أسرار الحياة الغامضة

(أسرار الحياة الغامضة) .. (القاهرية) تُثير الجدل و(الجزائرية) تبدأ في التوهج
أحمد يحيى زقلي
على مدار شهر كامل ، ومنذ أنّ أطلت الطبعة القاهرية من كتابي (أسرار الحياة الغامضة) برأسها في معرض القاهرة الدولي للكتاب المنقضية فعالياته مطلع الشهر الفائت ، والكتاب يثير الجدل . واخيرا وبعد ان حطّ الكتاب بدفتيه المُحلقتين في الجزائر وجدتُ ان الإقبال عليه كبيرا ، وبدأت الطبعة الجزائرية تتوهج.
إثارة الجدل أمر يبحث عنه البعض ، من اجل تحقيق مكسب الشهرة او الإنتشار ، وربما مآرب أخرى . ولست من هُواة الشهرة التي تنتهي عند حد الشهرة أي الشهرة لمجرد الشهرة.
ولكن بالطبع يُسعدني أن ينال كتابي حظا من الشُهرة ، رغبة في أن يستفيد القُرّاء.
لكن في الحقيقة ، إن هذا الجدل الدائر يرجع إلى عدة امور ؛ على رأسها الظهور المفاجيء للمؤلف والمؤلَف. فلم يقم المؤلف (صاحب هذه الكلمات) بأية دعاية عن الكتاب . وأعترف أن ذلك كان مجازفة ، ولكنها محسوبة.
ومما يستحق الإنضواء تحت (خانة) أسباب الجدل ، هو فحوى الكِتاب والذي أعترف أنه أقام الدنيا ولن يُقعدها مرة أخرى. فالكتاب يصطدم بعددٍ كبيرٍ مما كان يُظن أنه حقائق ومُسلّمات. كالحياة في البرزخ والتي نفيتها عن كل الموتى باستثناء الشهداء الذين قتلوا في سبيل الله ، فهولاء استثناهم القرآن الكريم من قاعدة الموت، فقال تعالى : (وَلَا تَقُولُوا لِمَن يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ ۚ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَٰكِن لَّا تَشْعُرُونَ) {البقرة:154}.
ولذا وبعد البحث والتدقيق لسنوات توصلت إلى أنّ البرزخ موتٌ فقط ينقسم إلى نوم ويقظة . وهذا ثابت في النصوص النبوية الصحيحة. ولم يستطع انكاره .
بعض العلماء الذين تناقشت معهم.
ومما أثار دهشة علماء النفس أنني خصصت فصلا كاملا من الكتاب وللحديث عن الوعي ، ناهيك عن كثيرا من الحديث عن الوعي في باقي فصول وأبواب ومباحث الكتاب.
وفي هذا الإطار نفيتُ وجود شيء اسمه (اللاوعي) ووضعت تصورا جديدا للوعي يؤكد أنه لا يغيب عن الإنسان سواء في يقظة او نوم وسواء في حياة او في موت. وبهذا يصطدم الكتاب مع علم النفس الذي يدرس اللاوعي باعتبار انه يغطي الجزء الاكبر من حياة الإنسان، وينفي وجود الوعي في الموت والنوم والغيبوبة والسكر والجنون.
التصور الجديد الذي وضعته يقول بأن الإنسان يتنقل بين أنواع مختلفة من الوعي. وأن ما يظنه البعض لاوعي هو في حقيقته وعي من نوع آخر. مقسِّما التاريخ الإنساني إلى حياتين وميتتين كلها تشمل وعيا. وقد استندت في هذا التقسيم إلى القرآن والسُنَّة والعلم الحديث.
على سبيل المثال ، فالسكران لا يُعد فاقدا للوعي بل إنه انتقل الى وعي آخر ، يمر به كل من دخل في نوبة من السُكر. والامر نفسه بالنسبة للمس الشيطاني الذي هو في حقيقته نوع من الصراع على الوعي. إذ يُحاول الشيطان السيطرة على وعي الإنسان في مقابل رفض الممسوس الانضياع له ، ومن هنا يحدث الصراع.
وهنا أود أن ألفت الإنتباه إلى أنّ الإنسانَ الذي يُعاني من المّس الشيطاني يرى الشياطين ويسمعهم ويصارعهم جسديا ، وفي نفس الوقت يرى محيطنا البشري. ولكن يكون وعيه أعلى هناك مع الشياطين لأنهم بمثابة عدو له لم يعتد على رؤيتهم ولا يريد ان يترك نفسه لهم ليصرعونه ويسيطروا عليه ، لذا يُحاول العودة من هناك بكل ما يمتلك من قوة نفسية وعقلية.
