تفكيك التسوية.. الحقائق والأكاذيب والأسئلة قراءة في البنية والنصوص (6/2)

يوسف حسين
(4)
تسوية الاتفاق الاطاري: الطبيعة والمفهوم والأطراف
مبدئيا وقبل الخوض في اي تفاصيل، يمكن القول ان التسوية التي يجري العمل على اكمالها هذه الأيام، تختلف تماما في طبيعتها ومفهومها عن تسوية الشراكةالاولي، فالأولى كانت تسوية، بين تحالف سياسي واسع، قاد الثورة وفقا لبيانها المسمي، باعلان الحرية والتغيير، وحظي بدعم شعبي لامحدود، وكان معترفا به كممثل شرعي ووحيد لها ، وبين المكون العسكري (اللجنة الأمنية للنظام البائد)، والذي استولى على السلطة واطاح بالبشير وحزب المؤتمر الوطني من السلطة بزعم انحيازه للثورة، وعلى هذا الأساس تم كتابة الوثيقة الدستورية، وقامت الشراكة، ورغم ماحوته التسوية من تنازلات رئيسية وما اشتملت عليه من خذلان، وتراجعات تدعو للتساؤل، الا انها انتجت سلطة انتقالية،كانت مكلفة بتحقيق أهداف الثَورة، سلطة استمدت مشروعيتها من تفويض شعبي كاسح، وحظيت بدعم غير مسبوق من الشارع، كان يمكن أن يغير كل المعادلات القائمة الان، لو ارتفع قادة تلك السلطة لمستواه، ثم أتت لاحقا اتفاقية جوبا لتضيف طرفا ثالثا للتسوية، هو الحركات المسلحة التي وقعت على اتفاق جوبا، و دخلت السلطة باتفاق مسبق ان تكون حليفا للمكون العسكري، الذي بدوره استند بعد عام من الاتفاق، على هذا الحلف، للقيام بانقلابه على حكومة الفترة الانتقالية.
اما التسوية الحالية،فتختلف عن تسوية الشراكة السابقة، في طبيعتها ومفهومها، وتختلف عنها أيضا في مكونات أطرافها، فالتسوية الجديدة ، تتم في الاساس بين ذات المكون العسكري، الذي قام بالانقلاب على الحكومة الانتقالية (الشراكة الانتقالية)، التي كان جزءا منها ، وبين قحت، تحت ضغط مقاومة باسلة وثورة شعبية شاملة، رافضة تماما لوجود العسكر في السلطة، بعد انقلابهم ، الأمر الذي جعل، من المستحيل باي من الأشكال، تشكيل حكومة في ظل اي وجود للعسكر، فكان قرار المكون العسكري بالانسحاب من السلطة، الذي يراه الكثيرون تكتيكيا، والاتفاق في مفاوضات سريةمع قحت، – التي تخلت عن لاءات الثورةالثلاث- على تسليم السلطة لهجين من القوى السياسية، اصطلح على تسميته باسم “القوى الموقعة على الاتفاق الإطاري” يضم بالإضافة إلى مكونات قحت، حزب المؤتمر الشعبي الممثل والوريث الحقيقي للحركة الاسلامية، وبديل عسكر اللجنة الأمنية في التسوية الجديدة، والذي ظل في السلطة حتى سقوط البشير، إضافة لاحزاب حليفة للكيزان والنظام الساقط كالحزب الاتحادي الديمقراطي الاصل، وكذلك ماعرف عند السودانيين بأحزاب الفكة، اضافة الي عدد من حركات اتفاق جوبا حليفة العسكر في انقلابهم الاخير.، وبالتاكيد سينضم لهذا الهجين حركتي مناوي وجبريل، فجميع حركات جوبا، دورها محفوظ في هذه التسوية، بنص دستوري يقول ان اتفاقية جوبا جزء لا يتجزأمن الدستور.
