أهم الأخبار والمقالات

التسوية… الحقائق والأكاذيب والأسئلة قراءة في البنية والنصوص (6/3)

يوسف حسين

(6)

المدنية الكاملة للسلطة،المتمثلة في انسحاب الجيش من الحكم ، وقبوله بتسليم السلطة للمدنيين، هي المحور الأهم، الذي بنت عليه قحت حملة تسويق لهذه التسوية، وهو المبرر الرئيسي الذي تستند عليه في انخراطها فيها، وتتباهي به باعتبار انها قد حققت بهذا الاتفاق الإطاري، انتصارا سياسيا حاسما، اخضعت فيه العسكر، لرغبة الثورة في تحقيق الهدف الإستراتيجي للثورة، الا وهو المدنية الكاملة للسلطة، وان يكون الحكم خالصا بيد المدنيين، فما هي طبيعة المدنية الكاملة، التي أتت بها هذه التسوية، وماعلاقتها بمدنية السلطة التي نادت بها الثورة.؟ وماهي طبيعة الحكم المدني الناتج في ضو هذا الوجود والتركيب لقوى الهجين الإطاري. ؟
الحقيقة المجردة في هذا الصدد، تقول ان شعار المدنية الكاملة، وحكم المدنيين الخالص، الذان تتشدق بهما قحت، ويروج لهما خطاب مكوناتها، لا علاقة له مطلقا بالمدنية التي نادت بها الثورة، فمدنية تسوية الاتفاق الإطاري، ماهي الا شراكة بين قوي التسوية والهبوط الناعم التي تشكل تحالف قحت الآن، وبين و قوى الثورة المضادة، وعلى راسها وريث الحركة الإسلامية حزب المؤتمر الشعبي، وحلفائه وحلفاء المكون العسكري – الشق العسكري للحركة الاسلامية-من حركات مسلحة، وأحزاب “اصل”
و فكة والتي بالتأكيد، ستحظي بالسيطرة، بشكل مريح ، على المرحلة الانتقالية القادمة، استنادا على وضعها ووجودها الدستوري كشريك في هجين السلطة ، وعلى حصتها الميكانيكية في التسوية، وعلى سيطرتها علي الاقتصاد، وعلى تمكينها العتيد في مفاصل الدولة، وعلى الدعم الذي بالتأكيد ستتلقاه من العسكر والأجهزة النظامية، بينما المدنية التي نادت بها الثورة، مختلفة تمام الاختلاف، في انها سلطة مدنية، تكونها قوي الثورة التي تقود التغيير، و تهدف في الأساس، لتفكيك تمكين قوي الثورة المضادة، وتصفية نفوذها السياسي والاقتصادي والعسكري، كهدف رئيسي من أهداف الثورة، من أجل تحقيق الانتقال المدني الديمقراطي المعافي.
الخلاصة النهائية من هذا التشريح،ان هذا الهجين الإطاري،الذي سيشكل الحاضنة السياسية، للفترة الانتقالية القادمة، وسيشكل حكومة ومؤسسات السلطة الانتقالية، سيكون بحكم طبيعةتكوينه الحالي، وبحكم التوازنات الميكانيكية لتشكيله، وبحكم المواثيق التي سينتجها، وبحكم طبيعة وتداخل المصالح بين مكوناته المدنية، و بين العسكر من جهة، وبين مكوناته وبين دول المحور الإقليمي من جهة أخرى، سيكون هجينا يخدم أجندة العسكر و المحور وأجندة الاسلاميين، باختصار اجندة محور الثورة المضادة المحلي والاقليمي ، وبالمقابل بالتأكيد سيعمل على إعاقة اي خطوة لتحقيق أهداف الثورة، وإنجاز الانتقال الديمقراطي الحقيقي والمنشود، وسيتطرق المقال لكيفية ذلك بالتفصيل وبالأدلة فيما يلي من فقرات.

(7)

مما تطرق اليه المقال، من تشريح لطبيعة ومفهوم وأطراف ونتائج، هذه التسوية الجارية حاليا، ومن تفصيل حول طبيعة وتوجهات الهجين الإطاري، الذي تشكل، يأتي السؤال الحتمي والبديهي، الذي يطرح نفسه، كيف سيتم تقسيم حصص السلطة والمناصب، بين أطراف هذا الهجين، وما هي التوازنات التي تحكم ذلك التقسيم؟ وماحصة كل مكون من مكونات الهجين؟ ولمن ستكون السلطة؟ ومن له القدرة على توجيهها والتحكم فيها. ؟

