أخبار متنوعة

“دشمل” و”الصارم المسلول”.. مجموعات “تليغرام” لاستهداف النساء المصريات

ظهرت على منصات التواصل الاجتماعي ولاسيما، تطبيق تليغرام، مجموعات تعمد إلى تهديد النساء والفتيات في مصر من اللواتي ينشطن في مجال الدفاع عن حقوق المرأة وقضاياها، بالإضافة إلى شن حملات تنمر إلكترونية على العديد من الفتيات والنساء، مما جعل واحدة على الأقل تقدم على الانتحار.

ومن أشهر تلك “الجروبات” الذي يعرف باسم “دشمل” والذي اشتهر القائمون عليه بنشر أرقام هواتف فتيات وعناوين سكنهن بالإضافة إلى أرقام هواتف ذويهن وأفراد عائلتهن ومعلومات شخصية أخرى، مما يؤدي إلى تعرض تلك الضحية لحملة تنمر شديدة عبر الهاتف ومواقع التواصل، وقد تنتهي بعضها بوقوع حوادث مأساوية.

وأسلوب نشر المعلومات الشخصية عن الخصوم على شبكات الإنترنت يعود في الأصل للحروب بين المجموعات المختلفة من قراصنة الإنترنت، حسبما نشرت “نيويورك تايمز” الأميركية في تحقيق عن تاريخ هذه الممارسة.

وتقول الصحيفة أن هذا الأسلوب تحول من سلاح في يد قلة قليلة من القراصنة إلى ممارسة معروفة بين طرفي “الحروب الثقافية” بداية من العام 2015. وبدأ نشطاء في تتبع المشاركين في مظاهرات اليمين المتطرف وإبلاغ جهات عملهم من أجل الضغط عليهم لفصلهم، وعلى الجانب الأخر، سعى نشطاء “حقوق الرجال” وغيرهم من الجماعات المحافظة في تتبع بعض الناشطات النسويات ونشر معلوماتهم الشخصية.

وفي هذا الصدد تقول الناشطة المصرية، حنان رضا، عبر حسابها على موقع “فيسبوك” إن ثمة فتاة تقطن في مدينة نجع حمادي بمحافظة قنا جنوبي مصر، كانت قد نشرت تعليقا في مجموعة “جروب” خاصة بالفتيات، قبل أن تضيف” قام جروب (مجموعة)من المُنحطين واخدينه باعتينه (أرسلوا التعليق لأهلها).. والبنت انضربت (تعرضت للضرب العنيف) لحد ما (إلى أن) رمت نفسها من البلكونة (شرفة بيتها).

وشددت رضا على أن “جروب دشمل” قد صمم خصيصا لنسخ أي تعليق أو منشور تكتبه فتاة ما في مواقع التواصل وإرساله إلى أهلها.

وقالت رضا إن أعضاء تلك المجموعة “يخوضون في الأعراض ويقذفون المحصنات (المتزوجات) بشكل مريع”، مردفة: “أطالب كل فتاة بتوخي الحذر وأن يتم التبليغ عن هذه المجموعة (دشمل)”.

وختمت بالقول: “أتمنى أن يقعوا في أيد الجهات المختصة”.

من جانبه ذكر موقع “إعلام” أن رئيسة المركز المصري لحقوق المرأة، الناشطة البارزة نهاد أبو القمصان، كانت قد تلقت رسائل تهديد بالقتل من “جروب دشمل”.

وكانت أبو القمصان، تحدثت في برنامج تلفزيوني، عن الخطر الذي يواجه الفتيات من قبل هذا الجروب، ووصفت “دشمل” بأنه تنظيم إرهابي، وأنه لا بد من تتبعه وضبط عناصره بسرعة من قبل مباحث الإنترنت.

ونوهت إلى أن ضرورة أن يتقدم المتضررين من قبل هذه الجروبات ببلاغ للجهات المختصة، موضحًة أن خطر تلك المجموعات يؤثر على المجتمع كله.

ظاهرة قديمة بثوب جديد
من جانبها اعتبرت الناشطة النسوية، مي صالح، في تصريحات إلى موقع الحرة “أن العنف السبيراني بأشكاله المختلفة بما فيه الابتزاز الإلكتروني والاستغلال الجنسي الرقمي هو أحد أشكال العنف تجاه النساء والتحريض عليهن، وهذا ليس بالأمر الجديد، ولكن الطارئ في الأمر هو استغلال وسائل التكنولوجيا ومنصات التواصل الاجتماعي بهذا الشكل الفج”.

ونبهت صالح إلى ” أن التكنولوجيا ورغم أن فيها الكثير من الإيجابيات ولكنها أيضا تنطوي على العديد من المخاطر لاسيما بالنسبة للنساء والفتيات من خلال التضييق على المساحات الافتراضية الخاصة بهن ومحاولة ابتزازهن وإخضاعهن، وما يزيد الطين بلة أن عائلات تلك الفتيات والسيدات لا تدعم الضحايا مما يجعلهن أسهل عرضة للاستغلال والابتزاز”.

واعتبرت الناشطة المصرية أيضا “أيضا المجتمع يميل بشكل عام إلى تصديق أي أمر يخص النساء، لاسيما إذا كان سلبيا من وجهة النظر الذكورية والأبوية، بل يصل الأمر إلى ابتكار تبريرات لدوافع الجناة وتبرير تصرفاتهم واعتبار أن النساء مصدر الغواية والشر المطلق، وكل ذلك في المحصلة يهدف كما قلنا آنفا إلى التضييق على المرأة وعدم إتاحة مساحات من الحريات للنساء”.

