مقالات وآراء

هل نحن بالفعل نحب سوداننا؟

ب/ نبيل حامد حسن بشير

 

سؤال يؤرقني منذ سنوات ، ولم أجد له اجابة شافية ومنطقية حتى يومنا هذا. المثل يقول : اسمع كلامك أصدقك ، أ شوف عمايلك أستعجب! ينطبق علينا هذا المثل كأننا الشعب المعني به. عندما تسأل اي سوداني هل تحب بلدك ؟ اجابته تكون بالتأكيد أحبه ، بل أعشقه. ان سالته سؤال أخر (كما يقول المصريين  “بأمارة ايه؟”) : ماذا فعلت من أجله حتي تثبت حبك له؟ الاجابات  ستكون مبهمة وغير منطقية وساذجة واحيانا تدل علي تغليب المصلحة الشخصية علي مصلحة الوطن.

كلنا  يحفظ بيت الشعر الذي يقول: للأوطان في دم كل حر يد سلفت ودين مستحق. تغني شاعرنا  بوطن الجدود ونفديك بالأرواح نجود. وتغني  خليل فرح بعازة في هواك ، عزة نحن الجبال، للبخوض صفاك ، عازة نحن النبال ، عازة ما بنوم الليل محــــال ، وبحسب النجوم فوق الرحال. كما لا ننسي ما تغني به  فطاحلة  عشاق الوطن في أناشيد  أنا سوداني جدودنا زمان وصونا علي الوطن ، ويا وطني  يا  وطن  أحبابي ، وطن النجوم ،  والقومة ليك يا وطن ، أنا سودني، .. الخ من روائع الحب في الوطن.  يا تري أين ذهبت  مشاعرنا ومبادئنا الوطنية  في زماننا هذا؟!!! وما هي الأسباب وراء ذلك؟  ما استغربه أن يقول شخص عن وطنه ويصفه  (بالحفرة دي) ، أو أن يقول بل يؤمن بان “بيت أبوك كان خرب شيل ليك منه شلية”! وأكون أكثر استغرابا عندما تسال اي  شخص سوداني ذكر أم أنثي ، صغير أو  كهل ، عن أمنيته فيقول لك (الهجرة أو الاغتراب) ، كانه في مكان/ وطن طارد. من اغترب أو هاجر  منهم في الغالب لا يعود الا لزيارة الأهل بين فينة وأخري ، ولا يفكر في العودة النهائية للوطن ورد الجميل ، أما  ذريته بالتأكيد ترفض العودة والبقاء بالسودان الحدادي مدادي ، ويفضل بلاد المهجر لأنه للغرابة يعبره وطنه أما السودان فهو وطن والديه فقط ولا يربطه به الا هما فقط.

هل تعلمون بأنه في العام الماضي فقط حوالي 200 الف سوداني  قاموا بشراء سكن بمصر ، وان حوالي 6 الي 8 مليون سوداني يقيمون بها كما جاء علي لسان السفير المصري الجديد بعد مقابلته للفريق الكباشي ، واكثر منهم بالدول الخليحية ، بخلاف دول كل القارات الأخري من نيوزيلاندا واستراليا ، وكندا والولايات المتحدة و بريطانيا وايرلندا وتركيا وكل الدول الأوربية ، والعديد من الدول الافريقية … الخ. ببساطة نستطيع أن نقول أن ثلث سكان  السودان قد هجروه!!!! .

حب  السودانيين للسودان (للأسف) كحب  ساكن (منزل الايجار) لمنزله المؤجر ، مقارنة بحب الساكن في ملكه. منزل الايجار  بالنسبة للسكان ما هو الا (مكان) مؤقت لايهتم بصيانته أو اضافة اي شيء له  كزراعة  أشجار داخله أو حوله، أو تأسيس حديقة … الخ ، والسبب هو أنني (سأتركه الي غيره) يوما ما ، فلماذا أتعب من أجله . كل ما لي به بعض (الذكريات) ، وبعد خروجي منه لا يهمني ما سيجري له (حتي وأن تهدم). أما صاحب الملك فهو علي استعداد (للموت) من أجل الدفاع عن  منزله ، ودائما يهتم بالصيانة والتحسين والاضافات . نحن السودانيون  نتصرف كساكن منزل الايجار (مكان والسلام)،  وغير مستعدون للموت من أجله أو للدفاع عنه ، أو أو الارتقاء به وتحسينة .. الخ. هل هكذا تعامل الأوطان؟ أين ذهبت مقولة (نحن للسودان فدا)؟ أيم مقولة نفديك بالأرواح نجود! لفت نظري في أبناء وبنات مصر عند عودتهم لبلادعم يسجدون ويقبلون تربتها ، ولا يسمحون لكائن  كان أن يسئ لمصر . خايا لديهم مبادرات أهمها تحيا مصر، وحياة كريمة  وتجمل بالاخلاق ..الخ. أما نحن  فنتفرج لما يحدث للوطن دون اكثرات ، كأنه شيئ عادي ، أو شيئ متوقع ، ولا نتخذ أي خطوة لمنعى وقوع الكارثة المتوقعة ببساطة لآنه في ذيل قائمة كل منا!!!!

