أهم الأخبار والمقالات

التسوية… الحقائق والأكاذيب والأسئلة .. قراءة في البنية والنصوص (6/4)

يوسف حسين

(8)

لم تقدم قحت بصورة رسمية ، نص الدستور الانتقالي، الذي تقول، انه شكل المرجعية للاتفاق الاطاري، لكن المسودة المنشورة لمشروع للدستور الانتقالي،تم نشرها في منابر إعلامية ذات مصداقية كبيرة، على اساس انها النسخة المعدلة، من دستور اللجنة التسييرية لنقابة المحامين، التي توافقت عليها قحت مع المكون العسكري، أيضا وطوال الفترة الماضية لصدور مسودة الدستور، لم تقم قحت ولا مؤيديها بالطعن لافي مصداقية النص، ولا في نسبته الي اتفاقها مع العسكر، فتكونت قناعة لدي جميع بالشان السياسي، بان النسخة المنشورة للدستور الانتقالي، هي نفس النسخة التي شكلت مرجعية الاتفاق الإطاري، ايضا وبمطابقة الاتفاق الإطاري بمسودة الدستور المنشورة، تبين أنهما يحفلان بالكثير من التطابق نصا ومفهوما، حول العديد من المحاور والقضايا، وهو ما يجعل الاستعانة والاستدلال بمسودة الدستور كمصدر ذو مصداقية، امرا مبررا ومدعوما بالشواهد المنطقية، ويبدو ان قحت قد صدقت هذه المرة، في قولها بان الدستور الانتقالي – الذي لم تنشره نصه بشكل رسمي- قد شكل المرجعية للاتفاق الاطاري.
النصوص المتطابقة والمكملة لبعضها البعض، مابين الاتفاق الإطاري، ومسودة مشروع الدستوري الانتقالي، تؤكد بشكل قاطع
ما ذهب اليه المقال من خلاصات في اجزائه السابقة، وسيتناول المقال في هذين الجزئين منه، خمسة محاور وردت في الاتفاق الاطاري ومسودة الدستور الانتقالي، تمثل القضايا الرئيسية التي تدور حولها التسوية، وهي ذات المحاور التي تتمحور حولها اهم أهداف الثورة، و هذه المحاور هي :

1- السلطة التي سيشكلها الهجين الإطاري.
2- إصلاح المنظومة العدلية والقضائية.
3- العدالة والعدالة الانتقالية.
4- تفكيك تمكين نظام ال 30 من يونيو.
5- الإصلاح الأمني العسكري.

وفي جميع هذه المحاور سيدلف المقال الي الجانب العملي التطبيقي للتسوية الإطارية بالاستناد على نصوص كلا الوثقيتين

(9) 1- محور السلطة

بمجرد ذكر كلمة سلطة وبلا مقدمات تنطلق الأسئلة من هي الحاضنة السياسية التي ستختار رجال السلطة الجديدة، ومن تمثل وماهي التوازنات بين أطرافها، وماهي الحصص، وما تأثيرها على قرارات وسياسات السلطة الجديدة، وصولا لسؤال من ستخدم هذه السلطة، ومن سيتحكم بها، وبالنسبة لنا في هذه المرحلة في ظل صراع المشاريع الذي نعيشه، تبرز اسئلة اضافية عن طبيعة المدنية التي يتشدق بها سادة التسوية ومروجيها، وعن طبيعة مكوناتها وانتمائها وتوجهاتها ،وهل هي المدنية التي نادت بها الثورة، وهل ستحقق أهداف الثورة من خلالها، كل ذلك وغيرها من أسئلة حول السلطة ، أجاب عليها المقال في جزئه الثالث، من خلال تشريح لبنيةوطبيع انتماء وتكوين قوى الهجين الإطاري، وكانت النتيجة المجردة، ان ما يتشدق به قادة قحت،هو مدنية قوي الثورة المضادة، ولا علاقة له مطلقا بالمدنية التي نادت بها الثورة، وأن الهجين الإطاري سيكون في خدمة اجندة قوي الثورة المضادة، وسيعيق إعاقة اي خطوة لتحقيق أهداف الثورة، فبماذا ستجيب قراءة نصوص الاتفاق الإطاري، ومشروع الدستور الانتقالي عن تلك الاسئلة؟

