مقالات سياسية
محاولات عسكرة الصراع السياسي ستفشل أيضاً !!

د. أحمد عثمان عمر
مليونية الثامن من مارس ٢٠٢٣م المواكبة لليوم العالمي للمرأة ، شهد تحية للكنداكات بمواكب ذات زخم متمسكة بإسقاط الإتفاق الإطاري وماترتب عليه ، ومؤكدة ضرورة محاسبة قتلة الثوار ، حيث تميزت بالمخاطبات التنويرية المتعددة ، واكدت ان إغلاق الكباري ومظاهر استعراض القوة ، لن تثن هذا الشعب العظيم عن تحقيق اهدافه وتصفية نظام الإنقاذ ولجنته الامنية الحاكمة ، لبناء دولة المواطنة وسيادة حكم القانون.
الوجود الفاعل في الشارع الثوري ، دلالة على قدرة الثوار على فرض ارادتهم وتكريس سلمية الثورة ، في مواجهة المحاولات المستميتة لعسكرتها والتي تتمثل فيما يلي:
١- العمل بجهد لتحويل التناقض الثانوي بين قيادة القوات المسلحة التابعة للإنقاذ وقيادة الجنجويد ، الى محرك رئيس للحدث السياسي ، وتصويره على انه مفتاح هزيمة الإنقلاب عبر تمرير الإتفاق الإطاري بإعتباره وثيقة الخلاص الوحيدة المقدسة. وفي هذا الاتجاه ياتي التراشق بين القيادتين الذي بدأ من القيادة المفروضة على القوات المسلحة وتبعه الرد من قيادة الجنجويد. والملاحظ لرد الاخيرين ، يلاحظ ان تصريحات القائد الثاني للمليشيا ، اشتملت على طلب تسليم السلطة للشعب دون تحديد آلية التسليم ، وتأكيد ان المليشيا من الآن فصاعدا لن تسمح بقتل المتظاهرين السلميين ، في إقرار واضح بانها كانت تسمح بذلك في السابق وهي قادرة على المنع. أما قائد المليشيا ، فقد صرح بأن الخلاص هو الإتفاق الإطاري لأن ذلك سيجلب الدعم الخارجي مثلما اكدت له الجهات الخارجية الدولية التي يتعامل معها ، وهذا هو سبب ايمانه بالديمقراطية فيما يبدو!! ولكنه أكد بألا خلاف بينه وبين القوات المسلحة ، وان خلافه مع من يرفضون تسليم السلطة للشعب ، وفي هذا تفسير للماء بالماء لأن من يرفضون التسليم هم قيادة القوات المسلحة الانقاذية !! . ومؤدى ذلك هو أن الخلاف موجود ، وأن الطرفين يستخدمانه كوسيلة للسيطرة على المبادرة في صنع الحدث بعيداً عن حركة الجماهير ، ولتخويف المواطنين من صدام وشيك ، وخلق مناخ يسهل تمرير الإتفاق الإطاري المتعثر بتداعياته ، وهذه عسكرة جزئية للصراع السياسي ، قد تنتهي بعسكرة شاملة في حال حدوث صدام مباشر بين القيادتين.
٢- السماح بتشكيل المليشيات التابعة للمؤتمر الوطني علنا ، مثل كيان الوطن الذي يقوده المتحدث السابق بإسم القوات المسلحة ، بدعاوى حماية المواطنين في وسط وشمال البلاد من تغول مليشيات اتفاق جوبا وتعدياتها ، واستثمار التداعيات السلبية لهذا الإتفاق الذي صنعته القيادة العسكرية الامنية للإنقاذ الحاكمة في البلاد ، والتي تحاول توظيف حالة الخوف الحقيقي الناتج عن سلوك مليشيات اتفاق جوبا المعادي للشعب السوداني ، لخلق مناخ يسمح بعسكرة الصراع بشكل كلي لطرد المدنيين الثوريين من الشارع وإجهاض الثورة السلمية.
٣- الترويج والدعاية في وسائط التواصل الإجتماعي لشائعات حول قدرات مهولة للمليشيات ، وكمثال لذلك الفيديو الذي يتحدث فيه احد منسوبي المليشيات وهو بجوار صاروخ من مخلفات ترسانة القذافي في ليبيا التي يقاتل فيها كمرتزق ، ويهدد بقصف المدن لخلق حالة من الرعب والاحساس بالحاجة للحماية التي تبرر العسكرة المضادة ، وتسمح بتعميم حالة التصالح مع تكوين المليشيات للقضاء على النشاط المدني الثوري المعارض.
٤- الترويج لإجتماع تم بين الاستخبارات العسكرية ممثلة في قائد محبوب لافراد هيئة عمليات جهاز الأمن المحلولة ، وعدة آلاف من منسوبي تلك الهيئة السابقين ، توطئة لضمهم جميعاً الى الإستخبارات العسكرية ، في توسعة واضحة لسيطرة الإنقاذ على المؤسسة العسكرية ، وتنشيط للمعادلة التي يتحكم فيها العسكريين في خارطة العمل السياسي ، بإعتبار ان الهيئة المحلولة كانت الذراع العسكرية الفاعلة سياسيا في المناطق الساخنة لجهاز امن الإنقاذ الذي مازال يعمل بصورة عادية. وهذا توجه خطير يوضح مدى فهم اللجنة الامنية لاصلاح المؤسسة العسكرية وما يعني تحكمها فيه وفقا للاتفاق الإطاري.
المظاهر أعلاه ، هي اعلان عن جوهر واحد ، هو الرغبة في عسكرة الصراع بشكل او آخر لإختطاف العملية السياسية وإجهاض الثورة السلمية وإفراغها من محتواها. وهي تستخدم حالياً لتمرير الإتفاق الإطاري وما يترتب عليه بإعتباره افضل من العسكرة ، ولتهيئة المناخ لعسكرة شاملة للصراع في حال الفشل ، حتى تتمكن الذراع العسكرية الأمنية للانقاذ في السلطة ، بدعم دولي واقليمي.
لكن مواكب أمي قالت بصوت عالي ان مثل هذه الالاعيب لن تمر ، وان الثورة السلمية حية ، وأن انتصارها قريب وإن رأته العصابة الحاكمة بعيداً.
وقوموا إلى ثورتكم يرحمكم الله!!! .