وأشير هنا أيضا إلى أنّ المجنون يعيش نوعا خاصا من الوعي وأنّ المرضى من هذا النوع متفاتون في درجات الوعي مثَلهم كمثلنا تماما. وأما النظرة التي ينظر بها المجتمع كثيرا إلى طبيب الامراض النفسية والعصبية على أنه مريض ويعاني ويحتاج إلى زيارة طبيب نفسي آخر ، فقد فسرت ذلك في كتابي كالتالي: فدور الطبيب هو الوصول للتشخيص الصحيح والدقيق للحالة وهذا يتطلب منه الدخول او على الاقل الاقتراب أكثر من وعي الجنون ومن درجة وعي المجنون الذي امامه ، وهذا يجعل الطبيب يتقمص او يحاول تقمص وعي مقارب لوعيه . ولان الطبيب يتعامل مع عدد كبير من الحالات ، وكل منها لها درجة مختلفة من الوعي فإن ذلك يعني تقمصه لعدد كبير من درجات وعي الجنون ، وهذا الامر بالطبع يؤثر على وعيه السليم كطبيب.
الكتاب مليء بالمعلومات المتعلقة بالوعي . وقد قدّمت عددا كبيرا من الادلة التي تؤيد ما ذهبت إليه من نفي وجود (اللاوعي). كما وضعت اسبابا تقف أمام وضع مقياس موحد لجميع أنواع الوعي.
كيف تنال الشهرة بلا استحقاق معرفي حقيقي لما طرحت في كتابك – فالكلام عن الوعي يقتصر على الوعي بالذات أي معرفة الذات أي أنك تعرف أنك أنت جسداً ونفساً – وهذا الوعي بالذات أو النفس يذهب معها عند وفاتها وموت الجسد بذهاب الروح أو انطفائها – لاحظ مصطلح الوفاة للنفس بقبضها أو ذهابها بعد موت الجسد فهي لا تسكن إلا الجسد الحي بوجود الروح سر حياة الجسد فإذا انطفأت أو أزهقت الروح مات الجسد وبقيت النفس مع وعيها بذاتها خارج الجسد، أين؟ البرزخ هو تستلزمه عقيدة الحياة الأخرى والحساب. أما الجسد بدون الروح فهو مجرد مادة من مواد الكون الجمادات يبقى ويتحلل في الأرض إلى مكوناته الأولية التي صنع منها. فالجسد يبقى في القبر إلى أن يتلاشى وأما النفس فتبقلا في البرزخ إلى يوم البعث والحساب. فالبرزخ حقيقة منطقية عقائدية تبقى فيها النفس واعية بذاتها وبالحقائق الكبرى التي كان يحجبها الجسد بجوارحه المحدودة وعند خروج النفس من قيود الجسد تصبح أكبر حرية وادراكاً للعالم غير المدرك بجوارح الجسد. وهذه المسلمة الدينية المنطقية بوجود البرزخ لا سبيل إلى نفيها إلا من عائد للحياة بعد الممات موتاً حقيقياً. قلعل فكرة كتابك هي موضوع موت الجسد وليس وفاة النفس، فالجسد يرقد في القبر إلى يوم يبعث. والبعث يكون عقلاً إما بإعادة الروح إليه ومن ثم عودة النفس إلى الجسد الحي (وإذا النفوس زوجت) أي قرنت بأجسادها ذاتها التي فارقتها أو تُلبسُ (أي النفس) جسداً حياً آخر (كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُم بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا (56 النساء). فالجسد لا يعذب لذات ولا ينعم في الجنة لذاته وإنما كمادة مساعدة لتعذيب النفس أو لتذوق النعيم ولذلك يجوز القول بعدم بعث الجسد ذاته، لأن الجسد لا يبقى ذاته منذ الولادة وحتى الموت فيزيد وينقص أثناء الحياة ولو يبعث الناس بكل ذرة شكلت أجسادهم لبعثت وهي في حجم الجبال! ومصطلح اللاوعي هو الوعي الباطني والذي يظهر وينشط في حالة غياب الوعي الحي المسيطر على الحواس والجوارح والشعور كالذي يدفع تصرف النائم والسكران أو المخدر إلخ وهو شبيه بالوعي اليقظ في استخدام الجوارح فيتكلم النائم ويرى الأحلام ويمشي ويحرك الجسم.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
تحية لكم استاذنا (الكيك). سعيد بتواصلكم وبردكم على هذا المقال .
أود أن أبلغكم انني في البداية انفي وجود حياة في البرزخ. لان البرزخ حياة. إذن انا أنكر وجود الحياة في البرزخ ولا انكر البرزخ ذاته. فالبرزخ هو موت وهذا ثابت في القرآن في ايات عديدة. ولا يوجد نص واحد يشير الى وجود حياة في الموتة البرزخية.
اذن اين المشكلة؟
مشكلتي هنا مع تسمية هذه المرحلة بانها حياة فيما ان الله ثم النبي الكريم ذكر انها موت. فلا يجب علينا تن نسمي الأمور عكس ما اسماها الله.
فمن اين اتت المشكلة؟
المشكلة اتت من تشابه بعض الامور في البرزخ مع التي في الدنيا مثل التزاور والكلام والسمع والنوم واليقظة. لذلك اختلط الامر على الناس وقالوا ان في البرزخ حياة.
وكان الاولى ان نسمي الاشياء باسمائها.
