الشهيدان نورين كندي ونورالدين اليأس نوران

الشهيدان نورين كندي ونورالدين اليأس نوران أنارا بيوت الغلابة علما وقادا متحرك الدرس القاسي شرفا
بشارة مناقو جدو
في بواكير عام 2006 ونحن مجموعة من الرفاق تحركنا في مهمة سياسية وتنظيمية من مهاجرية (ام ضل) جميل مظاهرها وطيب اهلها الي قطاع شرق دارفور لنشر رؤية وأهداف حركة جيش تحرير السودان وكانت الدنيا درت والمزارعين يتحركون كالنحل في مزارعهم عملا ولم يستسلموا لمعاناة الحرب اللعين ولم تهزمهم هجمات الجنجويد الغادرة ولا لقهر الحاكم الظالم، وسرنا في طريقاً يحفه الخضرة والنادرة، والأشجار الهشاب والطلح مرصوصون علي جانبيه كالجنود في طابور الصباح ويداعبون خشناً سياراتنا التي تسير كسرعة البرق وغبار الأرض الثائرة يغطى وجوهونا وسياراتنا بكثافة محاولاً حماياتنا من طائرات النظام القاتلة التي تأتي في حين غُرة وسرنا من دون توقف والثوار في قمة معنوياتهم وهم يدندنون أغاني النضال والحنين علي حبيباتهم ومناطقهم وأهلهم ويحكون قصص المعارك وإنتصارات الحركة وبسالة شهداءها حتي ظهر لنا منطقة المتورد مقبرة الغزاة وتوقفنا عندها قليلاً واستقبلنا أهلها الطيبون بالهتاف وهم يرددون SLA SLA ونساءها الثائرات بالزغارد والغناء ومنها اتجهنا شرقاً ومضينا في طريق رملي وبعد كل كيلومتر او كيلومترين تظهر لنا عربة رينو معطلة في أدغال الغابة واُخرى محروقة والثوار يوصفون لنا إمكان إستشهاد رفاقهم بدقة حتي وصلنا الي منطقة امسعونة الثائرة معقل الأبطال التي تحتضن قبر شهيدنا البطل نورالدين اليأس ومنها الي منطقة حسكنيتة حيث مقر إقامتنا المؤقتة وهي منطقة صغيرة وجميلة بشعبها الثائر وشبابها الواعي ومن هنالك انطلقت شرارة ندواتنا واجتماعاتنا الي معظم مناطق شرق دارفور (ودقنجة وانضراب وبويطل وعيال امين وجاد السيد وأم جر وشق الجاموس …الخ)
وكنا نستهدف أسواق المناطق ونخاطب الناس فيها ونجتمع مع قياداتهم من إلادارات الأهلية والمعلمين والمعلمات والمرأه والشباب والطلاب وندير معهم حواراً شفافاً ونتقبل منهم النقد كتقبلنا للتأييد والمناصرة.وتكمن سر قوة تلك المجتماعات في تسامح شعوبها ووعيهم بقضاياهم وتقبلهم لبعضهم البعض رغم التهميش وأثار الحرب المدمرة التي يعانون منها، ودفعوا ثمناً باهظاً جراء وقوفهم مع الحركة. وأكثر شئ لفت إنتباهي هو ترديد إسم الشهيدان والأستاذ القائد نورين كندي والقائد البطل نورالدين اليأس في مجالسهم ويذكرون مواقفهم البطولية وحسن تعاملهم مع المواطنين ويرددون خطاباتهم الثورية ويتحسرون علي استشهادهم باكراً.
ولذلك قصدت ان اسلط الضوء قليلاً علي الإرث النضالي الذي تركه الشهيدان وعلي التضحيات العظيمة التي قدموها في أتون المعارك وفي دهاليز السياسة.
