أخبار السودان

دار الريح … بوادر الشقاق وفرص الاستقرار! (6)

محمد التجاني عمر قش

في هذه الحلقة الأخيرة ، ما زلنا نطوف في ربوع دار الريح، ونسير بين فرقانها ونتنقل بين مناطق الدمر والنشوغ ، ونتنسم عبيرها وشذاها مع رائحة البرم ، ونستمتع بروعة رمالها ووديانها ، ونحن نستمع لأغاني الجراري أو صوت زمبارة ، أو واواي الوناقيب ، وشدو المزارعين عند دق العيش ، وفي أثناء ذلك نتفقد أحوال ساكنيها بغية الوقوف على الأسباب التي عرّضت دار الريح للشقاق والنزاعات ، مما بات يهدد هذه المنطقة الآمنة المستقرة. في هذا السياق يشاركنا الدكتور الطيب مكي بما يلي :

“ما الذي جعل الاستقرار سمة دار الريح وما الذي طرأ عليه لتنعكس الآية وبوصلة الاستقرار وتؤشر في اتجاه الحروب والصراعات؟ إن الاجابة على هذا التساؤل تتجاوز تأثير وجود قيادات تاريخية ، على أهميتها ، مثلما تتجاوز حقيقة الفراغ القيادي الذي خلفه غياب تلك القيادات التاريخية ؛ إذ لابد من استصحاب عوامل مستجدة تجسدها الظواهر السلبية التي أسست لواقع مثل قطيعةً مع ماضي دار الريح ، وهي من مناطق السودان التي لها حدود مع الخارج فهي على حدود مع ليبيا المضطربة ، وحدود مع دارفور الأكثر اضطرابا ولها تداخل سكاني وحركة تجارية وحركة رعي وجماعات من الرعاة ومن الرحل ، وكل هذه العوامل مجتمعة جعلت الالتزام بالأعراف والتقاليد والقوانين والأنظمة المعمول بها شيئًا من الماضي.

وبعد اتفاق جوبا للسلام ، زاد الطين بله وصار اللجوء للأنظمة والقوانين أو المحاكم الشعبية أو مراكز الشرطة مجرد مزحة غارقة في السذاجة. فقد انتشر السلاح الناري انتشار النار في الهشيم ، وصار كل من هب ودب يحمل الاسلحة الثقيلة ويحفظ أسماء المتفجرات وأنواع الذخائر ويعرف استخدامها ، ولدى بعض الأفراد قنابل توزعها الحركات الدار فورية المسلحة بكرم حاتمي وأحيانا بالمجان فقط لتعثر على موطئ قدم لها ولهذا صارت بعض الجيوب تحمل القانون في يدها وتبدو وكأنها خرجت على الدولة نفسها. وتبع ذلك اقامة معسكرات وانتشار ازياء عسكرية ورتب واستعراض عضلات لم تعرفها دار الريح من قبل. وشهدت قرية تفلنق في مساء ١٦-١١-٢٠٢١م مذبحة بالقنابل والمدافع التي حولت أشجارها إلى أكوام من الرماد وأجساد الضحايا إلى أشلاء بشرية.

لم تأخذ حكومة الولاية آنذاك دلالات المذبحة ولا ما سبقها من اعتداءات مؤسفة في دونكي الدويمة مأخذ الجد والحزم ، حيث دعمت الحركات الدار فوريه مجموعة إثنية لترتكب عمليات القتل مع الكبابيش وايضا تهاجم بني جرّار ويتبادل الطرفان القتل. هذا التطور القادم من الحدود ومن أزمة دارفور ألقى بظلاله على دار الريح. كما أن المجتمع المحلي طرأت عليه تبدلات بسبب هذا التطور فقد صارت كل مجموعة تنشد البقاء والدفاع عن وجودها باقتناء السلاح وانتقل الصراع لمربع ينذر بهزات أمنية لا تبشر بخير. ولهذا يبدو ان الاستقرار فارق دار الريح “مفارقة الطريفي لجمله” إلا أن ينعم الله على أهلنا هناك بمعجزة تكبح الشرور التي تنتاش جسد دار الريح!”.

وهنا لابد من الإشارة إلى والإشادة بما جرى من صلح بين أهلنا بني جرار وكتول في تلك المنطقة المباركة الكائنة بالقرب من مدينة المزروب ألا وهي خلوة الشيخ ود كدام طيب الله ثراه. فقد اثمرت جهود الإخوة من قبائل المجانين والحمر وبمشاركة فعالة من حملة كتاب الله “قبيلة الحفظة” في رأب الصدع بين الجارين كتول وبني جرار بعد أن دقوا بينهم عطر منشم وسالت الدماء وازهقت أرواح بريئة مقابل لا شيء. ولا نملك إلا أن نقول لمن كانوا وراء هذا الصلح بارك الله فيكم وشكر الله سعيكم وجعل ذلك في موازين حسناتكم ، فالصلح خير كله لجميع الأطراف. كما نشيد أيضاً بالصلح الذي جرى بين الكبابيش والجبال البحرية في جبرة الشيخ برعاية جهاز الأمن والمخابرات الوطني وحكومة الولاية وبحضور الخليفة

عبدالوهاب الكباشي ومجموعة قبيلة الحفظة وأطراف أخرى. والمهم في هذا الاتجاه هو التزام الأطراف المعنية والضامنة لهذه الاتفاقيات الخيرة بضرورة تنفيذ ما اتفق عليه حتى لا ينتكس الوضع. هذه المصالحات تعد مدخلاً لوضع حد للنزاعات في دار الريح ؛ شريطة توفر حسن النية ، وإلا سوف تنزلق دار الريح نحو مزيد من الشقاق ويدخل المجتمع في دوامة من العنف والعنف المضاد.

ومهما يكن فإن المخرج الأمثل هو قبول مقترح الأستاذ أحمد آدم سالم بإنشاء منسقية دار الريح بالتراضي بين الأطراف ذات الصلة ، ويمكن لهذه المنسقية أن تتولى المهام التالية: “إتباع العرف في ترسيم الحدود بين المحليات بمشاركة الإدارة الأهلية والسلطات المحلية والقضائية والأمنية ؛ تفادياً لحدوث أي احتكاكات من شأنها تعكير صفو المجتمع أو التأثير على النسيج الاجتماعي. والرجوع إلى ملفات الحكومة المحلية والأرشيف الرسمي للتأكد من حدود المناطق وفقاً للخرائط المعتمدة ، وإنشاء إدارات للأراضي في المناطق التي يمارس فيها النشاط الزراعي والرعوي. وإجراء المصالحات عند الضرورة.”

وختاما نستطيع القول بأن المنسقية ، يمكن أن توسع نطاق مهامها لتعالج قضايا التعليم والصحة والتنمية بالتنسيق مع الجهات الحكومية ذات الصلة والخيرين والعقلاء من أبناء دار الريح.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..