مقالات وآراء

السناتور الخارق … وعجائب الزمن الكئيب !!

بشارة مانقو جدو

شعبياً يقال إنها قصة حقيقية جرت أحداثها في اقليم دارفور أبان عهد ما بعد الإستقلال وهي تجسيد مشين لإستغلال الجماهير البسطاء بضغضغة عواطفهم الدينية والعرقية وتغبيش ووعيهم وسرقة إرادتهم من قبل النخب السلطوية وشبكة حلفائها، ومن الأحزاب التقليدية وسياسيها الذين يلبسون بشكل برغماتي وغير أخلاقي جلابية الدين وطاقية العرق لتحقيق أهدافهم السياسية وطموحاتهم الشخصية ويستثمرون في ظلام الجهل ويرسخون عمداً الأمية والتبعية والرجعية والتخلف في أوساط المجتمع بغرض السيطرة علي الشعب وعقولهم ، ويصلون صلاة لا تمنعهم من إرتكاب منكر او أكل مال حرام أو قتل نفس بريئة ويرسمون في وجوههم علامات الصلاة تمثيلاُ وزورا ، ويتركون دقونهم يستطيل إدعاء بتقوى الله وغشيته ويتسابقون الي الحج كل عام علي حساب الشعب المسكين الذي يموت آلاف حرباً ، جوعاً ، مرضاً وفقرا وعندما رجوعهم يكتبون في جدران منازلهم الفارهة (هذا من فضل ربي). ويدعون الصوم تضامناً مع الفقراء والمسكين نظرا ولايهتمون بهم عملا ويخافون من ضوء النهار ومن جديد الأفكار وأنوار الثوار وحوارات الأحرار ويعملون ليل نهار علي إيقاف عجلة التقدم الانساني والتفكير العقلاني في محطات التاريخ القديم.