لكن هناك مشكلة اخرى ادت للخلط الا وهي : الخلط بين الروح والنفس وبالتالي الخلط بين وظيفة كل منهما. فكيف نفك الخلط؟
الواقع انني توصلت الى ان النفس دورها اعطاء الانسان الحياة وخروجها لا يتم الا مرة واحدة عند الموت ولذا تحدث سكرات وينزل ملك الموت وملاىكة العذاب او الرحمة معه لاستخلاص النفس.
ولو نظرنا الى الاحاديث التي تتحدث عن الموت لوجدنا ان ملك الموت يقول: ايتها النفس الطيبة.. ايتها النفس الخبيثة.
اذن هو حديث موجه للنفس حصرا.
ولو نظرنا الى الاحاديث التي تتحدث عن النوم لوجدنا ان لا وجود لملك موت. في مقابل ذلك نجد كلمة (روح) في اشارة الى ان دورها اعطاء الانسان يقظته وخروجها ينيم الانسان.
ولو طبقنا هذا المفهوم على الآيات القرآنية لظهر لنا ذات الامر. ولكن
هناك اشكالية اخرى: القرآن يستخدم كلمة (يتوفى) للدلالة على الموت وللدلالة على النوم. ولكن الامر ليس صعبا فالتوفية تعني القبض والامساك سواء للروح او النفس.
(هو الذي يتوفاكم بالليل) اي ينيمكم.
(فلما توفيتني) كما قال عيسى بن مريم .. اي انمتني.
(أني متوفيك) قالها الله لعيسى .. اي سانيمك وارفعك اليّ نائما.
(الله يتوفى الانفس حين موتها والتي لم تمت في منامها .. الآية) فتوفية الانفس هنا اي انامتها اي اخراج الروح بعيدا عن النفس. والآية تتحدث عن التقاء ارواح النيام الموتى والنيام الاحياء. وانظر في ذلك قول السدي وقول ابن عاشور مثلا.
وفي القبر يقظة ونوم..
فالمؤمن اذا أُقبر ردت اليه الروح ليس لكي يحيا ولكن ليستيقظ.. فيسمع ويرد وهكذا.
ولما ينتهي الملكان من حساب المؤمن يُقال له : نم.
وهذا الحديث موجه للنفس وليس الجسد. لان النفس اذا اعيدت للجسد اصبح حيا وكأن موتا لم يكن اي اعادة احياء وهذا لا يحدث.
قول الملكان للنفس نم.. تعني خروج الروح منه فقد ردت اليه من اجل اجراء السؤال عليه اما الان فلا داعٍ لبقائه يقظا .
وخروج روحه تعني ذهابها الى الجنة حيث تسكن حواصل طير خضر كما في الاحاديث.
اذن توفية النفس الميتة يعني انامتها باخراج الروح منها اي ابعادها عنها. فهنا تنام النفس وتذهب الروح الى الجنة. وفي الجنة تسرح وتقابل باقي الارواح التي على شاكلتها اي ماتت ونامت في موتها ايضا. كما تقابل الارواح التي مازالت نفوس اصحابها احياء ولكنها خرجت منهم ليناموا.
والاحاديث في هذا الباب كثيرة.
اذن الميت المؤمن يتكلم ويجيب وهكذا … هذا كله وعي. وعندما ينام وتسافر روحه في الجنة يقابل فلان وفلان ويذهب ويعود فهذا وعي.
اما الكافر فانه ترد روحه ايضا لتستيقظ نفسه.. وبعد ان يفشل في الاجابة يُبدأ في عذابه الى ان ياتي يوم القيامة.. وهنا نجد انه سمع ونطق اي واعٍ. كما ان عذابه هنا واقع على نفسه لانه مناط تكليف وهي التي خبثت فيقع عليها العذاب.
نلحظ ان الكافر اي نفس الكافر لا تنام.. اي لا تخرج روحه بل تظل لصيقة نفسه لتعطيها اليقظة ليستمر العذاب. فلا عذاب الا ليقظ. اما النوم فنوع من النعيم ولا نعيم للكافر.. اذن تظل روحه حبيسة مع نفسه المعذبة. وبقاء الروح هنا ليس لتعذب مع النفس بل كي تعطيها اليقظة فقط. لان الاحساس بمراكزه تبقى مع النفس مادامت مستيقظة.
اما اذا نامت النفس سواء في الحياة او الممات.. انقسمت المراكز الى الروح والنفس.. فالروح تطوف وترى ما طافت به وقابلته كالرؤيا وترسله الى النفس وتحديدا الى الذاكرة في العقل لتخزينه.. والنفس ترى الاحلام من الشيطان وتختزنها ايضا في ذاكرة العقل.
كما ان النائم اي الذي خرجت روحه له مداخل تخص الوعي تكون في النفس .. فاذا ناديت الناىم انتبه اي عادت اليه روحه فاستيقظ.