“القيم الذكورية” و”مكافحة الإرهاب”
وفي سياق متصل، علق المحامي الحقوقي، د. هاني سامح، على هذه الظاهرة، وقال في تصريحات لموقع الحرة “مجموعات تليغرام وجروبات الفيسبوك وغيرها التي تترصد بالنساء والتنويريين والحداثيين والأشخاص ذوي الفكر المختلف عن العامة ظاهرة منتشرة لأسباب عدة أولها كأحد الآثار الجانبية لتطور وسائل التواصل التقنية وإحجام الذكاء الإصطناعي عن تجفيف منابع التطرف الذكوري والديني بالأخص مع انتشار دعاة وتجار الدين واستخدامهم للتكنولوجيا الرقمية في نشر التطرف وثقافة الكره والقمع والتكفير”.

وأوضح سامح أن تلك “الظاهرة تمثل تطور للنهج الذكوري القامع للمرأة ومسايرة للأسلوب الإرهابي لتنظيمات الجماعات الإسلامية التي استهدفت سابقا رموز العمل العام المصري من فرج فودة ونجيب محفوظ ولكن الوضع الحالي بشكل أسوأ حيث أصبح الآن كل شخص مهدد بالترصد من تلك القطعان الإرهابية التي تعمل في خفاء داخل الشبكة العنكبوتية”، على حد وصفه

وأشار إلى أن القانون وضع حلولا عقابية لمواجهة تلك الظاهرة تحت بنود قانون مكافحة الإرهاب وقانون جرائم تقنية المعلومات وتصل العقوبات إلى السجن المؤبد أو الحبس المؤقت وفق توصيف وخطورة الوقائع.

وذكر المحامي الحقوقي أن أحد أسباب انتشار تلك الجريمة “تكمن في سلبية الكثيرين وعزوفهم عن استهلاك الوقت في الإبلاغ عن تلك المجموعات والأفراد واكتفاء الغالبية بتفعيل البلوك، معتقدين ان البلوك (الحظر) يوفر حلا للظاهرة وهذا أمر في شدة الخطورة لأنه يتيح للإجراميين بيئة آمنة لنشر التكفير والتحريض على العنف”.

وشدد سامح على أن أحد “الحلول الواجبة لمواجهة تلك الظاهرة هي التصدي للقيم الذكورية وثقافات تعنيف وقتل المرأة مع تثقيف النشئ على قيم العدالة الإنسانية ومجابهة الخرافات والقبليات والتمييز والعنصرية ضد النساء وتدريس ذلك لطلاب المدارس بعد تطهير التعليم والإعلام الرقمي ووسائل التواصل من حاملي قيم الرجعية والذكورية سواء كانوا معلمي مدارس أو شيوخ دين يتربحون من وسائل التواصل باستقطاب العامة للجدليات الذكورية”.

وفيما يتعلق بوقوع حادثة انتحار فتاة واحدة على الأقل نتيجة تلك الأعمال والاستهدافات، طالب سامح من الدولة المصرية ممثلة بالنيابة العامة ومجالس حقوق المرأة والإنسان “أن تتصدى لواجباتها وتعمل على عدم افلات الجناة والمحرضين من العقاب المستحق وطالب بإلغاء وحظر أي تخفيف للعقوبات بحق الجناة، والذي يتم عن طريق استخدام مواد الرأفة ومواد تخفيف عقوبات قتل النساء في جرائم الشرف التي مازالت مطبقة رغم انتماء تلك المواد الى عصور القرون المظلمة”.

“الرقابة مستحيلة”
من جانبه، يرى الكاتب المتخصص في شؤون تقنية المعلومات ومواقع التواصل، عمر قصقص، أن هناك “وجود واضح لانتشار مجموعات في تطبيق واتساب وعدد من منصات التواصل الاجتماعي مثل تيلغرام تستهدف الإساءة إلى النساء والفتيات وابتزازهن وهذا أمر لا يمكن إنكاره”.

وأوضح الإعلامي اللبناني في حديثه إلى موقع الحرة أن فرض رقابة مسبقة على المواد المنشورة في مواقع ومنصات التواصل أمر مستحيل تقنيا، وأضاف: “أما الرقابة بعد النشر فيمكن إبلاغ اصحاب الحساب أو القناة على مواقع التواصل بشأن وجود مواد فيها كراهية أو تمييز عنصري أو ديني أو جنسي ما إلى ذلك، وعندها يتم حذف تلك المنشورات من هذا الحساب أو ذاك”.

وأردف: “يمكن للجهات الرسمية أن تخاطب منصات التواصل الاجتماعي بتقرير مفصل في حال وجود مخالفات قانونية وجنائية، وعندها ترسل إدارات مواقع التواصل لجهات إنفاذ القانون في تلك الدول كافة المعلومات الضرورية التي تساعد على ملاحقة الجناة في حال كانوا متواجدين على أراضي البلد نفسه، أو بالإمكان ملاحقتهم عن طريق الشرطة الدولية (الإنتربول) إذا كانوا ينشرون من بلدان أخرى، وهناك سوابق حصلت بهذا الشأن في عدد من الدول مثل المغرب والجزائر”.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..