التاريخ هو الأسطورة الأخيرة للمجتمعات الحديثة

طاهر عمر
كلود ليفي اشتروس دوما يفتخر بأن أستاذه الذي بهره بفكره المتميز هو عمانويل كانط وكان عمانويل كانط يفتخر بأن أستاذه على الدوام هو سيد القرن السادس عشر أي ميشيل دي مونتين ويعد ميشيل دي مونتين أحد الانسانيين الكبار وهذا ما جعل كلود ليفي اشتروس يضيفه الى قائمة أفتخاره ويفتخر دوما بأنه مدين لكل من عمانويل كانط وميشيل دي مونتين.
لهذا السبب نجد إهتمام كلود ليفي اشتروس بفكرة الانسانية التاريخية والانسان التاريخي التي تفترض وفقا لأفكار عمانويل كانط أن الانسان دوما عقلاني وأخلاقي كما يرتكز علم اجتماع منتسكيو على إفتراض عقلانية الفرد وبعده الأخلاقي وبالتالي يصير التاريخ في منهج كلود ليفي أشتروس الأسطورة الأخيرة للمجتمعات الحديثة.
في بنيوية كلود ليفي اشتروس يؤكد أن إختلاف اللغات وإختلاف الثقافات تختبئ خلفه وحدة الانسانية النفسية وبالتالي لا يحق للمبشر المسيحي أن يبشر بورورو الهندي الاحمر حتى يعتنق المسيحية وهذا الحديث لكلود ليفي اشتروس لو سلطانه كضؤ على مجتمعنا السوداني يمكنك أن تقول لا يحق لمنظمة الدعوة الإسلامية أن تدعو الكجور في جبال النوبة كي يترك ثقافته ويدخل الى الاسلام لأنه في نظر كلود ليفي اشتروس أن الاختلاف بين الكجور والمسلم والمسيحي يؤشر لوحدة الانسانية النفسية.
وبالتالي يجب المحافظة على ثقافة الكجور ولغات أهل جبال النوبة وعدم التساهل في تدميرها لأن في إختلاف الثقافات واللغات تختبئ وحدة الانسانية النفسية. بالتأكيد فكر كلود ليفي أشتروس يصطدم مع ثقافة المدافعين عن الثقافة العربية الاسلامية التقليدية حيث ترقد اللغة العربية كلغة قرأن ولغة أهل الجنة وبالتالي مسألة مساواتها بلغات النوبة في جبالهم ولغات أهل جنوب السودان ضرب من الجنون.
عندما نقول المدافعين عن الثقافة العربية الاسلامية التقليدية لا يقتصر قولنا على آداب الدكتور عبد الله الطيب وتلاميذه كتقليديين يأبدون قداسة اللغة العربية بل يدخل في قطيعهم المؤرخ السوداني التقليدي الذي غابت عن آفاقه المشاريع النقدية التي ترتكز على التفكير النقدي.
لهذا نجد إزدهار دراسة المؤرخيين السودانيين للطرق الصوفية ومحاولة دفاعهم عن فكرة صحيح الدين لأنهم أي أتباع الدكتور عبد الله الطيب والمؤرخيين السودانيين قد سجنوا أنفسهم في سجن لغة متخشبة كما يقول عالم الاجتماع الفلسطيني هشام شرابي في محاولاته مفارقة فكر اللغة العربية المتخشبة تحت رحمة حراسها التقليديين ودعوته لأحياءها لكي تكون قادرة على التفكير من جديد في ظل فكر عقل الأنوار.
ومعروف أن الدكتور عبد الله الطيب يضمر كره شديد وغير مبرر لعلماء الاجتماع والانثروبولوجيين وبحكم أنهم قد سحبوا البساط من تحت أقدام رجال الدين ويحاول الدكتور عبد الله الطيب في الجزء الأول والثاني من كتابه المرشد الى فهم أشعار العرب وصناعتها التكشير عن أنيابه كرها لعلماء الاجتماع والأنثروبولوجيين محاولا إرجاع الأبهة لرجال الدين كما يفعل المؤرخيين التقليدين السودانيين.
وقد رأينا بحوثهم أي المؤرخيين السودانيين التقليديين وتمحورها حول فكرة صحيح الدين وهنا بالمناسبة أيها القارئ تحتاج للتركيز حتى ترى وجه الشبه بين فكر الدكتور عبد الله الطيب والمؤرخيين التقليديين وخدمتهم لفكرة صحيح الدين وبسببها قد عم الهوس الديني ورأينا كيف كرم حزب الأمة المؤرخ محمد ابراهيم ابوسليم في تكريسه لسطوة تاريخ المهدية عبر وثيقته المقدسة وكيف كانت بحوث على صالح كرار لصالح الفكر الديني حيث تبحث عن فكرة صحيح الدين في خدمته للصوفية.
ولك أن تضحك أيها القارئ وأنت تقراء للنخب السودانية الفاشلة وهي تظن أن وحدة السودان لا تكون ممكنة إلا بعد نشر الاسلام وإنتشار اللغة العربية ومن هنا جاءت أوهام عرس الشهيد حيث فوّجت الحركة الاسلامية أتباعها بلا رحمة صوب محارق الجنوب وكله بسبب الوقوف الذي كرسه لهم عبد الله الطيب وتلاميذه و هو يكتب لطه حسين عميد الادب العربي بعد فشل الأخير في أن يجعل من عبد الله الطيب طه حسين في السودان.