والادلة في هذا الجانب كثيرة.. فالمحتضر كيف يرى ملك الموت ويسمع الشيطان وهو يحاول تكفيره .. بالتاكيد ان وعيه هنا ينتقل من وعي الحياة الى وعي من نوع اخر يرى به هذه المخلوقات.
ورؤية الملائكة في القبر نوع من انواع وعي الموت.
يقول تعالى: فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد.
وهذا يعني ان هناك اغطية على الوعي في كل مرحلة او في كل نوع من الوعي ولما ازيلت او كشقت اصبح البصر حديد. وقس على البصر باقي مداخل او وساىل الوعي.
تحياتي ويسعدتي التواصل معكم عبر الايميل.
[email protected]
شكرا على الرد على تعليقي. من خلال ردك شعرت أننا نتفق في أشياء ونختلف في بعضها. وأظن أن الخلاف ناتج عن وظائف مكونات الانسان جسداً وروحاً ونفساً. في البداية خلينا نتفق أن هذه هي المكونات الثلاثة للإنسان. وطبعاً تشترك معه بعض الكائمات الحية الأخرى بدرجات متساوية كما في الروح فهي عند النبات حتى والحيوانات ذات الخلية الوحدة والهوام والحشرات والزواحف والمائيات والطيور وبقية الحيوانات الأكثر تطوراً. أما النفس ففيها التفاوت ولا شيء يشبه نفس الإنسان إلا نفس الجان. فنفس الحيوان بأنواعه خاضعة لمؤثرات الطبيعة على الجسد فهي محدودة بحدود الحاجيات الضرورية في الغذاء والتكاثر أي حفظ النوع (الحياة) وحفظ النسل. وإن كانت لنفس الحيوان أية إرادة وعواطف ومشاعر تحركها فهي محصورة في هذه الحاجيات الفطرية الضرورية. فكلبك يعتادك ويتبعك لأنك تطعمه ويطيع زجرك له لأنه يعلم أنك سوف تؤلمه إن لم يطع. وله ذاكرة يختزن فيها نماذج معاملتك له. والذاكرة والعقل من متعلقات الجسد وجوارحه الفؤاد والسمع والبصر والشم والذوق إلخ والجوارج تعمل بالفطرة ولا تحتاج إلى إرادة من النفس تجعلك ترى ما أمامك أو تسمع ما يطرق سمعك من أصوات لإانت تفعل ذلك رغماً عن أنفك فتشتم الروائح العبقة والكريهة إلا أن تعطل جارحتك أو تحجبها عن المؤثرات. وهذا عمل إرادي من النفس، وفي الحقيقة تسيطر النفس على كل الجسم وجوارحه بتوجيهها إرادياً حسب رغباتها بما في ذلك حركة الجسم الإرادية وغير الإرادية بكتم الأخيرة مثل أن تمنع خروج آهة الألم من فمه خوف الإزدراء مثلاً وإن عجزت إرادة النفس من منع الشعور بالألم! وهكذا كذلك تسيطر على وظائف جوارحه غير الإرادية كسد الأنف من الشم أو عصب العينين من الإبصار وإلا فإن الأنف محتفظة بحاسة الشم والعين بحاسة البصر. فهذه الحواس والجوارح ووظائف الأعضاء الداخلية هي أمور فطرية ولا إرادية يقوم بها الجسد الحي والجسد يحيى بالروح – فالروح هي سر الحياة (هي من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا) وهذا العلم القليل ينحصر في معرفة وظيفتها ولا ينال طبيعتها ولا ماهيتها ولا كيفية عملها في الجسم. كلما نعلم أنها هي التي تجعله حياً، لأنه لو قطعنا الجسد أشلاء فإنها تفقد الجسد واتصال أعضائه فلا يصلح أن تمده بالحياة فتزهق الروح ويموت الجسد. فوظيفة الروح هي إعطاء الحياة للجسد لكي تقوم جوارحه وأعضاؤه الداخلية بوظائفها الحيوية اللاإرادية من نبض وتنفس وهضم ولتقوم حواسه بوظائفها اللاإرادية من شم ولمس وذوق وسمع وبصر إلخ؛ ومن ثم ليكون صالحاً لإدارته من قبل النفس الإنسانية والحيوانية على الأقل فيما يتعلق بحركة الأطراف والتواصل مع المحيط والبيئة المؤثرة كالتعامل مع موارد الغذاء والهلاك، وإن كانت بعض الحيوانات في كل سلوكها وتصرفاتها تصدر عن الطبيعة المفطورة عليها، فخوفها من عدمه وأنسها وتآلفها كله يعود إلى الحاجيات الضرورية الفطرية. ومن ثم فإن نفس الحيوان لا تندم على ما فعلت من أجل البقاء ولا تسأل عما تفعل كنفس الإنسان التي تدير كامل الجسد بجميع وظائفه كما أشرت فتوجهها حسب رغباتها هي أي النفس وعواطفها ومشاعرها وأحاسيسها النبيلة كالحب والاستلطاف والإيناس وغير النبيلة مثل البغض والحسد والانتقام والمسامحة والعفو إلخ. والنفس كما تدير الجسم وإمكانياته الحركية وجوارحه الإدراكية تستغل كذلك وظائف أعضائه الدماغية والعصبية والقلبية الحافظة لتجاربه الحياتية والمعلوماتية كالعقل والذاكرة والفؤاد فتستفيد من خدماتها في معرفة الأشياء والتعامل مع المؤثرات حتى يكون تصرفها وسلوكها إزاء ذلك تصرفاً واعياً وعن معرفة وإدراك – لأنها أي النفس تتحرك بإرادتها الممنوحة لها من دون بقية الحيوانات والجن فهم كذلك مزودون بنفوس حرة مختارة يتخيرون بها توجيه الجسم لأفعال معينة أو الامتناع عنها بحسب مايردهم الأمر بفعله أو النهي عنه ويدركونه بعقولهم أو بوازع من ضمائرهم المركبة في نفوسهم بالفطرة.
