مقالات وآراء

السودان ومصر يجب مواجهة الحقائق وتصحيح العلاقات للمضي قدماً

منير التريكي

 

تاريخ وادي النيل يحتاج إلى إعادة كتابة. أظهرت الدراسات الأخيرة الكثير من الحقائق العديدة التي كانت مدفونة بالأكاذيب.
في سنة 1821م محمد علي باشا والي العثمانيين على  مصر غزا السودان بجيش أغلبه من المصريين .الغرض إقناع السودانيين بأن ذوي البشرة الفاتحة مسلمين يتحدثون العربية وليسو كفار . حكمت التركية السابقة  السودان حتى تحرير الخرطوم في 1883م.  كان ذلك بمساعدة مصريين وألبان وشوام ومغامرين من انجلترا واليونان ونمساويين . سنة 1896م عادت بريطانيا لغزو السودان . انطلقت من مصر واتجهت جنوبا بمحازاة النيل حتي اسقطت خليفة المهدي في 1898م  واعلنت الحكم الثنائي البريطاني المصري. فعلياً كان حكم بريطانياً.
في عام 1956م نال السودان إستقلاله كأول دولة في افريقيا وسبق دول عديدة في مناطق أخرى . طبعاً مصر هي أول دولة تنال استقلالها من بقايا التركية عام 1952م بثورة يوليو كما فعل المهدي في 1883م. لكن مصر لا تعترف بذلك.
ثوار جمعية اللواء الأبيض1924م وقفوا مع مصر بكل إخلاص وضحوا بأنفسهم فخذلهم المصريين.
في سنة 1958م ونحن نتعثر في خطواتنا الأولى في الديمقراطية .. تدخلت جهة ما وعملت على وصول العسكر للسلطة. انقلاب نوفمبر بدأ كأنه تسليم وتسلم لعبود ومجلسه العسكري . لاحقاً  ستظهر الدولة المستفيدة من غفلة السياسيين آنذاك . استفادت مصر من جهل العسكر وبنت السد العالي وتحمل السودان التكلفة الباهظة . تم إغراق حلفا وبلاد غيرها وتهجير أكثر من خمسين ألف شخص سوداني من بلادهم وإغراق 200 كيلومتر من أراضي السودان. غمر الماء آثار منذ آلاف السنين  بينما تم نقل الآثار  في الجانب المصري. كما تم إنقاص مبلغ التعويض ولم تضاء لمبة واحدة في السودان . وسميت بحيرة النوبة ببحيرة ناصر وعندما إحتج اهل المنطقة تم قمعهم بسلطات سودانية. لعشرات السنين تاخذ مصر حصتها من الماء وجزء كبير من حصة السودان. مع ملاحظة ان القسمة ابتداءاََ رغم  مجحفة. ومع ذلك لا يتم تركيب طلمبة ماء في السودان الا بعد إذن هيئة الري المصري.
في السبعينات ونميري مجتهد في السودان بمشروعات التنمية تدخلت جهة ما وحولت نميري ليدور في فلك السادات السودان قاطع بالمجاملة كل العالم العربي .  قاطع العرب مصر عقب إتفاقية كامب ديفيد . دخلنا  في التكامل وإتفاقية الدفاع المشترك وكله لصالح مصر المعزولة بسبب الإتفاقية مع إسرائيل. ولا أظن السادات تشاور أو أخبر نميري قبل السفر لإسرائيل.
في العلاقات الخارجية مصر تريد تكون وكيلة عنا. تريد أن يكون السودان تابعاًَ لها في علاقته مع امريكا وغيرها. أي تتعامل هي مع تاجر الجملة بينما  تريد أن يتعامل السودان عبرها هي وليس مباشرا مع المجتمع الدولي.
في التسعينات تم توريط نظام الإنقاذ بعملية إغتيال حسني مبارك.  شحن سيارة الرئيس المصفحة ضد الرصاص إلى أديس أبابا أمر يثير الشكوك حول المحاولة. بالنسبة للسودان كان الثمن باهظاً . الثمن كان هو سكوت الإسلامويون وعدم إثارتهم لموضوع إحتلال مصر لحلايب وشلاتين.
مصر حاولت مرات عديدة تجاوز السودان في مفاوضات سد النهضة وتحقيق مكاسب لها فقط. لكن الجارة الوفية إثيوبيا لم تبيع السودان ولم تتدخل في شئونه . ظلت دوما تقدره وتحترم خياراته. رفضت إبعاد السودان الشريك الأصيل. السنة الماضية استغلت مصر عسكر السودان كالعادة لشن حرب بالوكالة ضد الحكومة  الإثيوبية . وصل مسلحو التقراي حتي اديس ابابا لكن الشعب الإثيوبي إنتصر لصوت العقل. وتَنبّه للمكيدة. تعامل آبي أحمد بحكمة مع الفتنة.