نحن  أول دولة نالت اساقلالها في افريقيا منذ 67 عاما ، وحالنا يغني عن سؤالنا (رجل أفريقيا المريض) . البعض منا  ما زال يتحسر علي خروج الانجليز ، بل يعتقدون بأننهم قد استعجلوا في الخروج.  هل كان الانجليز  يحبون السودان أكثر منا؟  أم أنهم يتعاملون مع منزل الايجار بنفس مفهوم  منزل الملك؟ أهتموا بالاقتصاد والتعليم والصحة ، بل أسسوا لنا جيشا نفتخر به ومشاريع ضخمة دمرناه في ما بعد. وضعوا لنا أفضل نظام اداري  ونظام عدلي ، والأن أنتم أدري بما أل اليه حال كل منها.

مشكلتنا الحالية هي التركيز علي المصالح الشخصية والقبلية ونكران حق الوطن. نأخذ ولا نعطي . نطالب بأكثر من حقوقنا ونتناسي كل واجباتنا. ننظف منازلنا ونلقي بنفاياتنا  في الطرقات. نخرق كل القوانين ونطالب الحكومة بايجاد الحلول. نحتايل علي بعضنا البعض ونتأمر ونطالب بالسلام والخرية و العدالة. نتصرف بعشوائية في كل أمور حياتنا (بدأ من القصر الجمهوري ، حتي حركة المرور بأصغر قرية)  ونريد أن نصل الي  ما وصلت اليه الدول المتقدمة. نرفض أن نتعاون في توصيل مياه النيل الي القضارف وبورسودان والأبيض وندف مقابل الحصول علي الماء داخل كل مدينة مبالغ  يمكنها  توصيل الماء الي كل مدن السودان. نهاجر الي  الدول المجاورة ونخلص في عملنا هناك ونجتهد ونحترم القوانين ، وأما في سوداننا  نتراخي في العمل ولا نجوده ولا أحد يحاسبنا. نأخذ الأجر ونتناسي أن الله سيحاسبنا  بما عملنا. متوسط أداء الموظف العام في اليوم لا يتعدي 23 دقيقة ، ويطالب بزيادة الأجر والا سيضرب عن العمل. القاذورات في كل مكان وكل المرافق ،  ولا نبذل أي جهد في اصلاح الحال ، نخرب أعمدة النور والأرصفة التي دفع الشعب السوداني فيها من قوت عياله ، ولا نخجل من رأي  الأغراب والأجانب فينا كشعب متعايش مع القاذورات والفوضي والعشوائية، ونتفاخر ولا نري من هم أفضل منا بين كل الشعوب! يتصارع الساسة في أبسط الأمور ويدخلون الوطن والمواطن في أزمات مفتعلة مما يجعلنا  نشك في عمالتهم وعقولهم. هل تتابعون  ما يقوله الأجانب عنا في ما بينهم؟ حقيقة نحن لا نستحق هذه النعم التي أنعم علينا الله بها. أنظروا حولكم ستجدون أن السودان خلال السنوات القليلة الماضية أصبح مكبا للنازحين (حوالي 8 مليون) من الطبقات المتدنية من دول الجوار  الافريقية والدول التي بها حروب طاحنة ، يلوثون حياتنا وشوارعنا وسمعتنا ويفترشون ليلا أهم شوارع العاصمة وتقاطعاتها ، والسودانيون في حالة هجرة يومية و مسنمرة ، عليه سيحل هؤلاء محلنا ، وسيشكلون الأغلبية ولن نجد لنا وللأجيال القادمة مكانا فية في ما بعد.