هياكل السلطة الانتقالية

وردت في الاتفاق الإطاري وفي مشروع الدستور الانتقالي نصوصا متطابقة في هذا المحور، فكلاهما نص على وجود أربعة هياكل سلطوية هي المجلس التشريعي(السلطة التشريعية)، والمستوى السيادي الانتقالي (السلطة السيادة )، مجلس الوزراء الانتقالي (السلطة التنفيذية)، المجالس العدلية(السلطة القضائية ) إضافة للمفوضيات المستقلة

اولا: المجلس التشريعي

ينص الاتفاق الإطاري في الجزء المخصص لهياكل السلطة على أن (المجلس التشريعي الانتقالي القومي يحدد الدستور مهامه، وعدد مقاعده ونسب ومعايير الاختيار، وبما يضمن مشاركة النساء بنسبة 40% والشباب ولجان المقاومة وذوى الاحتياجات الخاصة. ويتم تكوينه بواسطة “القوى الموقعة على الاعلان السياسي”)، و يتطابق ماورد عن الجهة التي يحق لها اختيار نواب المجلس”القوى الموقعة على الإعلان السياسي،” مع ما ورد في مشروع الدستور الانتقالي (المادة 38 (3) ) ، بينما تذهب المادة 38 (1) من الدستور الانتقالي، في التفصيل والافصاح اكثر عن تركيبة مكونات المجلس التشريعي.ذاكرة ان ( المجلس التشريعي الانتقالي سلطةتشريعية مستقلة لا يجوز حلها ويتكون من عدد لا يقل عن (١٥٠) عضواً، يراعى في تكوينه تمثيل واسع لمكونات الشعب السوداني بما فيها القوى السياسية، والمدنية، والمهنية ،ولجان المقاومة، والطرق الصوفية، والإدارات الأهلية، وأطراف العملية السلمية الموقعة على الإعلان السياسي، ويستثنى أعضاء المؤتمر الوطني المحلول بكل أشكالهم ومسمياتهم وواجهاتهم.)

بالطبع لا يوجد حتى الآن اعلان سياسي معلن وموقع من قوى سياسية، لكن المؤكد ان هذه القوي التي ستوقع عليه، هي نفس قوي الهجين الإطاري، المكون من “القوى السياسية الموقعة على الاتفاق الإطاري”، والتي سينضم لها ََعند التوقيع علي الإعلان، حركتي جبريل ومناوي، والنصف الاتحادي الرافض للتسوية بقيادة جعفر الميرغني، ومن خلال ما بينه المقال من خلال التشريح السابق، لتركيبة هذه القوي وانتماءاتها وتحالفاتها السياسية والمصلحية، وتركيبة وانتماءت القوى التي سيتم اختيار ممثلين لها في المجلس،كالادارات الأهلية والطرق الصوفية والقوى السياسية، “خارج دائرة القوى الموقعة” على” الإعلان السياسي” ،وان أضفنا الي ذلك ما هو متوقع من تضاؤل كبير، في حصة مكونات قحت في المجلس، نتيجة لتوازنات التسوية نفسها والذي أشار اليه قادتها، بقولهم ان مشاركتهم، في المجلس وفي السلطة عموما، ستكون رمزية، يمكن الوصول دون كثير من العناء والجهد، ان المجلس التشريعي الناتج عن هذه التسوية، لن يكون الا تجمعا تسيطر عليه قوى الثورة المضادة، والتي بالتأكيد، ستستغل وتسخر، صلاحيات المجلس، وسلطاته الواسعة، لإعاقة تحقيق أهداف الثورة ،ولخدمة أجندة العسكر والمحور الذي يدعمها. باختصار شديد يمكن القول ان المجلس التشريعي ، بهذه التركيبة المتفق عليها ، وهذه الصلاحيات، سيكون لوحده قادرا على اعاقة تنفيذ كل أهداف الثورة.إجهاض اي اي خطوة لتغيير حقيقي.
ونفس الهجين الإطاري، سيكون مسئولا، عن اختيار عضوية، المجالس التشريعية الاقليمية والمحلية، ولن تختلف النتائج ان لم تكن اكثر اكثر ردة وبعدا عن الثورة واهدافها.

