تفكيك التسوية .. الحقائق والأكاذيب والاسئلة .. قراءة في البنية والنصوص (6/1)

يوسف حسين
(1)
في الخامس من ديسمبر من العام الماضي، وقع عسكر الانقلاب والأحزاب المكوِّنة لقوى الحرية والتغيير، ومجموعة من القوى السياسية الأخرى على رأسها حزب المؤتمر الشعبي والاتحادي الأصل، والحركات المكونة للجبهة الثورية، وأحزاب الفكة التي انخرطت في مشروع التسوية وبعض مسارات جوبا المختلقة، ومكونات تجمع المهنيين، ومنظمات المجتمع المدني التابعة لقحت وثيقة الاتفاق الإطاري، وهو المرحلة الأولى من عملية التسوية، وشمل الاتفاق القضايا التي تم التوافق عليها بين الأطراف الموقعة، وهي المبادئ العامة للتسوية، ومهام حكومة الفترة الانتقالية القادمة، والإطار الدستوري لإقامة السلطة المدنية الانتقالية وهياكلها.
وتستمر هذه الأيام وبإشراف الآلية الثلاثية، جلسات مؤتمرات المرحلة النهائية للعملية السياسية، والتي ستتناول خمس قضايا تم تأجيلها لمزيد من التشاور بين”أصحاب المصلحة” وأطراف العملية السياسية، ومكونات المجتمع الأخرى، كما قالت قحت في بياناتها، وهي قضايا العدالة والعدالة الانتقالية،والإصلاح الأمني والعسكري، ومراجعة اتفاق جوبا لسلام السودان، وتفكيك نظام ال٣٠ من يونيو، وحل ازمة شرق السودان.
المرجعية التي قام عليها هذا الاتفاق كما تقول قحت في ندواتها، هي الدستور الانتقالي الذي توافقت عليه مع العسكر، في مفاوضات سرية، جرت برعاية وإشراف مباشر، من الآلية الثلاثية المكونة من الأمم المتحدة، والاتحاد الأفريقي ومنظمة الايقاد، وبوساطة لصيقة من الآلية الرباعية، التي تتشكل من الولايات المتحدة، والسعودية، وبريطانيا، والإمارات لم تنشر قحت بشكل رسمي، الدستور الانتقالي الذي اعتمدته كمرجعية للاتفاق الاطاري، لكن هنالك مسودة منشورة لهذا الدستور الانتقالي، يبدو بشواهد عديدة، انها ذات النسخة التي اعتمدتها كمرجعية للاتفاق الاطاري.
(2)
قبل الخوض في اي حديث عن التسوية في صياغتها الجديدة، لابد من التطرق لاتفاق شراكة التسوية الأولى، فكل مايجري، عبارة عن سلسلة واحدة، شديدة الارتباط ببعضها البعض. فالتسويةالأولي في حقيقتها، كانت تسوية بين قوى الحريةوالتغيير، واللجنة الأمنية للنظام الساقط، والتي اصطلح على تسميتها بعد الثورة بالمكون العسكري، والذي ظل في كل مراحل الثورة ممثلا وحارسا لمصالح النظام الساقط، ومكلفا تنظيميا واقليميا بمهمة اجهاض الثورة، وهو التكليف الذي دفعه لارتكاب مجزرة فض الاعتصام، في محاولة للاجهاز علي الثورة، الا ان موكب الثلاثين من يونيو الاول، افشل ذلك المخطط، فتم عقد تسوية الشراكة الأولى والتي حملت العديد من التنازلات الرئيسية لصالح العسكر، والتي مكنتهم بالإضافة لخنوع قحت، من التحكم بالفترة الانتقالية، وتعطيل تحقق أهداف الثورة، وتمرير الكثير من اجندتهم، وكل تلك التفاصيل المعروفة والتي يطول شرحها، لكن كان مفهوما ومأمولا من الجميع، أن تلك التسوية ماهي الا وضع استثنائي مؤقت، سينتهي بنهاية الفترة الانتقالية، بانتخاب الحكومةالمدنية الشرعية، والانتقال لحكم مدني ديمقراطي، متحرر من معادلة توازن القوى، التي انتجت التسوية بين المكون العسكر وقحت، وحينها سيتحقق للشعب والثورة ماتبقي من مهام وأهداف التغيير، لكن هذا الانتقال الديمقراطي الخاضع للإرادة الشعبية، والذي بالضرورة سيفتح الباب على مصراعيه امام تحقيق العدالة، وتفكيك التمكين، و استرداد الدولة المختطفة بالتمكين ، وإقامة دولة ديمقراطية، تسود فيها قيم الحرية والعدالة، ويتحقق فيها السلم الاهلي، و تستعيد السيطرة باسم شعبها على كافة مواردها، وعلى قرارها السياسي، هو أكثر ما تخشاه القوى المحلية المضادة للثورة، و من ورائها القوى الاقليمية والدولية الداعمة لها، التي تدرك جميعها، خطورة نجاح الثورة السودانية،كونها ستمثل نموذجا حيا، يلهم كل الشعوب المستلبة الحقوق والموارد، والمتطلعة للحرية، في المحيطين العربي والافريقي، ويدفعها لخوض نفس المسار وتغيير كل المعادلات وشبكة المصالح والتحالفات السياسية والعسكرية والاقتصادية القائمة حاليا، لذا جاء الانقلاب على حكومة الشراكة، في اكتوبر الماضي، لفرض واقع سياسي جديد، يسمح بتمرير تسوية جديدة، تشكل خطوة متقدمة في مخطط إجهاض الثورة، وينتج عنها تحول متحكم فيه، مدني ظاهريا لكنه مضاد للثورة، ولا تحقق فيه ايا من أهدافها ، ويحفظ للنظام الكتير من مصالحه، وكامل بنيته الأمنية العسكرية، بغية تامين استمرارية أدواره في خدمة المصالح الإقليمية َالدولية.