جميع مكونات الهجين الإطاري “القوى الموقعة على الاتفاق الإطاري”، بمافيها مكونات قحت نفسها، وقعت على اتفاق التسوية بشكل منفرد بصفتها التنظيمية، وبالتالي لا ذكر في هذه التسوية، لتحالف قوى الحرية والتغيير، ولا وجود فيها لممثل حصري للثورة، كما أنه لا وجود فيها لأي من قوى الثورة، التي تقود فعاليات الحراك الثوري في الشارع، وليس غريبا ابدا ان الهجين المنخرط في هذه التسوية، قد جمع ذات القوي التي كانت قد انخرطت قبل اندلاع الثورة، في مشروع التسوية الذي عرف بالهبوط الناعم ، فالتسوية الجديدة ، تجري بإشراف مباشر من الولايات المتحدة، التي هي أيضا كانت الراعي لمشروع الهبوط الناعم.
هذا الهجين من القوى السياسية، الموقعة على الاتفاق الإطاري، هو الذي سيشكل الحاضنة السياسية، لحكومة الفترة الانتقالية القادمة، وبذلك فإن طبيعة ومفهوم التسوية و أطرافها وتركيب الحاضنة السياسية الناتجة عنها يختلف تماما عن تسوية الشراكة السابقة.
(5)
هنا لابد من إلقاء نظرة اكثر قربا وتفحصا للهجين الإطاري، وإلتساؤل من يمثل،ماهي توجهاته الغالبية، وما هي المدنية التي يتحدث عنها.؟
تتشكل قوي الهجين الإطاري الذي تكون وفق هذه التسوية من:
1- مكونات قوي الحرية والتغيير، وياتي على رأسها جميعا، حزب الأمة بقيادته المعروفة تاريخيا بارتباطها بعلاقاتها المتينة مع الاخوان المسلمين منذ خمسينات القرن الماضي، كذلك درج الحزب،على الاحتفاظ بارتباط متين مع الجيش، من خلال قادة الحزب من الضباط السابقين، كعبدالله خليل سابقا، وفضل الله برمة ناصر واللواء صديق اسماعيل حاليا، إضافة لذلك حزب الأمة، معروف أيضا بقيادته للنهج التسووي مع نظام الإنقاذ، منذ توقيع نداء الوطن في جيبوتي ،وحتى الشروع في تسوية الهبوط الناعم، وهنالك ايضا التجمع الاتحادي الذي لعب مفاوضيه دورا بارزا، في مفاوضات التسوية السريةبين العسكر وقحت، ثم هناك حزب المؤتمر السوداني وهو من اوائل عرابي الهبوط الناعم، كذلك الحال بالنسبة للحزب الجمهوري ، والحركة الشعبية المنشقة عن عقار بقيادة ياسر عرمان،ِ وهنالك أيضا حزبين للبعث، وهما اقرب للعسكر والنظام، كذلك هنالك منظمات المجتمع المدني التي اختارت طريق التسوية، اما الجزء من تجمع المهنيين الذي بقى داخل تحالف قحت بعد الانفصال، فتقوده عناصر تابعة لقحت.
2- حركات الكفاح المسلحة القادمة من جوبا
حليفة العسكر، والتي يقود ثلاث منها القادة مالك عقار والطاهر حجر وادريس الهادي، الذين استمروا أعضاء مجلس السيادةبعد الانقلاب، هذه الحركات، لا تزال حتى هذه اللحظةجزءاً من حكومة الانقلاب، وجميعها دعمت وايدت انقلاب البرهان، و ساهمت في بقائه وحاولت شرعنة انقلابه، لولا بسألة الثوار التي افشلت ذلك المسعى، وستنضم اليهم لاحقا حركة العدل والمساواة سليلة الحركة الإسلامية بقيادة جبريل ابراهيم ، وحركة تحرير السودان حليفة العسكر والجنحاويد بقيادة مني اركو مناوي.