لإلغاء سيل التساؤلات المفصلية والشديدة الاهميةهذه، والتي يجب أن يطرحها الجميع بما فيهم مؤيدي التسوية، أطلقت قحت ادعاءا غبيا وكاذبا، مفاده انه لن يكون هنالك اي نوع من انواع المحاصصة،سواء في تشكيل الحكومة، او في الاختيار للمناصب في هياكل السلطة المختلفة، فهي ستقوم بتشكيل الحكومة، دون محاصصات ودون اقصاء لأي طرف، من الأطراف الموقعة على الإعلان السياسي! ، وهو ادعاء مضحك يناقض ويكذب بعضه بعضا، و تكذبه نصوص الاتفاق الإطاري والدستور الانتقالي كما سيبين المقال لاحقا، ثم ان اتفاق التسوية هذه، في أصله وفي مفهومه، هو اتفاق لتقاسم السلطة، بين كيانات وقوى سياسية متباينة، فكيف يكون بلا محاصصات!! . وفي الحقيقة لا توجد آلية في هذا الكون، تمكن مثل هكذا هجين، من الكيانات السياسية المتناقضة، من تشكيل حكومة وسلطة سياسية، سوي اتباع آلية للمحاصصة، سواء أرادت الأطراف ذلك او لم ترد أو اتفقت على المحاصصة او لم تتفق، فهنالك مجموعة محددة، من المناصب الوزارية في الحكومة، ومجموعة محددة من المناصب، في هياكل وأجهزة ومؤسسات الدولة، يتعين على الهجين الاطاري اختيار أفراد لها وبالتأكيد لن تسمح طبيعة مكونات هذا الهجين، لجهة واحدة منها بالأستئثار بهذه المناصب، بل سيطالب كل مكون بحصته، منها حسب وزنه بين قوي الهجين ، وهذا هو الأمر الطبيعي والمنطقي، و بتبسيط اكثر فإن القول بتشكيل الحكومة والسلطة، “دون اقصاء لأي طرف” ، يعني ان كل طرف من اطراف الهجين، سيحصل على حصة، وطالما ان هنالك حصص، فلابد من وجود معادلة ما، او آلية لضبط حصةكل طرف، وهذا الآلية هي عين المحاصصة.
اذن يظل السؤال المنطقي مطروحا، ما حصة كل طرف من اطراف هذا الهجين في الحكومة والسلطة الانتقالية القادمة.؟

بالتأكيد لن يكون متاحا لنا الآن معرفة الكثير، عن تفاصيل وشكل المحاصصة التي تم الاتفاق عليها، داخل هذا الهجين المتعطش بشراسة للسلطة، لكن بإمكاننا الاستعانة بتجربة ومسار تسوية الشراكة السابقة، بين قحت والمكون العسكري، للاستدلال على ملامح المحاصصة الجديدة، بين أطراف الهجين الاطاري، وتحديدا لتكوين صورة أقرب للواقع عن حجم” حصة” مكونات قحت في السلطة القادمة، فبالعودة الي التسوية الأولى، والتي دخلتها قحت وهي موحدة، وتحتكر بشكل حصري تمثيل قوي الثورة، سنجد انه كان لها الحق، فى اختيار نصف أعضاء مجلس السيادة، إضافة لمدني اخر تختاره مناصفة مع العسكر، وكان لها الحق الحصري فى اختيار رئيس الوزراء، والحق في اختيار كل وزراء الحكومة الانتقالية، البالغ عددهم عشرون وزيرا، ماعدا وزيري الداخلية والدفاع، أي أن حصتها في الحكومة التنفيذية، بلغت 90٪ من الوزراء، بينما كان لديها حصة 67٪ من نواب المجلس التشريعي، الذي لم يتكون حتى وقوع الانقلاب، وكانت تمتلك الاغلبية الميكانيكية (74٪ او اكتر) في الاجتماع المشترك، بين مجلسي الوزراء والسيادة، الذي كان يعمل كمجلس تشريعي بديل، في ظل عدم تشكيل المجلس التشريعي، هذه النسب تقصلت من بعد اتفاق جوبا، فأصبح نصيب قحت من المجلس التشريعي حوالي 55٪ من النواب، كذلك تقلصت نسبة حصتها من وزراء الحكومة، بعد أن تم توسيع عدد المقاعد الوزارية لاستيعاب وزراء حركات سلام جوبا، من 90٪ الي 68٪ ( من 18وزير من مجموع 20 وزيرا، الي 17 وزير من 25 وزيرا)،كذلك تقلصت حصتها في المجلس السيادي بعد تم توسيعه من 50٪ الي 35٪ ، وفي الاجتماع المشترك بين مجلسي السيادة و الوزراء من 74٪ الي 56٪، هذا التقليص الكبير في حصة قحت من السلطة، سحب من قحت القدرة على صناعة القرار منفردة في حكومة حمدوك الثانية، وجعلها مشلولة سياسيا، وبالطبع كان هنالك أيضا تراخي كبير وكثيرمن الممالأة للعسكر، وكل تلك العوامل التي مكنتهم من السيطرة على القرارات الحكومية، هذا التقلص الكبير في حصة قحت، صاحبه تراجع كبير، في شعبيتها في الشارع، بين قوي الثورة ولجان المقاومة، التي بدأ دورها يتسع ويتشعب، وبلغ تراجع نفوذها قمته بعد الانقلاب، فأصبحت لجان المقاومة، هي من تقود الشارع والمواكب لاسقاط النظام، واكتفيت قيادة قحت بإصدار البيانات والمشاركات الصورية في المواكب، حتى اعلنت تخليها عن اللات الثلاث للثورة، والشروع في هذه التسوية مع النظام، والتي دخلتها مكوناتها بصفتها التنظيميةالمنفردة، مجردة من تحالفها الثوري ،ودخلتها وهي منقسمة على نفسها،بعد أن فقدت العديد من مكوناتها، ودخلتها وهي منزوع منها شرعية تمثيل الثورة و الشارع،ودخلتها مع قوةسياسية ضليعة في الخبث، وتفتقد لاخلاقيات العمل السياسي، وهذ القوي السياسية الشديدة الجشع والشديدة العداء للثورة، تمتلك ايضا كل ادوات الابتزاز،من أموال لامحدودة، وجيش التمكين في مفاصل الدولة، ودعم العسكر اللامحدود، ومن ورائهم نفوذهم الأمني والعسكري والاستخباراتي، وبالتأكيد كل هذه العوامل مجتمعة، ستودي الي اضعاف موقف قحت بشدة، والي تقليص كبير في حصتها من السلطة، التي ستتشاركها لأول مرة بعد الثورة، مع قوى سياسية أخرى، وان أضفنا لذلك، القوى المدنية الأخرى، التي ستتم اضافتها لاحقا، للمشاركة في البرلمان كالإدارات الأهلية، والطرق الصوفية،واي قوي فلول أخرى تتم ترضيها في قادم الأيام، وجميعها محسوبة سلفا في قائمة القوى المضادة للثورة،إضافة لما يسمى بأصحاب المصلحة، وفئات و شرائح المجتمع، ومن يشارك باسم لجان المقاومة المزيفة، او التابعة لقحت، وكلهم مؤيدي التسوية، فسنجد اننا امام هجين سلطة، ستكون فيه حصة قحت أدنى ما يكون، ويتبين ذلك اكتر في المجلس التشريعي، والذي بهذا الشكل والتكوين بالتأكيد القاطع، سيكون، برلمانا تسود فيه قوي الثورة المضادة، مع حضور معتبر لقوى التسوية والهبوط الناعم.

