مقالات سياسية

الوَالِغُون فِي السُقُوطْ!!! (١-٢)

دُنْيَا دَبَنْقَا

د. نور الدين بريمة       يُحكى في الأثر القريب أنّ (مَرْفَعِينًا) مُفترسًا إلْتهَم تيْسًا في إحدى قرى دارفور، ووحل الخريف ما زال على أشدّه، وبينما كان المرفعين مُتخمًا ينوي الهروب إلى مكان يعصمه من سكاكين وعكاكيز أصحاب التّيسْ، فإذا بأرجله تغوص عميقًا وتغطس في ذاك الوحل الطّيني اللازب، مما صعّبت عليه الهروب و(المخارجة).       وظل المرفعين على حاله خائفًا يترقّب: مَدَدًا، غَوثًا أو عونًا، يحميه من قدرٍ محتوم، فإذا بالثعلب (أبو حليمة) المعروف شعبيًا بدهائه وذكائه وحسن تصرفه في مثل هكذا ظروف- يمرّ ملوحًا يداه من على البعد- فناداه المرفعين.. يا أبو حليمة أخوي، تعال طلّعني يعني (خارجني) من الورطة الأنا فيها دي.       فأجابه الثعلب ساخرًا: إنت الورطة شُفتها وين يا المرفعين أخوي؟!، بس خلّي الطّين دا ينشف، وناس التّيسْ (يجُوك) يأتوا إليك.. (شايْلينْ) وشاهرين عكاكيزهم وسواطيرهم، ولمّا (يلْقُو) يجدوا (كُرْعِينَكْ) غاطسة وإنت ما قادر تطلّعها من الطّين، حينها حتعرف الورطة الحقيقيّة شنو يا مرفعينو!!!.       هذه القصة والحكاية الأثرية .. إبتدرت بها زاويتي اليوم، لكأنّي عندما أرنو بنظري، فهي شبيهة بحال ومآل التجمع الإتحادي، الذي كادت خلافاته أن تبلغ سفوحًا ساخنة ومُثخنةٌ بالجراحات، بزعم البعض إستيلاء وسيطرة قِلة على مفاصل القرار الحزبي، وإبتعادها عن اللوائح والقوانين وعدم إحترامها للنظم الديمقراطيّة.       وبالتالي سيشكّل الوحل إعاقة لعملية الوصول للمؤتمر التأسيسي، لمّا أقامت القلة يومي (١٧- ١٨) من شهر مارس الجاري ورشة سياسيّة تنظيميّة .. أصدرت في ختامها بيانًا أكدت فيه ما هو معلوم ومؤكد، بل زادت على طينه شُقوقًا ووحلًا، بأنّ السودان يواجه مختلف التحدّيات السياسيّة والإقتصاديّة والأمنيّة.       لكنّها- أي القلة- إستنكفت أمرها ثم إستنكرته- عندما لم تتبع إعترافها بالتحدّيات- وعيًا حقيقيًا، مثلما لم تحرص كذلك على خضوع قراراتها وتوجيهاتها وخططها للنقاشات الداخليّة على أوسع مستوى، كما ذهبت في بيانها، الذي أتبعته: (في هذا الصعيد، عقد التجمع ورشة سياسيّة وتنظيميّة موسعة)، فالرائد لا يكذب أهله.       فيما نفى إتّحاديون آخرون موْسُوعيّة الورشة، وإتهموا القائمين على أمرها بالكذب والتضليل، وسخِروا منها لجمعها عددًا لا يزيد عن ثمانين مشاركًا، بدلًا عن المائة أو المائتين أو قل الخمسمائة، كما أنه لم يأتوا بهم من كل قطاعات السودان الجغرافيّة والمهنيّة والفئويّة، وولاياته الثماني عشرة- كما قالوا.       لأن واقعنا يؤكد- بعضهم- بأن الكل لم يكن حاضرًا- لا بالداخل لا بالخارج- ناهيك عن مناقشتهم لأهمّ التحدّيات التي تواجه التجمّع، على الصعيد الوطني والحزبي، إلا أن القِلة أشارت في بيانها أنه تمّ إستعراض أهمّ مشاكل البلاد على الصعيد السياسي، بجانب التحدّيات التنظيميّة التي تواجه التجمّع في الوقت الراهن.       كان ينبغي على المؤتمرين كما يرى بعضهم، أوّلا، إقرار تلك التحدّيات وجعلها قلادة إعتراف، ثم ثانيًا، العمل على مناقتشها في جوّ ديمقراطي شفّاف، يفضي إلى تمكين الحادبين على مصلحة التجمّع الإتحادي من معالجة الأزمة، ولكن اللّت والعجْن والإضّطراب والإصْطراع الذي ضرب جيوبهم ووقع فيما بينهم..       