3- فلول الاسلاميين وعلى راسهم حزب المؤتمر الشعبي الوريث الشرعي للحركة الاسلامية في هذه التسوية،والذي كان شريكا لنظام الإنقاذ حتى سقوط النظام.وصاحب العلاقة الوثيقة بحزب الأمة، والذي يدخل هذه التسوية كبديل للعسكر الذين كانوا حماة وحراس مصالح الحركة الإسلامية في التسوية السابقة.
4- كذلك يضم الهجين الجديد، للحاضنة السياسية للسلطة القادمة، (نصف) الحزب الاتحادي الأصل، حليف النظام السابق، والذي ظل في السلطة حتى سقوط النظام، والذي كان حتى الامس القريب يرفض أبعاد العسكر عن السلطة، بينما ذهب نصف الحزب الاخر، مع منى وجبريل والارادلة، عميدا لهم في العمالة لمصر، وبالتاكيد سيدخل في التسوية لاحقا بعد أن تنتهي حملة الابتزاز التي يديرونها الآن.
5-في ذيل القائمة، تاتي العديد من الاحزاب، والقوى السياسية الصغيرة، كاحزاب التوالي او تلك التنظيمات الجهوية بلاهدي، وبعض فلول مسارات جوبا وجميعها لها علاقة ما بالنظام السابق.
الحصيلة الأولى التي يمكن استخلاصها من هذا التشريح لقوي الهجين الإطاري، هي ان تاثير المكون العسكري وحضوره، سيكون مباشرا وطاغيا وغالبا على هذه الهجين، من خلال وريث الحركة الإسلامية حزب المؤتمر الشعبي، ومن خلال حلفائها الذين احتشدوا في هذه التسوية، ومن خلال اثنين من ضباط القوات المسلحةالسابقين في اعلي الهرم القيادي لاهم. واكبر أحزاب التسوية، ومن خلال أجندة الاتفاق الإطاري، وبنود الدستور الانتقالي، التي تمت صياغتها لتخدم مشروع القوى المضادة للثورة على حساب أهداف الثورة، كما سيبين المقال لاحقا، ومما يزيد هذا التاثير والنفوذ، ان أحزاب ومكونات قحت، دخلت هذه التسوية، بعد أن تجردت من اعلان الثورة، ومن التحالف الذي قام على أساسه، فقد وقع كل فصيل منها على هذه التسوية بصفته التنظيمية المنفردة، وبهذا ستكون المرجعية في القرار السياسي،لأي مكون من مكونات قحت هي المصلحة الحزبيةالذاتية، اوالتنظيمية الخاصة بكل حزب او تنظيم، وليس اعلان الحرية والتغيير.
يوسف حسين
بوست مخستك لحد اللحظة ركز فقط على لافتات و قام بمهاجمتها و الحقيقة انك ما قارنت بين القاعدة الإجتماعية للوثيقتين لأنه أب السياسة بتقول إنك كل ما وسعت القاعدة الاجتماعية كلما قللت من عدد الاعداد و زدت من عدد المناص رين و بالتالي زيادة فرص نجاح برنامجك..
و لو استمريت بشكل علمي ممنهج و تحدثت عن الاتفاق ستجد أن ما يجري فيه تحقيق لأطروحات و مطالب الثورة و هذا ما يجب النظر اليه و ستفهم تماما أن النهضة المرتجاة تحتاج لتفكير براغماتي و عملاني لأبعد حد بعيدا عن العاطفة لهشاشة الوضع في السودان.. شعارات الثورة مبنية على حرية سلام و عدالة ثم انحرفت باللاءات الثلاثة و (لا تفاوض) اغبى شعار يطرحه من لا يملك نبله في مواجهة 8 جيوش تمثل سلطة الواقع متناسيا و متجاوزا لشعار (السلمية) التي تعني تحت اي ظرف(بأخوي و أخوك) يعني تفاوض و حوار..
ايضا اذكرك بالفرق في محدوية الوثيقة و شمول الاتفاق الاطاري في منحى معالجة مشكلات مزمنة منذ ما قبل الاستقلال..
حقوا مكون الوعي النوعي لكتابنا يكون افضل من كده..