بالتأكيد تدرك قيادات قحت كل هذه المعدلات، وقد استبقوا حدوثها بتصريحاتِ تمهد لذلك، فقد صرح خالد سلك ومحمد الفكي، بان وجود قحت، سيكون رمزيا، في مؤسسات السلطة الانتقالية القادمة، كلاهما وضع الكلام في صيغة الزهد في السلطة، لكن الحقيقة ان هذا الوجود الضئيل، ليس زهدا، ولا هو من أجل التفرغ للبناء السياسي والديمقراطي، استعدادا للانتخابات القادمة، بل هو نصيب قحت وحصتها حسب توازن القوى داخل الهجين الإطاري الذي اختارت ان تكون جزء منه.

الخلاصة المباشرة والبديهية، لكل ما سبق ذكره، عن طبيعة ومفهوم تسوية الاتفاق الإطاري، وعن بنية قوي الهجين الإطاري ، وتوازانات القوى بداخله، وما سينتج عنه من سلطة تنفيذية، وتشريعية، انه لا طبيعة ولا مفهوم التسوية، ولا طبيعة الهجين الذي سيشكل السلطة، ولا طبيعة توازن القوة القائم بين مكوناته، ولا تركيبة السلطة، التي ستنتج عن هكذا تسوية وهكذا هجين، ستسمح بتحقيق اي هدف من أهداف الثورة مهما كان صغيرا، ناهيك عن أهدافها الكبري كتفكيك التمكين والإصلاح الأمني والعسكري والقضائي وإقامة العدالة،والمحاسبة، لذا يظل كل المكتوب عن تحقيق أهداف الثورة، في هذه التسوية مجرد نصوص لازالةالحرج عن قحت، ولتضليل الرأى العام، ولتسويق اتفاق التسوية.

والحقيقة الاكثرر مرارة في هذه الخلاصة ،ان مشاركة قحت في هذا الهجين، ليست سوي تشريع لأهداف لانقلاب، وبمهمة حصرية هي التحضير للانتخابات القادمة، وتلك مرحلة أخرى .

الغريب ان هذه الخلاصة والنتيجة المتاتية من تشريح وتفكيك مفهوم وطبيعة وأطراف التسوية الحالية، هي نفس ما تقوله نصوص الاتفاق الإطاري، وبنود مشروع الدستور الانتقالي، للعام 2022، فنصوص الاتفاق والدستور، تؤكد وبالأدلة القطعية كل ما ورد في المقال عن هذه التسوية، وهذا ما سيتناوله المقال في محاوره المتبقية.

يوسف حسين

تعليق واحد

  1. هو حتى لو وصلنا للانتخابات فهو انجاذ يحسب لقحت لكن لا أعتقد أن قحت بنت استراتيجيتها للوصول لانتخابات.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..