المستوى السيادي:

لا أدري ما السر الذي جعل قحت تختار تسمية مجلس السيادة ب “المستوى السيادي” ‘ مهما يكن فانها تعمدت الغموض في كيفية اختيار هذا المستوى السيادي ، إذ تحدثت عن ان” قوى الثورة الموقعة على الاعلان السياسي” ستقوم (بالتشاور باختيار مستوى سيادي مدني بمهام شرفية، يمثل راساً للدولة، ورمزاً للسيادة، وقائداً اعلى للأجهزة النظامية) لم توضح قحت من هي قوي الثورة المقصودة، وهذه نقطة مهمة سيعود المقال لتوضيحيها لاحقا، كما لم تحدد مع من سيكون التشاور، ولا وضحت ماهي طبيعة المشاورات، هل هي مجرد عبارة كتبت لتطييب الخواطر ، ام هي مشاركة حقيقية في الاختيار. من قبل الأطراف الأخرى، من غير قوي الثورة الموقعة على الاعلان السياسي.

بخصوص صلاحيات المستوى السيادي، ذكر مشروع الدستور الانتقالي، ان من ضمن صلاحيات راس الدولة (تعيين وإعفاء القائد العام للقوات المسلحة بتوصية من القوات. المسلحة، وتعيين وإعفاء قائد قوات الدعم السريع بتوصية من قوات الدعم السريع.) وهذه صلاحية صورية تماما، ولامعني لها، فلا سلطة حقيقية لراس الدولة، في تعيين واعفاء قائدي القوات المسلحة او الجنحاويد، إنما سيكون دوره فقط البصم على قرارت الهيئات القيادية في كلا المكونًين، بخصوص التعيين والاعفاء لقائديهما ان صدرت، لكن من صاغوا مشروع الدستور، ارادوا ترويج انطباع ا زائف ، بان المكون العسكر سيخضع للسلطة المدنية.

ثالثا: رئاسة/مجلس الوزراء

السؤال البديهي في هذا المقام ،هو من سيقوم باختيار رئيس الوزراء والوزراء، وما حصة اي طرف في الاختيار، وهو ما أجاب عليه الاتفاق الإطاري، بذات النص الغامض الذي ورد بخصوص، اختيار “المستوى السيادي” ، فذكر ( الاتفاق على اختيار رئيس الوزراء الانتقالي بواسطة قوى الثورة الموقعة على الاعلان السياسي بالتشاور، وذلك وفقا لمعايير الكفاءة الوطنية، والالتزام بالثورة والاعلان السياسي ومهام وقضايا الانتقال.) هنا أيضا لم يحدد الاتفاق من هي” قوي الثورة الموقعة على الاعلان السياسي”، ولا القوى التي ستتشاور معها، ولا طبيعة هذا التشاور ان كان مجرد نص بلامعني، ام هو فعلا يقصد ‘، ان تقوم قوى أخرى بالمشاركة مباشرة، في اختيار رئيس الوزراء. هذا الغموض المتعمد والتلاعب بالحقائق واللغة، بالتأكيد يهدف الي إخفاء دور وحجم مشاركة قوي التسوية الأخرى من فلول الكيزان وحلفاء النظام ومؤيدي الانقلاب، في عملية اختيار رئيس الوزراء، وأعضاء مجلس السيادة،
اما ماصطلح قوي الثورة فحسب تعريف سابق لقحت، اوردته في وثيقة الرؤيا لأنهاء الانقلاب، الصادرة في الخامس من يونيو 2022، فتضم جميع حركات اتفاقية سلام جوبا،وعلى رأسها حركة العدل والمساواة “جبريل”، وحركة تحرير السودان/ مني، والحركة الشعبية لتحرير السودان ش/مالك عقار وفصيلي الهادي ادريس، والطاهرحجر، وغيرهم وجميع هذه الحركات من داعمي الانقلاب، لكن قحت صنفتهم كقوي ثورة في تلك الوثيقة، وبالتأكيد ان هذا التصنيف لقوى الثورة، هو التصنيف المعتمد والمقصود في نصوص الاتفاق الإطاري، وبالطبع جميع كل قوي الهجين الإطاري، ستوقع على الإعلان السياسي، بمافيه قوي اتفاق ربما فيها حركتي مني وجبريل، وبالتالي ستكون الثورة الموقعة على الاعلان السياسي والتي ستخار رئيس الوزراء رئيس الوزراء الانتقالي القادم ، هيمكونات قحت الى حركتي جبريل ومناوي وعقار والذاهر حجر والهادي إدريس وغيرهم من حركات، طبعا بالتشاور غير معلوم الهويةالطبيعة مع بقية القوي .
أما مشروع الدستور الانتقالي فلم يرد فيه اي نص عن الجهة التي ستختار رئيس الوزراء.