نخلص من كل هذا أن الجسم مجرد جماد وظيفته فقط هي تلك الوظائف الحيوية الحَيَوَانية التعينه على البقاء حياً صالحاً لأن تركب فيه النفس لتديره. ولا تركب فيه النفس إلا بعد تزويده بالروح لتبعث فيه الحياة – وهذه الوظيفة ليست مجال مساءلة عقلاً من غير نقل، فهي كالطاقة بالنسبة للآلة أو الوقود للمحرك ولا علاقة لها بالجسد وما يركب فيه من نفس وما تفعله النفس بالجسد ولا بالنفس إلا من حيث جعل الجسد صالحاً لعمل النفس. وحيث أن الجسد وهو مجرد جماد (تراب) يفعل كل فعل إما بإرادة الطبيعة (وظائف حيوية لا إرادية) أو بإرادة النفس (حركات ذاتية إرادية نفسية وليست جسدية أو روحية) – فالجسم والروح إذن ليسا موضع محاسبة ولا مساءلة وإذن فالمسئولية تقع على النفس الحرة المخيرة المزودة بالعقل والإدراك والمعرفة والإرادة التي تمارس بها ذلك التخيير عن معرفة وإدرك واختيار وحرية. وعلى هذا الفهم يمكننا متابعة النفس من قبضها من الجسد وعلاقتها بالقبر والجسد المقبور وعلاقتها بالبرزخ حيث تنتظر النفس بكامل وعيها بأنها نفس فلان وما يتكشف لها بالبرزخ من عوالم لم تكن تدركها بالعقل الدماغي الجسدي ولا تحسها بجوارحه المتعطلة بزهوق الروح. فقد تلتقي النفس بجسدها وروحه مرة أخرى في القبر عند سؤال القبر وقد لا تفارق تفارق الجسد فراقاً نهائياً لحين البعث إلا بعد سؤال القبر فقيل أن الميت يسمع ويرى مشيعيه ودافنيه مما يعني أن الروح وحدها التي فارقتها بينما مازالت النفس في الجوار أو فيه لحين اعادة الروح في القبر للسؤال ثم تنطلق إلى البرزخ وقد علمت مصيرها الأبدي إما خيراً أو شراً.
ونواصل،،،، بإذن الله
تحياتي استاذي..
جميل طرحك رغم اختلافي معك.
مصدري نقلي وفهمي عقلي!
النقل من القرآن والسُّنة أكد لي (في كتابي/ أسرار الحياة الغامضة):
أن الروح تعطي الإنسان اليقظة وبالتالي فخروجها يعني النوم.
وأن النفس تعطي للإنسان الحياة وبالتالي فخروجها يعني الموت.
وقد ذكرت عددا من الادلة على ذلك. ولا مانع من ذكر مثال:
النبي الكريم(ص) قال لصحابته لما ناموا عن الصلاة: إن الله أمسك أرواحكم، حتى اذا شاء ردها.
وكان يدعو بعد القيام من نومه: الحمد لله الذي رد إليّ روحي.
أما النفس فأمثلتها كالتالي:
١- يقول تعالى(وتزهق أنفسهم) أي يموتوا. فالنفس هنا المختصة بالموت والحياة. ولم يقل الله (تزهق ارواحهم).
٢- ويقول: (ولا تقتلوا النفس).
٣- ويقول ملك الموت عندما ياتي لقبض نفس المحتضر: أيتها النفس الطيبة … أيتها النفس الخبيثة.
أما الحيوان وسائر المُسّخرات:
فهي أنفس، بناء على ما ذكرت انا أعلاه من وظائف النفس اي الحياة.
أما الروح فلم يثبت أن لأي منها روح، رغم أنها تستيقظ وتنام. ويبدو أن مصدر نومها ويقظتها مختلف عن الإنسان.
لي قناة على يوتيوب باسم/ (اسرار الحياة الغامضة- احمد يحيى زقلي) فيها بعض الفيديوات التي تناقش امور من ذلك. أسعد باشتراكك والمتابعة
عرفني بنفسك وتواصل معي على الايميل .. تجده في التعليق السابق.. وهذا لنستفيد اكثر استفادة.
تقبل تحياتي.
