مقالات سياسية

لا عسكرية ولا مدنية ، بل وطنية !

محمد التجاني عمر قش

لأول مرة أكتب تحت عاطفة قوية جداً ؛ حتى كدت أخرج عن الموضوعية المطلوبة لكتابة مثل هذه المقالات ؛ ولو استطعت أن أكتب هذه السطور بالدمع أو بالدم لفعلت؛ ذلك لأنني نظرت إلى شأن هذا الوطن العظيم فرأيته يمر بمرحلة لم يسبق لها مثيل من الاضطراب السياسي والأمني والاجتماعي منذ الاستقلال وحتى اليوم . والشعب أصبح في حيرة من أمره إذ لا تعليم ولا صحة ولا أمن ولا معيشة ، والنشطاء منشغلون بجملة من المقاربات والأطروحات السياسية التي لا طائل منها البتة ، بل قعدت بالدولة حتى أوشكت أن تتحول إلى دولة رخوة فقد تراجعت هيبة الدولة داخلياً وخارجياً ، وهنالك عدم احترام للقانون ، حتى فقد المواطن الثقة في مؤسسات الدولة ، إن وجدت ، وضاعت حقوق الإنسان فرداً وجماعات ، وانعدمت الشفافية وصار السياسيون يتهافتون على أبواب السفارات والبعثات الأجنبية ليستقووا بها ضد بعضهم البعض ، والوطن يئن تحت وطأة الضياع بصوت مسموع ، فقد انتشرت المجموعات المتفلتة حتى صار القتل والنهب ممارسة يومية في شوارع المدن ووصل حتى إلى الأرياف ، وكل ذلك في ظل انتشار مخيف للأسلحة والدراجات النارية وسيارات الدفع الرباعي ، وانكمش دور الأجهزة النظامية المنوط بها حفظ الأمن نظراً لما تجده من هجوم منظم من بعض السفهاء الذين لا يقدرون عواقب الأمور.

وفي وسط هذا الوضع ، الذي ينذر بخطر داهم ، تتعالى الصيحات بتشكيل حكومة مدنية لتحد من نفوذ العسكر ، بينما العسكر يسعون لتثبيت سلطتهم على حساب دعاة المدنية ، فهم يوماً مع مبادرة الشيخ الطيب الجد ، وتارة أخرى يروجون للاتفاق الإطاري إما خوفاً من فولكر ومن يقف وراءه ، كما قال أحدهم ، أو طمعاً في إطالة الفترة الانتقالية ، خوفاً على أنفسهم ومراكزهم التي حققوها ، خلال السنوات المنصرمة. والأسوأ من ذلك كله أن أبواب الوطن قد باتت مشرعة لتدخل أجنبي لا يرغب فينا إلاً ولا ذمة! ونتيجة لذلك أصبح الشعب السوداني ، كالأيتام على مائدة اللئام ، بعد أن تحول وطنهم العزيز إلى حلبة صراع بين قوى ذات أطماع وتوجهات متباينة تماماً.

نحن مدينون لهذا الوطن بأفضال عظيمة لا تعد ولا تحصى ، ونحمل له بين جوانحنا قدراً من الحب والولاء لا تسعه الكلمات. ونعتقد أن الشعارات الجوفاء لا تسمن ولا تغني من جوع. فلو أنني اسرجت بعيري وجبت بوادي كردفان لكي أحدث الناس عن التداول السلمي للسلطة أو شعارات قحت من قبيل “حرية ، سلام وعدالة” وعن الديمقراطية ومحاسن الحكم المدني ، وحقوق المرأة وفق اتفاقية سيداو ، فهل يا ترى سوف يستمعون لما أقول أو يقدرونه ، لا اعتقد. فالناس الآن بحاجة لحكومة أو بالأحرى دولة توفر لهم الأمن والغذاء ومتطلبات الاستقرار الأخرى وكافة الخدمات بغض النظر عن كونها مدنية أو عسكرية فقد بلغ السيل الزبا وطفح الكيل وبلغت القلوب الحناجر ، إذ ضاق الشعب ذرعاً بما يدور في أروقة السياسة من جعجعة بلا طحن.