هو ما دفع رئيس المكتب التنفيذي بابكر فيصل، إعلان رفضه صراحة لمسار الورشة والخروج من القاعة، ليترك خلفه جملة (دا ما الإتفاق الكان بينّا) تتجاذبها ألسن الشامتين، وبالتالي كلها أسباب منطقيّة وجوهريّة تعزّز من ضرورة المضي نحو الإصلاح، حسبما يخطط له حكماء التجمع، لتحقيق الأهداف.       للعمل على إستعادة شفافيّة وديمقراطيّة النقاش، فالتوصيات إبتعدت كثيرًا عن ملامسة الأزمة الحقيقيّة، لدرجة أن سؤال الثعلب القائم المُتجدّد.. إنت الورطة شفتها وين؟!، ربما لن تجد الإجابة في الوقت الراهن، حيث أشار المؤتمرون أنهم تناولوا كافة القضايا السياسيّة والتنظيميّة التي تم إستعراضها في الورشة.       في مقدّمتها فك تجميد المكتب السياسي، وإعادة تشكيله وفق ما حدّدت اللائحة التنظيميّة، ومنح المكتب صلاحيّة إنتخاب رئيسه ونوابه ومقرّره، ليعقد أول إجتماعاته مباشرة بعد عيد الفطر المبارك، ليتبيّن للثعلب وصحبه المرفعين، أن القِلة ستدخل التجمع في كوْمة من الورْطات، طالما أن طين سياستها تزداد وحَلًا ونشافًا يومًا بعد يوم.       كذلك أوصت الورشة بفك ما أسمته بالتعارض بين اللجنة العليا للمؤتمر العام، والهيئة التنظيميّة، ووضع التوضيح المضبوط لمهامهما وصلاحيّات كل منهما، لتتواصل مؤتمرات الحزب القاعديّة وفق جدولة زمنيّة محدّدة، للوصول إلى المؤتمر العام، علمًا بأن العلاقة بينها واضحة وضوح الشمس في كبد السماء ولا تعارض ولا لبس ولا غموض فيها.       فقط إنها في حاجة إلى فك التعارض بين وسَاوِسها الذاتيّة والمصلحة الحزبيّة، لأنّ السُقوط- مرّة ومرّتين- ليس فشلًا، بينما البقاء في الفشل هو السُقوط بعينه، ومن هنا نقول نعم لن تتوقف ورطات المرفعين، بل ستتفاقم طالما أن الورشة أوصت بتكوين لجنة متخصصة وإضافتها في هيكل الحزب.       بحجّة إدارة ملف الإنتخابات العامّة، ثمّ الشروع في الإستعدادات لأوّل دورة إنتخابيّة بعد ثورة ديسمبر المجيدة، الأمر الذي لم تجيزه أي لوائح أو قوانين، أو نظم، ما يبدو أن حال التجمّع الإتحادي، الذي تدار فيه المصالح الذاتيّة، دون النظر إلى المصالح القاعديّة، يحاكي بالفعل حال المرفعين المقبوع في عمق الوحل في إنتظار ناس التّيسْ.       ممّا ينذر بحدوث ورطة أو كارثة حقيقيّة، ما لم يتم تدارك الأزمة، قبل أن ينفد مداد الحوار وصبر الحادبين على الإصلاح من تسوية الإحتقان، وفي حال حدوث ما لا يُحمد عُقباه، فإنّه سيرتدّ إلى الجماعة المُتسلّطة، بل سترتدّ إلى الجميع تسلّطًا وغضبًا إتّحاديًا جماهيريًا، لن يبقي أحدًا ولن يذر.. حمانا الله وإيّاكم!!!.

تعليق واحد

  1. الطائفية الحزبية اقعدت البلاد واشقت العباد المشكلة افسدوا عليهم دينهم ودنياهم انها الختمية والانصارية والجبهجية والشيوعية والصوفية نريد احزاب مستنيرة لا تخضع لبيوت وكهنوت ووراثة سجادة ومثالية وغنماية الجيل الديسمبري لن يسمع بعد اليوم ولن يسجد ليعوق ويغوث ونسرا
    مرحبابكم ابناء الحرية والسلام والعدالة أمنيًا لوردات الحرب وكل الزبد الذي جاء به القتلة والمرتزقة والرتب الفالصو ولا ننسى ناس الخبث والبعث والناصريين الذين لا ناصر لهم باذن واحد احد

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..