واستطراداً لما سبق نخلص إلى أن النفس البشرية هي مدار الشخصية أو مكون الذات وليس الجسم (الشكل واللون والحجم أو الأنوثة والذكورة) أو الروح أو الجسم والروح معاً. فكل البشر من نفس واحدة (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا…الأعراف 189) و(الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ۚ…النساء1). وهذه النفس التي تمثلها هذه الشخصية الآدمية هي المسئولة بسبب الإرادة المختارة المركبة فيها والقدرة والسيطرة المزودة بها للإستفادة من الإمكانات المودعة بالجسم الحي بالروح من جوارح وحواس وأعضاء ودماغ وأعصاب وجنان أو فؤاد أو قلب لصنع العواطف والمشاعر وتخزين الأحاسيس واتخاذ المواقف. وبهذه الإمكانات المبذولة للنفس المريدة (صاحبة الإرادة والقدرة والسيطرة على أعضاء الجسم في تنفيذها) فهي وحدها موضع المساءلة والمحاسبة على ما تفعله بالجسم الحي. (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا) الشمس 7-10. فهي المسئولة عن تقوى وفجور الشخص (مَن) ومِن ثم فلاحه أو خيبته في الآخرة والدنيا. (وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي ۚ إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي ۚ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ سورة يوسف 53 والنفس بهذه الصفة والسيطرة هي المسئولة عن الأعمال ولذلك فهي باقية بعد موت الجسم وخروج الروح منه ولكن ليس بداخله أو فيه، بل بالبرزخ وهي خالدة فيه إلى يوم الحساب ومن بعده في الجنة أو النار إلى ما شاء الله. والنفس عند انفصالها عن الجسم في المنام أو الموت لا تفقد بذاتها ووجودها ومعرفتها لشخصيتها، فالشخص في الحلم وطوال أحداثه يرى نفسه هو ذاته بذات الوعي بذاته وهو يتصرف في اليقظة ويتعامل مع غيره. ولكن وعي النفس بذاتها قد لا يحمل معه ذاكرة تجاربها مع الغير من خلال وجودها بالجسم، فيرى الشخص في الأحلام كأنه في خضم أحداث جديدة أو لم تحدث له من قبل، بل يرى نفسه في محيط لم يذهب إليه ولم يره من قبل، وقد يتحقق ذلك في الواقع مستقبلاً فلا يستبينه ولا يتذكر هذا الحدث في الحلم إلا حينما يجد نفسه فيه حقيقة. وهذا دليل على أن النفس عند انفصالها من الجسد تصبح حرة طليقة غير محصورة في تجاربها السابقة وهي في الجسم وانما تخوض تجارب ومعارف جديدة غير مقيدة بماضي زمانها في الجسم بل تتعداه للمستقبل وللجسم. وهذا ما يسفر شهادة العائدين من الموت بعد فترة من الغيبوبة المستطيلة التي تؤكد انفصال النفس عن الجسد، فجلهم يجمعون أنهم لا يذكرون آلامهم التي أدت إلى الغيبوبة وأنهم وجدوا أنفسهم في البرزخ بصور مختلفة. فمنهم وجد نفسه في غاية السعادة بمحيطه ومشاهدته لمناظر وأحوال لأناس مبهجة، ومنهم من رأى مناظر سيئة لآخرين. وهذه الأشياء لابد أنها حقيقية تتكشف للنفس بعد مفارقتها الجسد ويؤيد ذلك رؤية الشخص عند حضور الموت حقائق لم يكن يراها قبل تحررر نفسه عن جسمه والذي قد لا يزال حياً ببقاء الروح فيه! فالنفس قد تقبض قبل خروج الروح تماماً وقد تظل قريباً في يد قابضها حتى يعيدها للجسم داخل القبر بعد ذهاب المشيعين وذلك لسؤال القبر ومعرفة مصيرها في البرزخ بعد سؤال القبر إما تلك المناظر المبهجة أو تلك المحزنة. اقرأ سورة التكاثر (أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ (1) حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ (2) كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (3) ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (4) كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ (5) لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ (6) ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ (7) ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ (8). بمعنى علم اليقين يحصل بعد الموت في القبر والبرزخ.
ولكن النفس كجوهر غير مادي لا تحاسب في الآخرة فتشقى أو تسعد إلا من خلال حشرها في مادة الجسم لتستشعر المتعة واللذة الحسية أو الألم الحسي وليس هناك ألم أو عذاب روحي. فلا علاقة للروح بسوء أفعل النفس أو حسنها – فهي فقط لجعل الجسم الذي تركب فيه النفوس أو تُزوَّج به حياً لتشعر النفس من خلال جوارحه ومراكز الاحساس فيه بمتعة السعادة وألم العذاب في الآخرة كما كان الحال في الدنيا.
والله أعلم وسنناقش تفسيرك لنصوص النقل التي اعتمدت عليها بإذن الله
تحياتي استاذنا .. سعيد بهذا التحاور بيننا.