اما معايير اختيار رئيس الوزراء التي ذكرها الاتفاق الإطاري، فجميعها معايير هلامية لا محددات لها، كالكفاءة الوطنية التي لا يملك حتى من كتبوها تعريفا لها، بينما بقية المعايير الأخرى كالالتزام بالثورة، والاعلان السياسي ومهام وقضايا الانتقال، يستطيع اي مرشح او الجهة التي رشحته لها ادعأء امتلاكه لها .

النص ( الاتفاق على اختيار رئيس الوزراء الانتقالي بواسطة قوى الثورة الموقعة على الاعلان السياسي “بالتشاور” ، وذلك وفقا لمعايير الكفاءة الوطنية، والالتزام بالثورة والاعلان السياسي ومهام وقضايا الانتقال.)

– بخصوص اختيار الوزراء وحكام الاقاليم ، فقد ورد في الاتفاق الإطاري،نفس النص الاحتيالي المتكرر، والذي فحواه ان رئيس الوزراء (يتشاور) مع (الأطراف الموقعة على الإعلان السياسي والدستور الانتقالي) ، في اختيار الطاقم الوزاري وحكام الولايات (دون محاصصة حزبية و دون إقصاء لأي طرف من الأطراف الموقعة على الإعلان السياسي) هذه الصياغة المضحكة والمتناقضة، ارد بها صانعوا التسوية التهرب من ذكر الخوض في نسب المحاصصة، لكن المنطق يقول، طالما ان جميع الأطراف سيتم تمثيلها، فلابد من وجود آلية، لتحديد حصة الأطراف المشاركة في التسوية وهذه الآلية هي المحاصصة بعينها. ورد في الاتفاق الإطاري في هذه الجزئية أيضا، أن رئيس الوزراء “يتشاور” مع الأطراف الموقعة على الإعلان السياسي، والدستور الانتقالي في اختيار الوزراء، وهذا احتيال لغوي آخر، ويناقض ما ماورد في مشروع الدستور الانتقالي الذي ينص في المادة 47(1) على ان القوى الموقعة على الإعلان الدستوري هي من ستختار الوزراء (يتكون مجلس الوزراء من رئيس/ة وعدد من الوزراء لا يتجاوز الخمسة وعشرين وزيراً/ة من الكفاءات الوطنية تختارهم القوي الموقعة على الإعلان السياسي). وتؤكد على ذلك المادة 48(1)، التي تتناول صلاحيات رئيس الوزراء.
– الهجين الإطاري هذا، وحسب نصوص مشروع الدستور الانتقالي،والاتفاق الإطاري، سيكون أيضا مسئولا عن اختيار، حكام الاقاليم /الولايات ورؤساء المفوضيات، بما فيها تلك المفوضيات الشديدة الحساسية كمفوضية، إصلاح المنظومة الحقوقية والعدلية، ومفوضية العدالة الانتقالية.
بالطبع في ظل هكذا حضور طاغي وكاسح لقوى الثورة المضادة كان طبيعيا ان يمنح رئيس الوزراء صلاحية الإشراف على قوات الشرطة و جهاز المخابرات العامة وتعيين مديريهما.

هذه هي صورة هياكل ومؤسسات السلطة التنفيذية والتشريعية، التي ستشرف على تكوينها قوي الهجين الإطاري،وهي لن تكون سوي صورة تعكس بشكل مبتشر تركيبة وتكوين هذا الهجين، المحتشد بفلول الكيزان، وحلفاء النظام ومؤيدي الانقلاب ، فهل في ظل هكذا سلطة، يطمع احد في تحقيق اي هدف من أهداف الثورة؟ وهل هذه المدنية، هي المدنية التي نادت بها الثورة واستشهد من اجلها الثوار.؟… لا أعتقد أن هنالك حوجة للإجابة.

يوسف حسين

تعليق واحد

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..