أيها النشطاء والطامعون في السلطة عليكم أن تدركوا أن السودان ليس هو فقط العاصمة المثلثة والمدن الكبرى بل هو مساحة شاسعة بها موارد متنوعة وخيرات كثيرة تحتاج أشخاصاً يتمتعون بقدر من الوطنية وصدق النية والإخلاص والتجرد من الأنانية والانتماء الضيق ، سواء لأيدلوجية أو قبيلة أو جهة أو حزب سياسي مغمور ، بحيث يستغلون هذه الموارد حتى يوفروا للمواطن السوداني الاستقرار والعيش الكريم بعد أن أصبح يتسول على موائد اللئام ويتضور من الجوع ويتلوى من المرض ، وتراق دماؤه ليل نهار ، حيث غابت الدولة وانحسر تأثيرها ولم يعد لها وجود إلا في أجهزة الإعلام! وقد بات من المطلوب فوراً حكومة ذات شوكة يتولى المناصب فيها أشخاص من ذوي الكفاءة والقدرة بعيداً عن المحاصصة بين الأحزاب ضئيلة الوزن فقد جربناهم ولم نجن إلا الحسرة والندم وضياع الوطن وإهدار كرامته.

نحن بحاجة لجهة تحسم هذا التفلت ، وتضع الخطط اللازمة لبناء الوطن واحترام شعبه ، بعيداً عن الشعارات الفارغة فقد ثبت أنها لا تصلح للنهوض بالأوطان. ولذلك لا يتحمس الشعب السوداني لدعاوى المدنية والديمقراطية أو الشمولية وما شابه ذلك من مصطلحات جوفاء لا تصلح أساساً للحكم في السودان حيث تقوم الروابط على التراحم والقيم وكريم المعتقد؛ ولذلك لسنا منشغلين بشكل الحكم ، مدني أو عسكري ، لكن يهمنا ما تقدمه الحكومة للجمهور من خدمات وحفظ الأمن والحقوق وتطبيق القانون والنهوض بمقدرات الشعب وتأهيله بما يناسب وضعه ، فقد مللنا ترديد الشعارات ومشاهدة المواقف المستهجنة وسماع التصريحات والبيانات التعيسة ، وحان الوقت لنرى نخبة من الوطنيين أصحاب التجربة والعلم والمعرفة والخبرة ليتولوا زمام الأمر بكل حزم وعزم دون النظر إلى انتمائهم الجهوي أو القبلي أو الفكري ، فبكل تداوينا ولم يشف ما بنا.

في هذه المرحلة نحتاج لتوحيد الرأي الوطني ، ولذلك لابد من ابتعاد الأحزاب عن الحكم والالتفاف حول مجموعة تقود البلاد نحو مخرج ، وإلا فإن الجيش السوداني هو الجهة الأكثر جدارة لتولي زمام الأمر ؛ حفظاً لوحدة التراب السوداني وسلامة شعبنا.

 

 

‫2 تعليقات

  1. ايها الكوز النتن “حرية ، سلام وعدالة” هي شعارات ثورة ديسمبرالعظيمة التي قام بها شعب السودن الحر واسقطت نظامكم الفاسد البغيض وليس شعارات قحت وثانيا الوضع الذي فيه السودن الان هو نتيجة طبيعية لحكم الكيزان الاستبدادي الفاسد.

  2. تتذكر دعاية الخمور
    في الوقت الذي تسيل فيه الدماء السودانية القانية، بلا مبرر، من فتابرنو غرباً حتى بورتسودان، على ساحل بحر القلزم شرقاً، وفي حين تقف حرائر السودان في صفوف ممتدة، أملاً في الحصول على قطع معدودة من الخبز، وتصطف سيارات النقل العام والخاص أمام محطات الوقود من أجل التزود بلترات معدودة من الوقود
    في هذا الظرف المؤسف والعصيب، تنصرف قحت، الحاضنة السياسية للحكومة الانتقالية، إلى البحث عن تشريع يبيح لها توفير الخمور، المحلية والبلدية، لفئة من الجمهور، تحت ذريعة حقوق الإنسان، والتمهيد لممارسة الديمقراطية، مع ادخال تعديلات على القانون الجنائي يتيح لها غطاء تشريعي لتطبيق عقوبة الإعدام على من تعدى على المال العام، من كبار السن، حسبما جاء على لسان ساطع الحاج في لقاء تلفزيوني! هذه التعديلات.
    (( أيهما أولى يا قحت؟
    27 يوليو، 2020

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..