قرات أنك تقول ان النفس هي المسؤولة عن التصرفات والأحداث والاعمال. وهذا صواب وهذا هو التكليف.
لكنك ذكرت ان الانسان عندما ينام تخرج نفسه .. هذا غير صائب .. لان الثابت في السنة النبوية ان النوم هو خروج الروح.
اذن فنوم الانسان هو خروج الروح.
وبخصوص ما يراه الانسان اثناء نومه فهو عدد من الامور:
الرؤية وهي من الله ويراها من خلال الروح التي خرجت من الإنسان فنام.
الحلم وهو من الشيطات ويراها الانسان من خلال النفس.. لان الشيطان تعاملاته مع النفس.. والنفس لم تخرج من الانسان النائم.. اذن الحلم من الشيطان والذي يدرك الحلم هو النفس.
هناك في النوم ايضا: حديث نفس.. وهو لا يتعلق بالرؤية او الحلم .. فهو حركة داخل العقل وتفكير في امور كانت تشغله اثناء اليقظة.
بخصوص ما يحدث في المستقبل؛ فذلك يكون بسبب الرؤيا .. لان الرؤيا من الله اما الحلم فلا يتنبأ بالمستقبل لان المشتقبل غيب والشيطان لا يعلمه.. كل كا يراه الانسان حتى في نومه سواء رؤيا او حلم او حديث نفس يتم تخزينه في الذاكرة سواء تذكره الانسان بعد يقظته او لم يتذكره.
تحياتي
يقول تعالىفي سورة الزمر: (اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا ۖ فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَىٰ عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَىٰ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (42)
أغلب أو كل المفسرين التقليديين لم يفهموا هذه الآية الفهم الصحيح لعدم معرفتهم بتركيبة الإنسان الحي ومكوناته الثلاثة الجسد والروح والنفس. أما الروح فبها الحياة أي لا يكون الكائن حياً بدون روح وبالتالي جسمه يتعطل عن وظائفه جميعها من حواس وقلب وتنفس وتمثيل الغذاء. فالجسم بدون روح هو جسم ميت والجسم الميت كما يفقد وظائفه الحيوية لا تسكنه النفس ولا تديره من خارجه. إذن بخروج الروح يموت الجسد وتنفصل عنه النفس التي تتحكم فيها بما لها من إرادة. وقلنا تنفصل النفس عن الجسم عند موته بخروج الروح من الجسم ولكن النفس خالدة لا تموت فتفارق الجسم. إذن بعد موت الجسم بخروج الروح لا يبقى غير الجسد الميت إلى حين يتحلل ويتلاشى ويعود إلى مكوناته الأرضية- وغير النفس التي لا تموت ولكن تفارق الجسد الميت بقبضها ومنعها من العودة إليه. وكيف تعود إلى جسد ميت لا يتحرك ولا يستجيب لرغباتها؟؟ إن النفس ليس لها خاصية الروح في إحياء الجسم فتقوم بدلها ولا الروح لها خاصية النفس فتحل محلها. فلا علاقة للروح بالنفس إلا في اجتماعهما فيه وهو حي. ومفارقة الروح للجسد هي الموت الحقيقي وهو خروج النفس والروح معاً من الجسد. وهذا معنى صدر الآية ((اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا) أي عند خروج الروح من الجسد ومفارقة النفس له كذلك. فالموت الحقيقي هو قبض الروح والنفس معاً والله عندما يقبض النفس وحدها في المنام يظل الجسم حياً بوجود الروح فيه، فالنائم الذي تحلق نفسه خارج جسده لا يزال حياً يقوم جسمه بكافة وظائفه الحيوية اللاإرادية من تنفس وإحساس وتفاعلات كيماية في أجهزته العضوية. ولكن لا حركة إرادية تصدر منه في غياب النفس التي هي الدينمو المحرك للجسم وأطرافه. ويعتبر الجسم بوجود الروح مع غياب النفس (قبل إعادتها إليه) ميتاً ميتة صغرى أو غير حقيقية لإحتمال أن يعيد الله النفس المقبوضة مؤقتاً في المنام وأن لا يقبض الروح قبل عودة النفس للجسم. فإن أراد الله له الموت الحقيقي في منامه أمسك النفس ومنع عودتها للجسم عند اسيقاظه وفي ذات الوقت يقبض روحه في غيبة النفس فيموت الجسم موتاً حقيقياً لا يقظة بعده من منامه. فهذا هو النص القرآني وهو كلام الخالق عز وجل الذي هو أعلم بما يفعل ويسمي أفعاله وآثارها بالحق فأراد بالوفاة امساك أو قبض النفس مؤقتاً أو أبداً، وأشار إلى الموت الحقيقي بموت الجسد (وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا ۖ فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَىٰ عَلَيْهَا الْمَوْتَ) وذلك بعدم إعادة النفس المفارقة للجسم في المنام إذا قضى عليها الموت (أي عدم عودتها أبداً) بخروج الروح من الجسم. فالله سمى امساك النفس المؤقت في المنام والمؤبد بخروج الروح في المنام وفاة – ففي كل الأحوال قال بوفاة النفس أي استيفاء أجلها المحدد لها في الجسم أو استعادتها من الجسم وحفظها إلى يوم الحساب. أما موت الجسد ولو في وجود النفس فيه حين خروج الروح فقد أشار إليه بلفظ الموت. هذا كلام العزيز الحكيم وهو وحده مصدر العلم ولفظه وحده تعالى هو الذي يحمل الإعجاز العلمي ولا إعجاز للفظ أي مصدر آخر مالم يكن اللفظ نفسه وحياً – أما المرويات عن صاحب الوحي فلا إعجاز في مرويات ألفاظه وإن صح إسنادها لأن كلام الله تعهد أمين الوحي بنقله كما هو كما تعهد مرسله بحفظه وشتان بين أمانة وضبط أمين الوحي في نقله وحفظه وبين نقل رواة السنة وضعفهم البشري في الضبط والذاكرة والحفظ باللفظ.
