مقالات سياسية

أخطأت المخابرات المصرية في سبتمبر 1952م ثم في فبراير 2023م

اسامة ضي النعيم

 

نعم ، بعد أكثر من سبعين عاما تكررالمخابرات المصرية الوقوع في ذات المصيدة السودانية ، أو معضلة الاقليم الجنوبي كما في فهم ادارة المخابرات المصرية ، استدعى الصاغ صلاح سالم عضو مجلس قيادة ثورة يوليو1952م قيادات الاحزاب السودانية المناصرة للاتحاد مع مصر بديلا عن شعار السودان للسودانيين ، كانت مصر الشريك الثنائي مع الانجليز في حكم السودان ، بعد مفاوضات استمرت عدة جلسات وقعت اتفاقية تقرير مصير السودان بين مصر وبريطانيا ، يوم الخميس 12 فبراير1953م وقع الاتفاقية عن مصر محمد نجيب وعن الجانب البريطاني “ورالف ستيفنسو ” ، من أهم ما نصت عليه الاتفاقية هو تأليف جمعية تأسيسية منتخبة لتقرير مصير السودان علي أساس اِما ارتباط السودان بمصر علي أية صورة أو الاستقلال التام والانفصال عن مصر.

سعى الصاغ صلاح سالم لجمع قيادات أحزاب الاتحاد مع مصر ، اجتمع شملهم في سبتمبر1952م ضمتهم حجرات فندق سمير أميس بالقاهرة ، كان هدف الاجتماع هو تفضيل خيار الاتحاد مع مصر بأية صورة ، كتب الصاغ صلاح سالم عن تلك الاحزاب الثمانية المجتمعة في مذكراته  ما يلي: (لم يدافع معظم زعماء هذا الحزب الاتحادي عن مبدأ الاتحاد ولم يردوا بحرف علي اتهامات الاستقلاليين وهجماتهم ضد فكرتهم التي قام عليها حزبهم الاتحادي . وكانوا أبطال اعلان الاستقلال من داخل البرلمان في أول يناير1956م).

فشل الصاغ صلاح سالم في مسعاه لترجيح شعار الاتحاد مع مصر من خلال الاحزاب الاتحادية في السودان ، يعود ذلك الي جهل رجالات ثورة يوليو 1952م بالسودان وشعبه ، في بحثه عن المعلومات الصحيحة عن السودان كتب الصاغ صلاح سالم في مذكراته : (لم أجد في وزارة الخارجية قصاصة ورق واحدة تنر لي هذا الطريق كانت وزارة الخارجية تعتذر بأن كل الاتصالات السودانية  انما كانت تتم عن طريق رؤساء الوزارات . لا روابط اقتصادية … وعلي فكرة لم يكن هناك أي رابطة اقتصادية بين البلدين لكي تشرف عليها وكالة طويلة عريضة يرأسها وكيل وزارة أو حتي مجرد موظف صغير).

في فبراير 2023م لم يتغير الحال والمخابرات المصرية أيضا تقود ملف ضم السودان لحلف مع مصر بأية صورة ، عباس كامل كما نظيره الصاغ صلاح سالم لا يجد روابط اقتصادية يرأسها وكيل وزارة تعني بشأن العلاقات الاقتصادية بين السودان ومصر ، وزارة الخارجية لا تضم قصاصة ورق واحدة تنير الطريق للحاكم المصري في جانب العلاقات الدبلوماسية الاحترافية بين السودان ومصر الملف بكامله أمني يهدف الي اخضاع الاقليم الجنوبي  ووضعه تحت النفوذ المصري ، بتلك الخلفية تم استدعاء جبريل ابراهيم ومناوي وأردول ومبارك الفاضل والناظر ترك ومن في معيتهم ، أصدر عباس كامل لهم التعليمات لمناهضة الاتفاق الاطاري وعرقلة خيار تكوين حكومة مدنية في السودان.

بجردة حساب بسيطة نجد أن العلاقات بين السودان ومصر تجسدت في صرحين لخدمة مصر، خزان جبل أولياء في 1937م وظل تحت الاشراف الفني والاداري للحكومة المصرية حتي عام 1977م ، ثم السد العالي الذي افتتح رسميا في عام 1971م ، خلت علاقات البلدين من صروح اقتصادية تجسد أزلية الجوار ، بدء العمل في مشروع الجزيرة بالسودان منذ عام 1925م وعارضته مصربشدة ، حتي اليوم لم يفتح الله لحاكم مصري بانشاء مشروع رديف مشترك مع السودان يحاكي ما فعله كتشنر باقامة مشروع  الجزيرة برغم حاجة مصر للمنتجات الزراعية والحيوانية من السودان. الفرصة كانت مواتية في اجتماع أحزاب الكتلة الديمقراطية لعباس كامل ليتعلم منها الكثير عن السودان ، بدلا من استقدام الدكتورة نيفين لتحاضر الوفود السودانية عن تجربة رواندا الديمقراطية ، كان الاحرى الاستماع الي أردول ليحكي لعباس كامل عن وعورة الطرق بين كادوقلي والدلنج وأم بريمبيطة ، الحاجة العاجلة لسكة حديد تربط كاودا مع عاصمة الاقليم كادوقلي ومع العباسية ورشاد ، الناظر ترك يقدم من يحاضر عن حاجة الشرق لتحلية مياه البحر المالحة أو مد بورتسودان بالمياه من خور بركة والقاش وأربعات ، جبريل ابراهيم يحدث عباس كامل عن خصوبة الاراضي في زالنجي ونجاح تجربة التبغ الفرجيني هناك ثم ضرورة ربط الجنينة بسكة حديد مع نيالا وواو في جنوب السودان ، الحصيلة كانت ستتبلور المحاضرات عن مشروعات اقتصادية تحقق تنمية مستدامة بين السودان  ومصر لتحل محل استدامة القبضة الامنية علي ملف العلاقات السودانية المصرية التي تحرزها أضابير المخابرات المصرية.

أخطأ الصاغ صلاح سالم في سبتمبر1952م حينما حاول ايقاف خيار استقلال السودان دولة يحكمها شعبها لا تابع لمصر ثم لحقه اللواء عباس كامل وأرتكب ذات الخطأ في فبراير2023م في سعيه الحثيث لايقاف عجلة الديمقراطية المدنية لحكم السودان.

وتقبلوا أطيب تحياتي.

تعليق واحد

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..