هكذا استقبل السودانيون شهر رمضان
الخرطوم- عبد الحميد عوض
استقبل السودانيون شهر رمضان هذا العام ببعض الهواجس وكثير من الأمل، وتسعى الغالبية إلى المحافظة على طقوسها وعاداتها في الشهر الفضيل، على الرغم من المشكلات المعيشية والسياسية التي تضرب البلاد منذ سنوات.
تبدأ طقوس رمضان عند السودانيين قبل فترة طويلة من حلول الشهر، وتشمل تجهيز مشروب “الحلو مر“، وهو سيد مائدة الإفطار، وتقوم بتجهيزه النساء على مدار أسابيع عدة، تبدأ بمرحلة “تزريع” الذرة، مروراً بالطحن، وصولاً إلى مرحلة صناعته كرقائق مربعة، ومن ثم تخزينه لتناوله في الشهر الفضيل، وإرسال كميات منه للأقارب والأصدقاء والمغتربين كهدايا.
تتولى زينب صديق (70 سنة) إعداد المشروب الشعبي سنوياً، وتقول إن أول خطوة هي الادخار “الجمعية”، إذ تجمع المال منذ أشهر مع نساء أخريات في الحي بمنطقة سوبا، شرقي الخرطوم، ولما جاء دورها في شهر يناير/كانون الأول الماضي، شرعت في شراء المستلزمات استعداداً لخطوات الصناعة النهائية.
تضيف لـ”العربي الجديد”: “إنها مناسبة اجتماعية تشترك فيها كثير من نساء الحي على وقع احتساء القهوة والشاي. إفطار رمضان يكون ناقصاً بدون (حلو مر)، فهو أساس المائدة الرمضانية، وله قدرة على تقليل العطش، لذا فهو يُشرب أيضاً في وقت السحور”.
وفي العام الحالي، لم تستطع العديد من الأسر السودانية استقبال شهر رمضان بالمشروب الشعبي الأشهر، لأنها عجزت عن توفير مبالغ مالية تمكنها من شراء المكونات الرئيسية له، ومن بينها مثلاً الذرة والتوابل ومستلزمات أخرى.
تقول ميمونة بابكر لـ”العربي الجديد”، إنها لم تتمكن من صناعة المشروب، وقررت شراءه من الأسواق بكميات بسيطة، أو ما يكفي اليوم، لأن تكلفة صناعته صارت عالية. لكن أكثر ما أحزنها كان عدم إرسال “حلو مر” إلى شقيقها المغترب في الخليج العربي، وهي عادة كانت تحرص عليها سنوياً لارتباط شقيقها الشديد بالمشروب الذي لا يبدله السودانيون بأي من المشروبات أو العصائر الأخرى.
وشهدت الأسابيع السابقة لشهر رمضان حراكاً مجتمعياً كثيفاً من قبل أفراد ومجموعات ومنظمات المجتمع المدني والجمعيات الخيرية، لتوفير ما يعرف بـ”كيس الصائم”، والذي يضم كميات من الاحتياجات الأساسية للأسر الفقيرة والمتعففة، تشمل السكر والتمر والحمص والذرة والدقيق، وتمكنت تلك الحملات الخيرية من توزيع مئات الآلاف من سلال المواد الغذائية على المحتاجين في القرى والمدن.
يقول إيهاب نصر لـ”العربي الجديد”: “هذه واحدة من الأنشطة المهمة للمجتمع السوداني الذي يعرف بالتكافل والتراحم، وقد خففت وطأة الأسعار على المواطنين، وتسببت في استقرار أسعار بعض السلع الرمضانية، كما أسعدت الكثير من الأسر التي كانت لا تستطيع شراء احتياجات رمضان. في مدينتي بورتسودان (شرق)، ذهبت جمعيات خيرية أبعد من ذلك عبر إقامة أسواق للبيع بأسعار مخفضة.
ويقول الأمين العام لمنظمة تواصل، آدم صالح، لـ”العربي الجديد”: “المنظمات الخيرية تستعد قبل 3 أشهر من حلول رمضان لتوفير وتوزيع سلة غذائية على الأرامل وكبار السن والأسر المتعففة، ومنظمتنا خططت مسبقاً لجمع الأموال لتوفير 1200 سلة، لكن التبرعات تراجعت مقارنة مع الأعوام السابقة، نتيجة الظروف المعيشية المتدهورة التي طاولت الجميع، وبالتالي جرى توزيع عدد أقل”.
وأضاف صالح: “هناك أنشطة يجري الاستعداد لها مبكراً، من بينها جمع الأموال لإقامة إفطارات جماعية في الأسواق ودور العجزة والسجون والتجمعات السكنية لطلاب الجامعات، وسيظل رمضان هو شهر الخير”.
ومن بين الهواجس التي استقبل بها السودانيون شهر رمضان الانقطاع المستمر للتيار الكهربائي، إذ يستمر أحياناً لمدة ثماني ساعات يومياً، وفي الأيام الأولى من شهر رمضان كان التيار الكهربائي مستقراً في مراكز الولايات والعاصمة الخرطوم، باستثناء قطوعات غير مبرمجة في عدد من المناطق، وهناك أيضاً انقطاع المياه.
توضح نادية، وهي ربة منزل، أن “هناك أحياء عديدة تُحرم من المياه لساعات طويلة، وتضطر بعض الأسر إلى شراء (موتور)، ما يزيد من تكاليف الحياة. وتؤكد سيدة إبراهيم، من منطقة الحلفايا شمال الخرطوم، لـ”العربي الجديد”، أن “انقطاع المياه يزيد من الشقاء، فأحياناً نقضي، نحن ربات المنازل، ساعات الليل كلها ننتظر المياه، وأحياناً لا تأتي”.
وأزعج استمرار الدراسة في المراحل الابتدائية والمتوسطة والثانوية بعض الأسر السودانية خلال رمضان، بينما كان يُقرر في سنوات سابقة وقف الدراسة. وتطالب صديقة عبد الرحمن بالعودة إلى التقويم الدراسي السابق الذي كان يتحاشى شهر رمضان، ما يمكّن التلاميذ من الصيام، أو التدرب على الصيام، مبينة أنها كموظفة وربة منزل تواجه صعوبات كبيرة في متابعة دروس أبنائها، وأحدهم في الصف السادس، وامتحاناته بعد عيد الفطر مباشرة.
وتوضح عبد الرحمن: “للنساء استعدادات من نوع آخر لحلول رمضان، تشمل تنظيف شوارع الأحياء، وتجهيز الأماكن التي يقام فيها الإفطار الجماعي لرجال الحي، وبعضهن يحرصن على تزيينها”.
ويرى أبو ذر أحمد أن استعداداته الخاصة لرمضان تستند إلى جعله فرصة أوسع لاجتماع العائلة، موضحاً لـ”العربي الجديد”، أنه يحرص على طلب إجازته السنوية في رمضان، لأنه يراجع فيه بدقة مسيرة أبنائه، ويراجع معهم المطلوب إنجازه في بقية العام، وطموحاتهم المستقبلية.
العربي الجديد