عليه يا أستاذي مؤلف الكتاب اختلف معك في أن الثابت في السنة النبوية ان النوم هو خروج الروح. ولا أظن السنة تقطع في هذه المسألة العلمية التجريبية ولا يصح الاحتجاج بها هنا فمهمة السنة هي بيان أحكام الدين من معاملات وعبادات وليس تفصيل خلق الإنسان وحقائق تشريحه وتحليل تركيبة وعمل مكوناته العضوية والروحية والنفسية. وإذ قال النبي الكريم ردت لي روحي بعد استيقاظه فلا يصح ذلك حجة على النوم موت بخروج الروح إلا إذا صح القول بأن الإنسان في حياته يموت ويحى آلاف المرات وحتى الذين لم يؤمنوا بالحياة الأخرى كانوا يقولون: (أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ 58 إِلَّا مَوْتَتَنَا ٱلْأُولَىٰ وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ (الصافات – 59)
وقال تعالى: (إِنْ هِىَ إِلَّا مَوْتَتُنَا ٱلْأُولَىٰ وَمَا نَحْنُ بِمُنشَرِينَ (الدّخان – 35)
وقال تعالى: (قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَىٰ خُرُوجٍ مِّن سَبِيلٍ (11) غافر
وقال تعالى: (كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم ثم إليه ترجعون ) – البقرة : 28
قال السدي : أميتوا في الدنيا ثم أحيوا في قبورهم فخوطبوا ، ثم أميتوا ثم أحيوا يوم القيامة. فلا أحد يقول بخروج روح النائم كلما نام وترد عليه عند استيقاظه. وإذا كان الجسم يفارق الروح عند النوم فكيف يبقى الجسد حياً بلا روح حتى ترد إليه ولماذا ترد إليه طالما بقي حياً بدونها؟ أما إثباتك للحيوانات والمسخرات النفس مكان الروح فقد جعلت النفس هي التي تمنحها الحياة وهذا يثير السؤال كيف ميزت بين نفس الحيوان الإنسان وكيف اتفقت معي في نفس الانسان بأنها هي المسيطرة برغباتها على الجسم وبالتالي هي الجزء المسئول عن عمله المحاسب عليه والثابت نقلاً أن الحيوانات تحاسب يوم القيامة فيقتص لها من بعضها ثم تكون تراباً؟
أما حديث النفس أو الشيطان أو الأحلام وعلاقتها بتجارب الشخص الحياتية فلا خلاف بيننا طالما ارتبط ذلك بالنفس ولكني ذكرت ذلك في سياق وعي النفس الدائم بذاتها حتى إن فارقت الجسم في النوم بما تعلمه من أمور تحدث لك في المستقبل حيث تحلق النفس متخطية الزمن وكافة حدود وقيود الجسد ومثل هذه الأحوال لا علاقة للشيطان بها ولا مصلحةله فيها فهي مجرد كشف غيبي مستقبلي.
في الختام، أعتقد أنه يلزمك مراجعة كتابك هذا وسوف ينهال عليك النقد ما لم تطرح أدلتك النقلية عن أمور علمية خالصة وليست دينية بالمرة وحتى إن كانت فيجب أن تعلم أن الدين من الخالق ولا يناقض طبائع خلقه إن لم يرشدها للفهم الصحيح بطبيعتها ووفقنا الله وإياكم.
تحياتي
مازلت اجد اختلافا في التالي:
النفس هي مصدر الحياة وليس الروح.
الروح هي مصدر اليقظة.
توفية النفس في الآية (الله يتوفى الانفس..).. ليس مقصود به الموت وإنما النوم.
عندما اراد ان يثبت لذاته العلية سبحانه الموت والحياة اثبت ذلك صراحة فذكر الموت والحياة.
اما التوفية في الآية فمقصود بها الإنامة.
لان توفية النفس معناها فصل النفس عن الروح. ولكن الذي يخرج هو الروح.. وهذا يحدث في النوم.
لذا تلتقي الارواح الخارجة من النائم الحي. ومن النائم الميت.
تقبل تحياتي.