عسكر وأهالي في إفطار العطا

مصعب المشرّف
دعوة الفريق ياسر العطا للإفطار يوم الجمعة 7 أبريل 2023م جاءت على عكس الغرض منها لجهة رغبة العطا لرأب الصدع بالعزومة، والدعوة للإتفاق فيما بين القوى المتباينة التي تمثل مجلس الإنقلاب العسكري والفلول والمسلحين من جهة . وتلك القوى المدنية السياسية من جهة أخرى..
ولا أدري من هو “المصمم” وكاتب “السيناريو” الفاشل الذي إختار تلك القعدة بما تطرح وتؤكد من التفرقة والفصل بين هؤلاء وأولئك حتى داخل حوش منزل مواطن يرتدي الجلباب وينتعل المركوب ملفوف العمامة ، وعلى نحو أدى إلى سخرية أركو مناوي من هذا التصميم لهذه الجلسة بين المتناحرين.
جلست حيكومة اللاحكومة على يسار المنصة المجهزة للخطابة . وكانت الكراسي الوثيرة والسجاد والطاولات الأنيقة والمشاريب الرمضانية المثلجة من نصيب أفرادها في هذه الحياة الدنيا ؛ رغم كل هذا الرفض من الشعب في الشارع والرصاص والبمبان . والقمع والشباب المحصودة أرواحهم والجرحى والثكلى واليتامى والمكلومين والسجناء ، والعزلة الداخلية والعالمية.
وجلس الأهالي المدنيين السياسيين رغم كل ما يحوزون من شرعية وشعبية وجماهيرية وعلم وذكاء على يسار المنصة في كراسي عادية وليس أمامهم شيء سوى أقدامهم وأحذيتهم الغير لامعة.
من هنا جاءت ملاحظة أركو ميناوي الساخرة التي دعته فيها قريحته إلى الإكتفاء بحديث ذكريات تاريخي مؤلم وحسرات وزفرات عن الفشل الذي لازم مفاوضات أبوجا في نيجيريا .
قال أركو مناوي في كلمته المقتضبة الساخرة أن ترتيب هذه الجلسة يذكرني بذات الترتيب الذي صممه المضيف النيجيري لإدراكه بمدى إتساع الفجوة وعمق الخلاف بيننا وبين حكومة حزب المؤتمر الوطني . فأجلسوا وفد الحكومة برئاسة مجذوب الخليفة على طاولة يمين المنصة داخل القاعة . وأجلسونا نحن على طاولة يسار المنصة ؛ وجلس الوفد النيجيري الوسيط في الوسط ، فاصلين بيننا وبينهم . وعلق قائلاً أن الفرق الوحيد الآن أن الحكومة (الإنقلابية) تجلس يساري ويجلس المدنيون والسياسيون على يميني.
المهندس خالد سلك . حاول مقدم الخطباء تلطيخ سمعته ووجهه بالوحل عبر تقديمه بوصفه متحدثاً رسمياً بإسم قوى الحرية والتغيير المركزي. ولكن ما أن إعتلى خالد المنبر حتى أكد على عدم صحة مقالة “ضابط الحفل” . وقال أنه جاء ملبياً دعوة إفطار ياسر العطا بصفة شخصية ليس إلاّ.
وحسب إعتقادي فإن الفريق ياسر العطا كان حتى عشية إنقلاب ٢٥ أكتوبر المشئوم . العسكري الأقرب للمدنيين في حكومة حمدوك ولجنة إزالة التمكين.
وبذكاء معهود (بنسبة 99.9%) في دماغ كل مهندس ؛ ذكرهم وذكرنا المهندس بسجون العسكر فقرن بينها وبين فضل الفريق ياسر العطا وكرمه ؛ حين تم إدخالهم السجن عقب إنقلاب 25 أكتوبر الفاشل . فقال أن ياسر العطا كان يرسل إليهم في السجن أنواعاً من الفاكهة يومياً. وشكره شخصيا على ذلك.
وبالطبع فقد كان تمسك خالد سلك بالإطاري ونبذ المحاصصة اللبنانية موقفاً ثابتاً لا يعتريه تقلب المتقلبين الذين يتقلبون في مواقفهم كل عشية وضحاها تقلب النائمين ذات اليمين وذات الشمال خلف الأسوار الخرسانية الشاهقة ؛ تحمي حماهم البنادق والدباباب.
عاد المهندس من المنصة فجلس على كرسيه المتواضع دقيقة . ثم غادر المكان مقاطعا وزاهدا في ما لا رجاء منه ، دون أن يودع صاحب الدار الذي كان يجلس على الجانب الآخر بين البرهان والمجلس العسكري وحكومته.
جميع الذي جرى يشير . بل ويؤكد أن المسافة أبعد ما تكون بين التفكير العسكري والحركات المسلحة والفلول وطلاب المصالح من جهة . وبين التفكير المدني والسياسي من جهة أخرى .
وهذه المسافة البعيدة والهوة العميقة سيكون من الصعب بل المستحيل ردمها بين الجانبين.