وكان رأي عبد الله الطيب بأنه قد قرر بأن يكون بجانب التراث والدين والامة ولك أيها القارئ أن تقيس الفرق بين الدكتور عبد الله الطيب وكلود ليفي اشتروس الذي يتحدث عن وحدة الانسانية النفسية التي تختبئ خلف إختلاف اللغات وخلف إختلاف الثقافات وعندنا يشترطون انتشار الاسلام وانتشار اللغة العربية لقيام سودان موحد يقضي على ثقافة الكجور ولغات النوبة في جبالهم ولغات أهل الجنوب.
في وقت وصل الفكر عند أمثال كلود ليفي اشتروس بأنه لا فرق بين الكجور في جبال النوبة والاسلام وبالتالي لا يحق للدعوة الاسلامية أن تدمر ثقافات النوبة في الجبال ولا يحق للنخب الفاشلة أن تدمر لغات وديانات النوبة في جبالهم والجنوبيين في جنوب السودان من أجل سيادة الاسلام وانتشار اللغة العربية التي يظن المثقف الفاشل أنها لغة أهل الجنة.
عبد الله الطيب عندما سافر لبريطانيا للدراسة كان يصادف تاريخه بلورة كلود ليفي اشتروس لفكرة التاريخ والانسانية التاريخية وحينها لم تمضي على قيام الاحزاب السودانية أكثر من ثلاثة او أربعة سنوات.
لو كانت النخب السودانية مطلعة على ثقافات الشعوب الأخرى ومفكرين امثال كلود ليفي اشتروس لما وقع السودان ونخبه الفاشلة في فخ أن وحدة السودان تتطلب انتشار الاسلام وانتشار اللغة العربية ولما انتشرت ثقافات المدافعين من النخب الفاشلة عن الثقافة العربية الاسلامية التقليدية حيث عمت فكرة الحديث عن الهويات بدلا عن الحريات.
وبسببها غابت فكرة المشاريع النقدية التي ترتكز على التفكير النقدي الذي يحجم إستثمار رجال الدين في الخوف المرضي الذي يسيطر على رؤس نخب تقلقها فكرة الخلاص الأخروي وكله بسبب سيطرة أفكار المؤرخ التقليدي السوداني الذي ما زالت بحوثه بعيدة كل البعد عن فكرة أن الانسانية التاريخية قد وصلت الى مستوى قد أصبح التاريخ في نظر كلود ليفي اشتروس الأسطورة الأخيرة للمجتمعات الحديثة.
كما قلنا في أعلاء المقال أن الانسانية التاريخية قد وصلت لمستوى من نضوج العقل الانساني أي مجد العقلانية وإبداع العقل البشري وفي ظلهما قد أصبحت السياسة بديلا للدين وأصبحت الديمقراطية كصيرورة بديلة للدين ونحن في زمن الايمان الحر أو ما بعد الملة كما يقول الفيلسوف التونسي فتحي المسكيني في إبداعاته.
وكذلك اننا في ظل تغيير ميتاسوسيولوجي قد أدى لنهاية الميتافيزيقيا وهنا يلتقي كلود ليفي اشتروس مع استاذه عمانويل كانط عندما وصل في انثروبولجيا كانط الى فكرة فصل الميتا عن الفيزيقيا وبالتالي فصل الدين عن الدولة ولا يكون بغير ترسيخ فكر ذو نزعة انسانية ولا يمكن تحقيقها بغير القطيعة مع تراث النخب السودانية الفاشلة.
وفي الاخير أن عنوان المقال جاء لأن كلود ليفي اشتروس مهتم بدراسة الاسطورة لدي الشعوب التي رفض كلود أن يطلق عليها صفة البدائية وعنده أنهم عبر الأسطورة يفسرون بها غموض الظواهر الاجتماعية و بالتالي التاريخ ما هو إلا أسطورة أخيرة للمجتمعات الحديثة.
اللغة العربية في السودان حالها كحال اللغة الانكليزية في بلدان بها تنوع ثقافي كبير و تعدد في اللغات كحالة نيحيريا و دول مثل النيجر و السنغال. هي فقط وسيط للتواصل بين قوميات لها لغات مختلفة . مثلا في الهند اللغة الهندسية وسيط للتواصل بين قوميات لها لغات مختلفة . لم تعمل النخب علي نشر واللغة العربية و لكن كانت العربية في السودان هي اللغة الرسمية و لغة الكتاب المدرسي . اين هذه الفكرة البسيطة في كتابتك حول ان التاريخ أسطورة. تاريخ ليس أسطورة هو مجموع ما حدث في الماضي و ينتج عما حدث في الماضي ما نعيشه اليوم علي الصعيد المادي و علي صعيد الوعي . مثلا العنقريب تاريخ مادي و كذلك الكسرة فهل هذه أساطير؟ شكرا علي المقال و شكرا علي فتح ملف الهوية بهذه الطريقة . لكن في السودان ما هو البديل للغة العربية كلغة رسمية