مقالات وآراء سياسية

الطريق الى تل ابيب

يوسف عيسى عبدالكريم

 

أوردت وكالة سونا للأنباء ان طائرة وزير الخارجية الإسرائيلي إيلي كوهين قد حطت أمس الأول بالعاصمة السودانية الخرطوم وقد اجرى سيادته محادثات رسمية مع رئيس مجلس السيادة الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان وبالرغم من ان  هذه الزيارة هي الثانية لكوهين للخرطوم ففي 26 يناير/كانون الثاني 2021م ، زار العاصمة السودانية الخرطوم بصفته وزيرا لشؤون الاستخبارات  الا انها تعتبر الأولى له كوزير للخارجية وتعتبر تاريخيا اول زيارة لوزير خارجية إسرائيلي للسودان . واحسب ان ذلك يعتبر دفعة كبيرة في مسار تطور العلاقات السودانية الإسرائيلية وحسب سونا فان اللقاء تطرّق إلى «سبل إرساء علاقات مثمرة مع إسرائيل وتعزيز آفاق التعاون المشترك بين الخرطوم وتل أبيب في مجالات عدة ، لاسيما الأمنية والعسكرية». وأفادت وكالة الأناضول ان  وزارة الخارجية الإسرائيلية ، قد فادت الخميس الماضي  إن وزير الخارجية إيلي كوهين قام اليوم برحلة سياسية تاريخية وأعلنت في تعميم عن مؤتمر صحفي يعقده كوهين عقب عودته بمطار بن غوريون وأفادت هيئة الإذاعة الإسرائيلية إن طائرة إسرائيلية خاصة وصلت الخميس ، إلى العاصمة السودانية الخرطوم.
حيث كتب احد  مراسلي الهيئة  تغريدة على تويتر قال فيها : “هبطت طائرة تنفيذية إسرائيلية (4X-CUZ) قبل فترة وجيزة في العاصمة الخرطوم”. ويلاحظ الاهتمام والإعلام الإسرائيلي الرسمي بالزيارة واحسب ان ذلك محاولة لتوجيه انظار المواطن الإسرائيلي للخارج بغرض التنفيس عن الضغوطات الداخلية التي تعاني منها حكومة ناتنياهو في ظل الشد والجذب الذي يشهده الفضاء السياسي في إسرائيل والذي ربما قد نجد الوقت للتعرض له بالتحليل في مقال اخر . ولكن ما يهمنا الان هو تحليل الجانب المرتبط بالدولة السودانية من تداعيات الزيارة. فاللافت انه وبرغم حالة الفراغ السياسي والتنفيذي الذي ظلت تعيشها البلاد منذ انقلاب 25 أكتوبر والمتجلي في عدم وجود  رئيس للوزراء او حكومة وبالتالي عدم وجود وزير للخارجية  الا ان ذلك لم يحد من جهود تطوير ملف العلاقات السودانية الإسرائيلية ويدلل على ذلك تتويج هذه الجهود  بزيارة الوزير الإسرائيلي والذي قد يفتح الباب لزيارة مرتقبة يقوم بها رئيس الوزراء الإسرائيلي بناجمين ناتنياهو للخرطوم . اوقد يحدث  العكس بان يتلقى رئيس مجلس السيادة الدعوة لزيارة تل ابيب.
ولا اجد ذلك مستغربا فبالرغم من انني من جيل قد تربى على ادبيات الوحدة  بين الشمال والجنوب وتغنينا وطربنا في المدرسة على انغام انشودة صديقنا منقو التي كانت تشدو بها السنتنا لحنا .انت سوداني وسوداني انا ضمنا الوادي فمن يفصلنا . منقو قل لا عاش من يفصلنا .الا اننا عشنا حتى راينا الانفصال واقعا واحتفلنا فرحا بأعياد استقلال الدولة الجارة جنوب السودان وتشاركنا معها الاسم والجغرافيا والنيل والسياسة وليس سلام جوبا الذي تتمسك به كل الأطراف السياسية في الساحة السودانية بغريب عنا .
اذا فالشاهد ان السياسة ليس فيها عداء دائم ولا صداقة دائمة وانما مصلحة السلطة الحاكمة هي التي تتحكم في توجيه الأمور واعلام السلطة هو الذي يقوم بتعبئة الجماهير وحشدها والجماهير تحرق اليوم ما كانت تعبده امس وتغير افكارها كما تغير قمصانها على حد تعبير غوستاف لوبون في تحليله لسيكولوجية الجماهير . فما كان بالأمس صنما سيكسر غد ويعبد غيره .لان ظروف الغد لن تكون حتما مثل ظروف اليوم فبالرغم من انني من جيل تربى على ادبيات القضية الفلسطينية كقضية محورية في الاجندة العربية وخطب ياسر عرفات واشعار محمود درويش واحتلت قصيدة فديتك هل نسيت القدس والسحر الذي فيها جزء من ذاكرتنا للأيام الدرس الجميلة الا انني اجد نفسي اليوم ادعم هذا المسار الذي مضت فيه السياسة السودانية  بقوة باعتباره سيفتح افقا جديدا يمكن الاستفادة منه في عدة مجالات تخدم بناء الدولة السودانية الحديثة وعلى راسها مجالي الزراعة والري , لما لإسرائيل من خبرة متراكمة ومعرفة مجربة في هذين المجالين . رغما عن الخطر الناتج عن هذه العلاقة والذي اراه ماثلا امامي راي العين وهو تعبيد الطريق للسيد رئيس مجلس السيادة لحكم السودان ويدل على ذلك عدم التقاء وزير الخارجية الإسرائيلي بحميدتي نائب رئيس مجلس السيادة حيث يشير ذلك على ان إسرائيل قد حددت واختارت حليفها في معركة كسر العظام القائمة بين الرجلين . وكلنا قد تابع التصريحات الغاضبة لحميدتي والتي افاد فيها  بعدم علمه بالزيارة ولا الغرض منها وهذا  يعني انه لم يتم اخطاره بفحوى الزيارة باعتباره الرجل الثاني في الدولة.
ويبقى ان المهم في هذه المرحلة هو سرعة التقاط القفاز ومحاولة الاستفادة من تطور هذا الملف . ويجب ان ننتبه بان الاستفادة من تداعيات العلاقة مع دولة إسرائيل تتطلب حكومة تنفيذية قوية ذات خبرة ودراية والا سيتم خسارة كتير من الفرص في ظل الهشاشة الإدارية التي يعيشها الجهاز التنفيذي السوداني الان .كما يجب ان يتم تحديد شروط الشراكات وحدودها ومتطلبات التعاون العسكري والاستخباري ومساراته ومستوى شفافيته حتى لا نقع في مستنقع صراع الجواسيس ولنجعل العلاقات ممرحلة حيث تبدأ أولا بالملفات الاقتصادية والتجارية ولنرجئ التمثيل الديبلوماسي كمرحلة ثانية بعد ان يتم التمهيد له عبر الاستفادة من تجارب البلدين وتقييمها.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..