنطقة. ويكون للمنسقية دور مؤثر في إدارة الموارد الطبيعية بالمنطقة والاستفادة القصوى منها لتحقيق مصلحة المنطقة”.

هذه الترتيبات ليس القصد منها التعدي على خصوصية مكونات المجتمع في دار الريح ، ولا إلغاء الهياكل الإدارية المتعارف عليها من حكومة محلية، ولا سلطات واختصاص الإدارة الأهلية ، وليس القصد هو تشكيل جسم رسمي موازي للهياكل الرسمية المعترف بها، بل إيجاد جسم تنسيقي يتم تكوينه بالتراضي بين الأطراف ووفقاً للعرف والمصلحة العامة المشتركة بين جميع مكونات دار الريح.

وينبغي أن يكون ضمن مهام هذه التنسيقية المزمع إنشاؤها البحث عن ودراسة تجارب المجتمعات المشابهة لمجتمع دار الريح ؛ وذلك بهدف الاستفادة منها والاهتداء بها من أجل تفادي الصراعات القبلية حول الموارد، وتجنب قضايا الثأر ، ووقف خطاب الكراهية ، وكل تلك العوامل السالبة التي أدت إلى نشوب ما يشبه الحرب الضروس بعد الاقتتال الدموي مثلما حدث في ولاية النيل الأزرق وما نرى من حوادث مؤسفة متكررة في ولايات دارفور ولن يكون آخرها ما حدث في محلية بليل من قتل وحرق للمنازل، وتشريد للنساء ، والأطفال ، والضعفاء. ولابد هنا من تفعيل دور الحكم المحلي والاستناد إلى اختصاص الجهات الحكومية ذات الصلة على مستوى الولاية والمركز لترسيم الحدود بين المحليات وفقاً للوثائق الرسمية ذات المصداقية. ومن الضرورة بمكان في هذا الصدد من استدعاء العرف لضبط تحركات الرعاة وحفظاً لحقوق المزارعين وذلك بتحديد مسارات الرحل ومناطق الرعي، منعاً للاحتكاك الذي قد يحدث بين هذه الأطراف ؛ نظراً لأن دار الريح من المناطق التي تجمع بين الزراعة والرعي ، وليس بعيداً عنها ما جرى في دارفور من قتل وسحل وحرق، نتيجة لعدم تطبيق العرف واحترامه في هذين المجالين.

 

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..