وكان أبرز ما جاء في الكلمة التي قالها الفريق البرهان في هذه المناسبة إعترافه وتسليمه بأبجديات الواقع (أخيراً) الذي يفيد بأنه لايمكن في هذه الحياة الدنيا الحصول على نسبة توافق بين الأطراف بنسبة 100% .
ولكن المصيبة أن البرهان بدأ ميالاً في كلمته هذه إلى التسليم بمبدأ المحاصصة كدستور ومخرج. ولكنه يختلف مع دعاة المحاصصة فقط في النسب التي يطالبون بالحصول عليها ويتلذذون بها كغنيمة.
مشكلة السودان مع العسكر وإنقلابتهم أن العسكر يعشقون الحكم والخوض في السياسة. ولكنهم بطبيعة دراستهم العسكرية وأوامر الرتبة الأعلى وطاعتها الصارمة لا يجيدون ممارسة السياسة ولا يتفهنون طبيعة الأخذ والرد والرأي والرأي الآخر في قناعات ومسلك المدنيين والحياة المدنية. وواقع أنها تتحقق بالرضا وليس بالضرب والرمي والدمشق والمشانق والإعدامات والتصفية.
مبدأ المحاصصة هو من طرح وتقديم وإصرار قيادات الحركات المسلحة الموقعة على ما يسمى بسلام جوبا الرومانسي هو الآخر . والحركات المسلحة لا تجيد هي الأخرى ممارسة السياسة وحكم الشعب بالقانون والدستور . ولم تتدرب وتوزن عقليتها سوى على ممارسة تكتيك أضرب وأهرب .
ولأجل ذلك كان هتاف الشعب في الشارع ولا يزال يردد : مافي مليشيا بتحكم دولة.
وإلى جانب مليشيات الحركات المسلحة التي لم يتعدي عددها 14 حركة من بين 86 حركة مسلحة أخرى … إلى جانب هؤلاء الأربعة عشر يتقافز طفيليون ومتسلقة وفلول ومدعين وثعالب وغربان وبوم وحملة مباخر . ومتزاحمون بالمناكب على صواني الفتة وفتات الموائد من الإدارات الأهلية والجهلة والبسطاء والبلهاء ورابطين أوساطهم ، والمادحين والتنابلة والمتصوفة أحفاد أشعب الأكول. تحسبهم جميعاً وقلوبهم شتى .
يكاد المريب يقول خذوني . وعليه فإن أصحاب أطروحات المحاصصة اللبنانية إنما يدركون في قرارة أنفسهم أنهم من المحال عليهم الفوز في أية إنتخابات عامة شفافة نزيهة . كتلك التي سيكرسها الإتفاق الإطاري في نهاية المرحلة الإنتقالية التي لن تدوم سوى ٢٤ شهرا .
ويرغب أصحاب أطروحات المحاصصة اللبنانية في الحفاظ على مناصبهم الشخصية التي ما كان لهم أن يجلسوا على كراسيها لولا عزلة إنقلاب 25 أكتوبر 2021م الفاشل والمشئوم في آن واحد.
لقد كانت الكتلة المناهضة للإتفاق الإطاري المشار إليها أعلاه جميعها بدءاً من الحركات المسلحة وإنتهاءاً بأحفاد أشعب الأكول … كانت هذه الكتلة تردح وتنوح وتصَيِّح قبل الإطاري بأن قوى الحرية والتغيير المركزي لا ترغب في إجراء إنتخابات لأنها ليست لديها جماهيرية. فلماذا جفلت وخافت الآن من تطبيق فكرة حكومة إنتقالية محددة المدة بأربعة وعشرين شهراً ودون محاصصة . ويعقبها مباشرة إجراء إنتخابات حرة نزيهة برعاية وإشراف وضمانة الأمم المتحدة؟ .
فكرة المحاصصة المستنسخة من المحاصصة اللبنانية مرفوضة تماماً بوصف أنها لن يأت من ورائها سوى الفساد والفشل والفقر والجوع والتسول والفساد وإنهيار الدولة والإقتصاد وإنعدام الخدمات الأساسية وإنهيار العملة وعدم الإسقرار والإستسلام للتدخلات الخارجية وإستمرار إشتعال الشارع في الداخل وسخرية الرأي العام في دول الجوار . وعدم ثقة السلطات الحاكمة والبرلمانات في الخارج …. وفي نهاية سرداببها جدار مسدود وحرب أهلية ضروس.
إن المحاصصة ستأتي فقط بمن لهم القدرة على النفاق ومسح الأجواخ والتسلق والإنبطاح . وتقبيل البوت العسكري . ولكنها لن تأـي بأصحاب الأمانة والكفاءة والجدارة.
وعلى أيدي المنافق وماسح الأخواج والمداهن والمقبّل للبوت وأذيال الجلباب واليدين والقدمين ستذهب البلاد بأمنها وإقتصادها ومصالحها العليا إلى حضيض الحضيض الذي هي عليه الآن بل وأكثر حضيضاً مما هي عليه الآن .
ويستحيل إجراء إنتخابات حرة نزيهة في ظل حكومة تنشأ بالمحاصصة. فالتدخل الجهوي والشخصي والعسكري وكافة أصحاب المصلحة الشخصية سيكون حاضراً وسهلاً.