وها نحن، بعد عام وثلاث أشهر على الانقلاب، امام تسوية جديدة، تقودها القوى الإقليمية والدولية المعروفة، بارتباطاتها الأمنيةوالعسكرية بالنظام.
(3)
بعد الانقلاب مباشرة، تبنت قحت الشعار الثلاثي الرافض للتفاوض والشراكة والاعتراف بالانقلاب لكنه كان موقفا تكتيكيا، فسرعان ما انخرطت في عملية التسوية التي تقودها الآلية الثلاثية، منذ يناير الماضي،وظلت قحت طوال الفترة الأخيرة لانخراطها في التسوية، تشدد على عقلانية وواقعية نهجها التسووي، وتزعم انها قادرة من خلاله على تحقيق جميع أهداف الثورة. لكنها تتجنب تماما، الخوض في شرح كيفيةوآليات تحقيق تلك الأهداف، وتعمدت اخفاء الكثير، من حقائق وتفاصيل التسوية، واغرقت المشهد السياسي، في اوحال من الجدل الدائري، والتبرير المتشنج، الموغل في العموميات، كما لجأت الي سيناريو تجزئية عملية التسوية،بتنسيق مع رعاةتها وأطرافها الرئيسية، حيث تم الاعلان عن المرحلة الأولى منها، بتوقيع الاتفاق الإطاري، ويجري هذه الأيام، سيناريو المرحلة النهائية لها، والذي يتضمن عددا من المؤتمرات والورش، التي تشرف عليها الآلية الثلاثية، والتي اختارت نخبة منتقاة، من مؤيدي قحت والحل التسووي، للمشاركة في هذه المؤتمرات والورش، تحت مسمى فئات وشرائح المجتمع و اصحاب المصلحة، وتم تصميم بنية وآليات اتخاذ القرار والنتائج في تلك المؤتمرات، حتى يقال ان ممثلي قوى المجتمع و اصحاب المصلحة، هم من صاغ الحلول النهائية للقضايا الخمس التي تم تأجيلها للمرحلة الأخيرة من الاتفاق.
وفي كل هذا الزخم السياسي، لم تجب قحت أيضا على احد اهم الأسئلة في هذه التسوية ، وهو ماالذي قدمته التسوية للعسكر، وجعلهم يوافقون من خلال الاتفاق الإطاري، بالتنازل عن السلطة دون خشية من المحاسبة،على ارتكابهم لابشع مجزرة سياسية في تاريخنا السياسي، ولا على انقلابهم وقتلهم مايزيد عن المائة والعشرين شهيدًا.
هذا المقال سيتناول الجوانب المسكوت عنها في التسوية الحالية طبيعتها، مفهومها، أطرافها، أهدافها، وكذلك يتناول طبيعة تركيب وتكوين وتوجهات “القوى الموقعة على الاتفاق الإطاري” “قوي الهجين الإطاري” كما يسميها المقال، والتي ستشكل الحاضنةالجديدة للسلطة الانتقالية ، وكيف ستقوم “قوي الهجين الإطاري” ، بتكوين السلطةالانتقالية، ووفق اي معادلات، ومن ستمثل هذه السلطة، ومن الذي يملك القرار فيها، ومن لديه القدرة على توجيهها، وماهي المدنيةالناتجة عن هذه التسوية،ولم وافق العسكر على هذا الاتفاق، وهل فعلا بإمكان هذه التسوية تحقيق أهداف الثورة، كل هذه الأسئلة، وغيرها سيتناول المقال اجابتها بالتفصيل، من خلال معاينة وتشريح، بنية وطبيعة توجهات ومصالح، قوي الهجين الإطاري، ومن خلال قراءة وتفكيك، نصوص،الاتفاق الإطاري، ومشروع الدستور الانتقالي.
يوسف حسين
15 فبراير 2023
من هو يوسف حسين كاتب هذا المقال؟ يجب أن يعرف نفسة حتي نعرف انو شايت وين
ليس مهما من هو الكاتب و لكن المهم تناول ما قاله و ما إن كان تحليله موضوعي أو غير ذلك ..عليك بمقال الكاتب لا إنتمائه ..
الراجل شايت في مرمى الاطاري.. بس اعمل حسابك حارس المرمى حميدتي.
متى اصبحت البنية والنصوص مصطلحات سياسية يا عزيزى الاتفاقيات السياسية هى اتفاقيات قانونية تخضع لتفسيرات قانونية لا صلة لهابالتاويل وما وراء النص الابداعى لماذا لا تكتب بشكل مباشر ودع عنك هذا الدمج الذى لا يسمن ولا يغنى من جوع