مقالات وآراء
الإيمان ذلك المنقذ من الضياع

ظِلَال القمــــــر
عبدالرحمن محمـــد فضــل
في كتابه (الصراع من أجل الإيمان) ، يروي البروفيسور الأميركي جيفري لانج ، رحلته من الإلحاد إلى الإسلام متناولا مرحلة مهمة في حياته السابقة فيقول إنه إعتقد في البداية أن السعادة تكمن في اللقب الأكاديمي ، وقد وجدها بالفعل يوم مناقشته لرسالته ، إلا أنها ما لبثت أن إختفت بمجرد عودته إلى منزله ، فكان كلما أراد إسترجاعها شعر بشيء من الخيبة ، حتى قال عن ذلك الشعور : (ما نحن سوى أحد الحيوانات التي تحاول أن تعيش سعيدة . هل هذا كل ما في الحياة ، نجاح يليه آخر.. وهكذا؟). ويصف لانج بحرقة نفسية الفرد الملحد وطبيعة علاقته وانفعالاته الفكرية والعقائدية والإجتماعية ، محللا سيكولوجيته الإنعزالية الهشة ، فيقول : (سرعان ما تعلمت أن لا أحد يعرف الوحدة كالملحد ، فعندما يشعر المؤمن بالوحشة فإنه يناجي من أعماق روحه ، الواحد الأحد الذي يعرفه ، ويكون بمقدوره أن يشعر بالإستجابة. ولكن الملحد محروم من هذه النعمة، لأن عليه أن يسحق هذا الدافع ويذكر نفسه بسخفه ، فهو إله عالمه الخاص وهو عالم صغير جدا ، وهو دوما في تناقص مستمر). ويكمل : (الملحد لا يشبع حاجاته شيء ، لأن عقيدته تخبره أن ليس للحياة هدف ، وأن ليس هناك شيء كامل أو شيء مطلق ، ولا شك أنه توجد دوما في أعماق الإنسان حاجة فطرية إلى تجاوز أبعاده المادية والإنجذاب إلى قوة ما وراء الطبيعة تلهمه وتقويه وترشده إلى الصواب. إننا جميعا نصبو للخلود ، وبمقدور المؤمن أن يتخيل السبيل لتحقيقه ، أما الملحد فعليه أن يفكر في حلول بديلة آنية). ثم يسرد قصة إيمانه التي ختمها قائلا عن نطقه لشهادة الإسلام : (كانت هذه الكلمات كقطرات الماء الصافية ، تنحدر في الحلق المحترق لرجل قارب على الموت من شدة العطش ، لقد شعرت بالحصانة والأمان والحرية ، لقد هويت في الرحمة النابعة من الحب الأسمى . لقد عدت إلى ملاذي ثانية) . فهذه العدمية القاسية التي عاناها لانج ، وهذا المعنى المنشود الذي وجده ، يشكلان الركيزة النفسية في الفارق بين الإيمان والإلحاد ، أو ربما بين الإنسان والشيء . تلك هي صرخة القلب التي تعلن أن الحياة أصغر من أن تكون كل شيء ، فلا شيء وراءها ، لا اتصال بعد انفصال ، ولا راحة بعد تعب ، بل لا عدل بعد ظلم. ولهذا يقول بول ديفيس : (لا أستطيع أن أصدق أن وجودنا في هذا الكون مجرد حدث فجائي ، أو طفرة عرضية في الدراما الكونية العظيمة. مشاركتنا في هذا العالم حميمية جدا ، لقد قصد حقا أن نكون هنا).