ثم ومن يثبت لنا مثلاً أن حركة العدل والمساواة ومعها كافة الحركات المسلحة الأخرى الأربعة عشر الموقعة على إتفاق جوبا تمتلك 47% من أصوات الشعب السوداني؟ .
إذا كانت زيارة جبريل إبراهيم الأخيرة الفاشلة بإمتياز إلى مدينة نيالا لم يهرع لإستقباله فيها قاطن واحد من قاطني نيالا . وجيء بجماهير مفبركة من ولاية شمال دارفور للحفاظ على ماء الوجه في زمان غير زمان تدليس “هنا أمدرمان” الجميل ، وتغبيش “تلفزيون السودان” في سالف العصر والأوان . ولكنه زمان كاميرات الموبايل والسوشيال ميديا الشفافة التفاعلية.
فكيف تدعي حركة العدل والمساواة أن لها قاعدة جماهيرية في السودان بأكمله . وهي التي لا تمتلك أية قاعدة جماهيرية في إقليمها دارفور نفسه؟ .
وعلى ذات النسق الجبريني يبقى حال بقية قادة حركات دارفور الموقعة على إتفاق جوبا .
وأما عن حال البقية الباقية من فسيفساء هذه الكتلة التي تسمي نفسها بالتيار الديمقراطي فحدث ولا حرج . ومن بينهم الناظر السابق ترك الذي تمت إزاحته من رئاسة مؤتمر البجا الشرعي ، ولا يزال يدعي أنه يمثل أهل الشرق دون مسوغ شرعي .
وكذلك حال التوم هجو الذي يدعي أنه يمثل أهل الوسط هكذا بجعجعة اللسان . ومبارك أردول الذي يدعي أنه يمثل قبائل جنوب كردفان رغم أنه حاول قبل شهور أن يقدم نفسه لقناة الجزيرة مباشر بأنه مصري أكثر من المصريين أنفسهم . ثم هو الذي يدعي لنفسه تاريخ نضالي وثوري شرس شجاع ضد نظام المخلوع عمر البشير وزبانيته وبيوت أشباحه موغل في القدم ؛ رغم أنه أجاب أيمن طه محاور الجزيرة مباشر بعد إنقلاب ٢٥ أكتوبر بقوله يبرر خوفه من الإجابة : هل تريدني أن أدخل السجن؟ .
هذه الكتلة التي تدعي أنها ديمقراطية . تظل أبعد ما تكون عن مفهوم الديمقراطية بمراحل فلكية. بل هي على العكس وبما فيها من بعض إدارات أهلية وزعماء قبائل وطرق صوفية. تمثل وتمارس في الواقع أبشع وجوه القهر والجبرية والتدجين القسري مع أتـباعها البسطاء . ولا تسمح لهم بإبداء الرأي بل تريدهم أصنام وأتباع وعبيد اوهام ودراويش . فكيف والحال بينها وبين عامة الشعب من غير أتباعها ؟ .
جميع ما تقدم من حال الكتلة التي تسمي نفسها بالديمقراطية هي إذن نسخة مستنسخة من الهيكل التنظيمي والفكري لحزب المؤتمر الوطني المنحل . ومن هنا يأتي ميلان المجلس العسكري الإنقلابي للتعامل معهم وإحتضانهم إطمئناناً إلى أنهم هم وحدهم الذين سيسمحون له بأن يبقى مهيمناً على مقاليد السلطة وعلى رأسها وتكريس نظام حكم شمولي مهيكل لتلبية المنافع الشخصية والتجاوزات والفساد المالي على غرار نظام الرئيس المعزول عمر البشير ، والذي هو سبب المأزق الذي أصبح عليه السودان الآن من تفشي ثقافة الفساد وإعتبار الدولة وشعبها غنيمة للحكام وكبار المسئولين .
بعدم التوقيع النهائي على الإتفاق الإطاري الذي حاز على قبول وتشجيع من هيئة الأمم المتحدة . وإختلاق البعض مبررات واهية وطرح اللجوء للمحاصصة التي لن يقبل بها الشعب السوداني والأمم المتحدة بعد فداحة التجربة اللبنانية المدمرة في هذا المجال . فإنه لن يكون هناك مناص من رئيس بعثتها فولكر سوى تقديم تقريره النهائي إلى مجلس الأمن بطلعهم فيه على أسباب فشل تطبيق البند السادس ، ويوصي باللجوء إلى البند السابع . وبما يسمح بإجراء الإنتخابات العامة الحرة النزيهة في ظل هذا البند. وعندها تفرز لنا صناديق الإنتخابات ما يرغب به الشعب وتقطع جهيزة قول كل خطيب.
مقال في الصميم يعطيك العافية يا استاذ.
ما شاء الله هل المركزي له شعبية يا…….الباقي لفطنة القاري
لاتوجد انتخابات نزيهة فى ظل وجود مجرمين فى قيادة الجهزة الامنية والححركات المسلحة. الامم المتحدة توافق على اى شيئ مالم يجبرهم الثوار على العكس.