وهنا سوف اسرد لكم قصة نائبنا الهمام الذي زار ولاية جنوب دارفور  مرشحاً من حزبه في دائرة نائية تقع في أقصى أقاصي الولاية وهو لايعرف شيئاً عن المنطقة وتضاريسها وعدد ساكنيها ومطالب جماهيرها، وغالباً انه لاينوي سوى الفوز بمقعد البرلمان له ول حزبه النخبوي من دون أن يقدم شئ للجماهير الهادرة الذين ناصروه وهم يقفون علي جمر المعاناة وغليان التهميش المتعمد من الدولة وسياسيها. وهنا يجب أن يشكر علي زيارته تلك! لان هنالك عدد كبير من نواب البرلمان في تلك الحقبة التاريخية الغافلة لايعرفون حتي إتجاه دوائرهم الجغرافية ناهيك عن قضايا وهموم جماهيرها! فقط يفوزون وهم نائمون في بيوت عتيقة ومكيفة لاتزورها البعوض او الملاريا وبطونهم لم يذق طعم جوعاً يوماً وبناتهم وأبنائهم يدرسون في أرقى المؤسسات التعليمية في داخل السودان وخارجه باللغات الأجنبية ليكونوا قادة غد ! كما يقول السودانيين والسودانيات (قام من نومو ولقى كومو)! ويسوقون قصداً أبناء والبنات المسكين من الشعب الي الخلاوي ومؤسسات الأستلاب الأجتماعي والثقافي الممنهج بغرض إعادة إنتاجهم الي أتباع وهتيفة وكساري تلج وحاملي اباريق الأسياد لايميزون صديقهم من عدوهم.!
علي كل عند وصول سيد السناتور الخارق الي دائرته تم إستقباله استقبالاً جماهيراً حاشداً حيث تحرك أهل القرى بالحمير والخيل والجمال من كل حدب وصوب الي مقر إقامته لدعمه سياسياً ونيل بركاته الدينية!
حيث تم إنزاله في العوضة الوحيدة المبنية بالطوب في القرية وهي مكتب مدير المدرسة الوحيدة التي بنيت بالعون الشعبي.
وبعد إن انفض جموع المستقبلين تاركين سيد النائب في عوضته لينام هناك محروسة بحراسة مشددة من أهل القرية الذين تطوعوا مجاناُ لحماية نائب دائرتهم رغم البرد القارص في تلك الليلة المظلمة.
وعند منتصف الليل قرر سيد النائب إستخدام أحد معجزاته الدينية الخارقة وذلك بوضع بطارية مولعة تحت جلابيته وهو يدعي النوم شاخراً !! حيث أشاع من داخل ثيابه نوراً خافضاً كأنه خارجاً من جسمه!. وهو كان يعلم مسبقاً أن أهل دائرته لايعرفون شيئا عن البطارية ونورها بل لم يسمعوا بها مطلقاً،
وفي ذلك الأثناء لاحظ أحد الحراس الذين يرتجفون من شدة البرد أن ضوءاً ثقيلاُ يخرج من نوافذ المكتب وعندما إقترب منه قليلاُ فقليلاً فوجد أن سيد السناتور تحوّل بقدرة القادر الي كتلة كوكوبية مضيئة! كبر لله أكثر من مرة! معتقداً أن نائب دائرتهم صار ولياً صالحاً قبل موته! وأخبر باقي الحراس بالحادث والذين هرعوا الي داخل القرية وأخبروا أهلها النيام بالخبر السار ، وهب أهل القرية صوب المدرسة التي ينام فيها النائب الصالح بعضهم يتلوا آيات من كتاب الله واخرون يهللون شكراً لربهم الذي أهداهم نائب صالحاً لتمثيلهم في البرلمان القومي ويحقق لهم بعضأً من تطلعاتهم البسيطه التي تكمن جلها في حفر دونكي مياه ، بناء شفخانة صحية ، وتوفير كتاب واستاذ لمدرستهم الكرنكية(الكرنك)!
وفي خضم  ذلك الزخم المدهش الذي أختلطت فيه الدين بالسياسة قصداً بفعل سيد النائب الذي لازال يدعي النوم العميق وشخيره يعلو كلما كبر بسطاء القرية! وفجاةً استدرك أحد المواطنين أن إبنهم المتعلم الوحيد ومعلم المدرسة الوحيدة في القرية لم يكن حاضراً في الزفة ، حيث هرع مسرعاً الي منزله لإخباره بالخبر العظيم الذي زلزل أركان القرية ، وعند وصوله الي منزله وجده جالساً في كرسي بلاستيكي مهترئ وواضعاً أمامه مئات من كرسات الطلبة والطالبات المدرسة ويصحح فيهم بالقلم الأحمر وبعد تصحيح كراسين تلاتة يحتسي كأساً من دلنق البخو الذي يتكي علي يمينه ، وقطيته هي الوحيدة في القرية التي تنيير حتي ساعات صباح من الليل بنور اللمبة (المسرنجة) ومولوثة بدخانها الكثيف أيضاً، وظل أستاذنا في حالته منذ سنين يؤدي واجبه المهني كمعلم الوحيد في القرية كاسراً كل الحواجز وقافزاً فوق كل التحديات والصعاب التي تحاصره من كل الجوانب ، وبينما هو منكب في إنجاز مهامهِ قبل منامهِ إقتحم صاحب الخبر قطيته من دون أي مقدمات وهو يصرخ ويكبر ويهلل ، سأله الأستاذ باندهاش الحاصل شنو؟ رد عليه صاحبنا دا خبر عظيم ، قوم قوم أمشي معي الي المدرسة عشان انت تشوفو بعيونك وناس القرية كلهم الآن في المدرسة.
وترك استاذنا واجبه المقدس وهرع مع صاحب الخبر الي المدرسة معتقداً أن أمراً خطيراً قد حدث في القرية ، عند وصولهم الي ساحة المدرسة وجد أهل القرية يحاصرون مكتبه ولا صوت يعلو صوت الهتافات السياسية والشعارات الدينية تمجد النائب الصالح وحزبه المجيد . حيث تغلغل استاذنا الجموع الغفير ووصل بعد جهد جهيد الي شباك المكتب حيث شاهد ضوءاً باهتاً يشيع من ثياب النائب النائم.
ضحك أستاذنا ضحكاً كثيفاً حتي سكت الجميع وحسبوه مجنوناً وقال لهم من دون تردد يا جماعة زولكم دا كداب ومنافق وغشاش . الضوء دا ضوء بطارية ولو ماصدقين كلامي انتظروني دقيقة انا بكشف ليكم كدبة الرجل، وحاول استاذنا الدخول الي المكتب لكشف زيف النائب إلا أن أهل القرية هاجموه وضربوه ضرباً مبرحاً وهم يهتفون ضده نائبنا صالح وانت طالح ونائبنا صالح وانت طالح … الخ وبعد أيام واستاذنا مستلقي علي عنقريبه المهترئ تحت شجرة لالوباية وهو يتعالج علاجاً طبيعياً من الكسور والكدمات التي حدثت له في تلك الليلة الهالكة الظالمة. وفجأةً سمع خبر من نشرة الأخبار بفوز النائب الصالح بنسبة 99% ونظر أستاذنا الي السماء المشمسة بعين دامعة وإبتسامة باهتة أرتسمت في وجهه أحزان وعجائب الزمن الكئيب…! .

تعليق واحد

  1. وللاسف فالارزقية الذين كانوا يدعون بانهم يمثلون شعوب الهامش طلعوا منافقين انتهازيين كذابين وحرامية ، وخير مثال لذلك مناوي واردول وجبريل الذين امروا عليهم الطفل الخارق جعفر الميرغني وتامروا مع الكيزان الذين قتلوا اهلهم وهجروهم وشردوهم في معسكرات الذل والهوان

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..