*اولاً* -الشهيد نورين محمد ادم (نورين كندي):
ولد شهيدنا البطل في منطقة هوقلا(ام شدر) بولاية شمال دارفور ودرس الأبتدائية في كتم والثانوية في الجنينة وألتحق بعهد التربية والتعليم بالفاشر وتخرج منه بالإمتياز وعمل معلماً في مدراس شمال دارفور سنيناً وكان محب للخير والعمل الطوعي وساهم مع أهله في حفر آبار المياه وبناء المدارس في منطقته والمناطق المجاورة لها وختم حياته العملية بإنشاء شركة كندي التجارية للاستيراد والتصدير المحدودة وذلك بعد ان قضى عشرات السنين في حقل التربية والتعليم وظل يعمل فيها ويوفر من خلالها لقمة العيش لأسرته حتي إندلاع الثورة في الإقليم. ويّعد الشهيد من أوائل المثقفين الذين إلتحقوا فيها وناضل مع رفاقه في ميادين القتال حاملاً سلاح النضال و قلم الوعي معاً وحتي كُلف أميناً سياسياً لأكبر قطاعين للحركة في وقتها قطاع جنوب وشرق دارفور وظل نورين كإسمه ينشر نور المعرفة وفكر الثورة وأهدافها وسط رفاقه والمواطنين في جنوب وشرق دارفور وزارهم في الحلال والقرى والفرقان وخاطبهم بخطاباته الثورية التي كان لها أثراً عظيماً علي جماهير تلك المناطق الذين ظلوا يحفظونها علي ظهر القلب وألهم الشباب علي الالتحاق في صفوف الثورة وظل الشهيد يقاتل في ساحات المعارك ومنابر السياسة حالماً بوطن حر وعادل يتساوى فيه الجميع حتي إستشهد في معركة اللعيت جارالنبي الشهيرة في يوم 18/10/2004تاركاً 10 من الأبناء والبنات يتامى ومضى نورين شهيداً ولكن سيظل شعاع أفكاره ونور خطاباته وصلابة مواقفه باقية في وجدان المهمشين الي الأبد.
وهذه مقتطفات من خطاباته حسب رواية الرفيق عبدالله تبن:
( يا اخونا ما تخافوا مننا نحن منكم وفيكم وثورنا من اجلكم وانتوا شعبنا ان كنتم مع الحركة اوضدها ولكن المهم خلونا نتحد كلنا ونأخذ حقوقنا كاملة من المركز ونعيش احرار في وطننا).
وفي ختام إحدي ندواته حضر عدد من طلاب جامعين وثانويين وطلبوا الإنضمام للحركة ولكن الشهيد رفض طلبهم بشكل قاطع قائلاً لهم (طالب الجامعة يمشي يكمل تعليمو وطالب الثانوي يمشي يواصل دارستو لانو مافي ثورة بنجح بدون تعليم).
*ثانياً* – الشهيد نورالدين اليأس:
كان قائداً حربياً لقطاع جنوب وشرق دارفور وقائداً لمتحرك (الدرس القاسي) الذي نقل عمليات الحركة العسكرية من شمال دارفور الي جنوبه وأحدث تحولاً كبيراً لها واكسبها جماهير وثوار واراضي محررة جديدة وإنتصر إنتصارات المتتالية علي قوات الإنقاذ ومليشياته وحرر معظم مناطق جنوب دارفور وقطاع جنوب سكة حديد وقطاع شرق دارفور.
ومن أبرز قيادات متحرك الدرس القاسي القائد احمد كبر، تقلات، الشهيد مصطفي سونكي، علي ابوتكوس، الشهيد محمد ابوطويلة، جمعة ادم عوض، مبارك اسماعيل، آدم وادي، كمال كيمو، موسي محمد دابو، حامد تكة، شرف داؤد، صلاح البشري، حافظ علكيفو وحسن جرجرة ومحمد عباس ابراهيم ومحي الدين كرل ،عبداللة خاطر، فخري ابراهيم عباس، علي علويا، محمد الدومة، محمد يعقوب، التاج مرسال، محمد يحي ابوضفاير، بشارة ارموك، محمد جربوة، عبدالعزيز محمود، السر ادم تبن، توفيق احمد، يحي الدين حران، الشهيد عبدالله خليل، الشهيد محمد عثمان والشهيد ابراهيم سكوني … الخ.
وكان نورالدين مقاتلاً جسوراً وقائداً شجاعاً ومشهوراً بالحكمة والصبر وطول البال وترك إرثا نضالياً ناصعاً في وسط رفاقه والمواطنين الذين لازالوا يتداولون حنكته القيادية وبطولاته الحربية في مجالسهم.
وقاد اشرس المعارك واصعبها على الإطلاق في جنوب وشرق دارفور مع رفيقه البطل الشهيد جدو ساقور وشاء القدر ان يناضلا معاً يستشهدا معاُ في معركة انضراب الشهيرة يوم الإثنين الموافق 17 /2 /2006 بعد ان قادا مئات المعارك بشجاعة تفوق حد الوصف والخيال.
واخيراً مضى نورين ونورالدين شهداءً بعد ان سقوا بدماءهم الغالية أرض هذا الوطن وضحوا بأرواحهم العزيزة ثمناً للحرية والديمقراطية والكرامة الإنسانية في السودان.