سد النهضة فوائده للسودان كبيرة. أولها انحسار الماء عن آلاف الأفدنة الصالحة للزراعة. عودة الأراضي التي غمرها بناء السد العالي . ثانيها تسهيل البحث عن الآثار القديمة  المغمورة بالماء . ثالثها بناء وتعمير شمال السودان وتأسيس المشروعات الكبرى .
قامت ثورة ديسمبر ٢٠١٩م المجيدة ولفظ الشعب النظام الفاسد واختار الثوار حمدوك  ليصحح الأوضاع الخاطئة ويرفع الحظر المالي. وقفت دولة واحدة في العالم  ضد رفع العقوبات الإقتصادية عن السودان وعودته للمجتمع الدولي . تصوروا الدولة هي  مصر الشقيقة !.
عندما صرح حمدوك بعدم تصدير المواد الخام وتصنيعه في السودان قبل تصديره . كان الإنقلاب المشؤوم بمساعدة جهة ما. يمكنكم تصور هذه الجهة. عندما اسرعت الشاحنات المصرية في هلع تنهب خيرات السودان بعملة محلية مزورة و تغلف وتصدر وتبيع بالدولار . كانت سلطة الإنقلاب واجهزتها تعلم ولا تحرك ساكناً . تصدي رجال الشمال الشجعان. أوقفوا مهزلة استنزاف خيرات السودان بترس الطريق . النتيجة رخاء في السوق في السودان وتوفر المنتجات ومكرفونات الباعة في الأحياء تنادي للمشترين. توقف تضخم العملة المفتعل بالتزوير وأخذ الاقتصاد بالتعافي.
تنادي العالم مرة أخرى  للوقوف مع السودان. اسرعت مصر بدعوة بعض السودانيين لإفشال الإتفاق . الإتفاق صبر عليه الكثيرين على علاته تجنباً لخيارات  أسوأ.
عند حدوث أي إنقلاب في السودان يكون أول الواصلين  هو مدير المخابرات المصرية.  ملف السودان في مصر يدار بواسطة المخابرات المصرية وليس وزارة الخارجية .  لا يغادر أي مسؤول مصري سابق  بلاده . حتى ولو  كان رئيس جمهورية. وهي سياسة حكيمة لمنع تسرب اسرار الدولة للخارج . بالمقابل مصر تستقطب مسؤولين سودانيين سابقين كانت في أيديهم  الكثير من ملفات السودان المهمة والخطيرة .  تضررنا كثيرا من جيراننا الذي دعموا وأغلب الظن خططوا للإنقلاب الذي اعتقل حمدوك واطاح بأحلام الثوار واخرجنا من المسار الصحيح بعد سنين طويلة من التخبط والفساد والتخريب . مصر خلطت أوراق التاريخ  في حضارات السودان منذ القدم . حضارات تاسيتي وكوش وممالك كرمة ومروي ونبتة قبل آلاف السنين مصر تصر على اضافة الأصل للفرع . حضارة كوش ليست هي بالحضارة الفرعونية. فرعون هو حاكم واحد من مئات حكموا مصر . هو آخر من يستحق ان تنسب له الحضارة القديمة . الحضارة بدأت من السودان واتجهت لكل العالم . آخر الدراسات تقول أن السودان هو أصل البشرية . دراسة جينات الإنسان قديماً وحديثاً تؤكد ذلك . كثيرون من غير السودانيين سيضيفون ان السودان هو أبو الإنسانية أيضاً.
ظل السودان دوما يحترم خيارات مصر ويساندها في أوقات ضعفها. بالمقابل ظلت مصر تتدخل سلبياً وبإستمرار في شئون السودان . مصر دعمت اطراف من النزاع في لكن منذ حرب الجنوب . دعمت إنفصال الجنوب لتضييق خيارات السودان الشمالي. لكن حكمة السودانيون شمالاً وجنوباً فوّتت عليها الفرصة.  تأخذ مصر حصتها وجزء من حصة السودان ورغم ذلك أرسلت للسودان فواكه شربت ماء الصرف الصحي .. وعملة مزوزة .. ومخدرات في حلويات .. تستهدف جيل المستقبل .
فياأيها العاقلون في الجارة مصر . مايجمعنا أكبر بكتير مما يفرقنا. هناك الإسلام والإخاء والنسب والجيرة والتاريخ المشترك والمصير الواحد . إحترموا خياراتنا مثلما نحترم خياراتكم .
حسبنا الله ونعم الوكيل .

 

تعليق واحد

  1. مصر هي جارة السوء للسودان
    احتلت السودان
    نهبت السودان
    دمرت السودان
    عملائها منتشرون بكثرة في السودان
    يا ريت نبني جدار برلين بيننا و بين مصر بس عمو شوقي قال سد برلين سقط عشان كده لازم نبني سد ياجوج و ماجوج بيننا و بين مصر

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..