المطلوب أن نحب وطننا ونشكر الله علي أننا خلقنا فيه ونجازيه بما يستحق. نتقن أعمالنا ونصلح أساليبنا الادارية ونحمي حدودنا ومواردنا ، ونجلس لحل مشاكلنا بحب ، ونعيد النظر في النظم الادارية المتهالكة ، ونحارب الفساد والمفسدين، ونولي  من هو أنسب لادارة الأمور ، ونتوجه نحو الانتاج عبر استراتيجيات وخطط واضحة علمية وعملية وقبل كل ذلك نتحلي بمكارم الأخلاق ، ونعيد صياغة مناهجنا التعليمية بحيث تخدم  خططنا واستراتيجياتنا وطموحاتنا والاجيال القادمة. نحمي وطننا من الطامعين من دول الجوار وغيرهم من الدول الكبري والصغري . نتفرغ لبناء وطننا ، ونستعيد مكانتنا بين الشعوب.

لا يوجد ما هو أغلي من الوطن ولا نحتاج لمن يوصينا  عليه. من يحتاج ذلك فعلية مراجعة سودانيته. أللهم نسالك اللطف (أمين).

‫3 تعليقات

  1. التحية وكامل التقدير والاحترام للعالم بروفيسور نبيل حامد حسن بشير استاذ الاجيال بجامعة الجزيرة واحد اقطاب “الحزب الاتحادى الديمقراطى الأصل” ناس مولانا نفعنا الله بجاهه، اذا لم تخني الذاكرة ..

    هل استشعر بعض تلميحات سخرية والكثير من التعميم فى هذا المقال، بعد تاريخ البلاد الزاخر بالتضحيات والبسالة والوقفات البطولية فى مواجهة الدكتاتوريات العتيدة والصمود امام آلة القتل والسحل والتعذيب، بعد مواكب الشهداء فى مواجهة عنف العسكر اليومي فى شوارع مدن السودان هل يجوز او يعقل طرح هذا السؤال التشكيكي:
    هل نحن بالفعل نحب سوداننا؟

    يا بروف نبيل اطرح هذا السؤال علي امهات الشهداء واسرهم وسوف تجد الاجابة الشافية حاضرة موشحة بالدماء الطاهرة ؟؟!!

  2. للاسف جل الشعب ان لم يكن كله يتصف بالانانية وحب الذات
    الوطنية غابت عنا مع سقوط مايو برغم مساؤها الا انها غرست فينا جيل مايو نوعا من الوطنية وحب السودان حتى اتت الاحزاب وبعدها جاء المخربون الذين لعبوا فى اخلاق الشعب وخربوا مابقى منها لم يترك الاخوان خلق طيب لم يفسدوه.
    لا عذر لنا فيما نحن فيه الان من هوان وضياع
    يجب علينا ان نلحق بما بقى لنا من وطن قبل زواله .
    علينا تربية النشْ على الوطنية وحب الوطن
    نسأل الله السلامة

  3. مقال مؤلم بحق وحقيقه
    كان السودان بخير الي فترة الديمقراطية الثالثه
    حتى أتى الاسلاميون بمشروعهم الحضاري وإعادة صياغة الإنسان السودانى
    على أطر إسلامية عربية، حب الوطن حينها أصبح مثار للسخرية، ومن الدعاوى الغيبية
    إلى الانغماس في الماديات بكل السبل وكل انواع الفساد تم تبريرها، كرهوا الناس في الوطن
    ودفعوهم دفعا للهروب منه، ومن بقى كان عليه التعايش مع ثقافة الغنائم واستحلال الحرام
    لذا ليس غريبا ان تجد السوداني في بلاد الغرب يكاد يموت من الفرحة حين يحصل على الجواز
    او الإقامة الدائمه وكأنها كرت دخول مضمون الي الجنة،، لذا فقد تسيد الأوغاد وانزوي الوطنيون
    بعيدا ينظرون بأسي لما يحدث،، العلماء امثالك ينهشهم الفقر وتشوش التفكير مما يرون،، عساكر ومرتزقة
    مسلحون وقونات وأولاد سوق، كل شئ للبيع وكل عمالة مثار حسد وفخر، يتلوون تحت أقدام الغرباء كالديدان،
    ادني من الكلاب لأنهم منزوعي الوفاء، عبيد تحت الخدمة، خدم لمن يدفع

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..