الصمغ العربي ودولة السودان الفاشلة

عثمان بابكر محجوب
اكدت احداث الايام الاخيرة على عودة الازمة التي تعصف بالبلاد الى المربع الاول لان خارطة الطريق التي رسمتها المبادرة الدولية لم تراعي او تلحظ عناصر الازمة بشكل واقعي اضافة الى ذلك فان ربطها الحل بشرط تأسيس حكم مدني عبر مسارات خلافية وورشات عمل لم تنتج سوى سوق عكاظ سوداني قصائده حوار طرشان مما يؤكد على ان هذه المبادرة تنطلق من اجندة مشبوهة خصوصا وانها اضافت توترات جديدة نتج عنها اصطفافات سياسية ونزاعات تنذر بانفلات الامور نحو الفوضى ومزيدا من انعدام الثقة بين الاطراف السياسية السودانية ، علما انه كان من المفترض ان تؤدي جهودها الى توحيد القوى السياسية حول برنامج انقاذي يخرج البلاد من اتون الصراعات العبثية لكن ما حصل هو المزيد من التشتت والتشرذم .
ان أزمة السودان الحقيقية هي أزمة كيان وهوية (دولة فاشلة) ساهم حكم البشير في تاسيسها ومع سقوطه بدأ الترويج لها كأنها أزمة حكم والغاية من ذلك هي اجهاض ثورة ديسمبر المجيدة عبر تحوير اهدافها نحو عنوان وحيد هو الصراع على السلطة ودفن جوهر الازمة كجمر تحت الرماد بغية ايقاظها في الوقت المناسب ، هذه هي الوصفة العلاجية الدولية على حقيقتها وهي تهدف الى بقاء الازمة دون حل ريثما يتم رسم خريطة السودان الجديدة وفقا للمتغيرات التي سترسو عليه موازين القوى بين الدول العظمى التي تخوض اليوم صراعا مفتوحا على الساحة الدولية بأسرها .
ان غالب المؤشرات الراهنة ، تؤكد أن هناك إصرارا من قوى تحالف الانقلاب، على تكريس الحكم العسكري المطلق ، تحقيقا لمصالح إقليمية ودولية ومن ضمنها اسرائيل ، التي باتت اللاعب الأهم في مسار الثورات المضادة . وأن هناك خططا بديلة ، وضعت من أجل احتواء الحراك الثوري وتوجيهه في مسار مختلف عن مساره الحقيقي بهدف اعادة إنتاج الانقلاب للمرة الثانية على التوالي . وفي قراءة سريعة لما يحري من صراعات داخل تحالف الانقلاب يبدو ان البعض يقكر في انقلاب آخر ، يمتص حالة الحراك الثوري نهائيا وفي نفس الوقت يحسم صراعات المصالح داخل تحالف الانقلاب . لكن هذا الخيار يحمل في طياته العديد من المخاطر، خاصة وأن أي اندفاع لصراع مفتوح بين قوى تحالف الانقلاب يمكن أن يكون مدمرا. وفي خطاب البرهان الاخير الذي دعى فيه الجميع الى التنحي في حال فشلهم في انجاز التسوية يظهر لنا ان هناك سيناريو اخر لتصنيع حالة جديدة ، تبدو أكثر ديمقراطية ، وهذا السيناريو يتحقق عبر الدعوة الى انتخابات مبكرة يستبعد خلالها بعض رموز النظام السابق مرحليا من العملية السياسية ، وهو ما يعني أن هناك محاولة لتصنيع ديمقراطيةشكلية يمكن السيطرة عليها من خلال سلطة غير مباشرة للمكون العسكري ، ويظل هذا الاحتمال قائما ، كبديل يمكن اللجوء اليه حتى يتم تكريس منظومة حكم ديمقراطية شكلا ، وعسكرية مضمونا.
لكن من المؤكد وفقا للمعطيات السياسية المتوفرة وموازين القوى الداخلية يبدو واضحا ان لا أمل في نجاح الخطة أ اي تنفيذ انقلاب عسكري جديد ولا امل ايضا لنجاح الخطة ب اي اجراء انتخابات مبكرة رغم محاولة تغليفها باستبعاد بعض رموز الفلول عن المشاركة فيها هذه هي رؤية الحكم العسكري الحالي تشاركه فيها القوى الدولية والاقليمبة بنسب متفاوتة. وبالمقابل تعيش القوى الثورية التي اطلقت شرارة ثورة ديسمبر حالة من الضياع والتشرذم وانعدام الرؤية الواقعية للمخارج المنطقية وبالتالي نرى ان البلاد باتت على عتبة الدخول في متاهة وجمود قاتل لا مصلحة لاحد فيها لذلك لا بد من وضع تصور برغماتي جديد تتوافق عليه الاطراف المتصارعة بالبحث عن حلول قابلة للتطبيق وعماد هذا التصور هو عدم تجديد المراهنة على المبادرة الدولية اي دفن هذه المبادرة لانها بكل وضوح ستؤدي عن قصد او دون قصد الى تداعي الدولة المركزية نهائيا (تقسيم البلاد) وليس الى خروج البلاد من نفق الازمة . والبديل يكون بالدعوة الى طاولة حوار وطني يضم كافة الاطياف السياسية باستثناء حاشية البشير وكل المشتبه بهم في جرائم فض الاعتصام وغيرها من الجرائم التي حصلت بحق الثوار خلال الثورة وبعدها على ان يكون الهدف من هذه الطاولة تثبيت الحد الادنى من التوافق حول جدول اولويات وطنية والاتفاق على تشكيل حكومة اولويات وطنية تتولى تنفيذ بنود ما تم الاتفاق عليه حصرا لان البديل هو ان تبقى الرؤس حامية فيزداد بؤس اهل السودان بؤسا على بؤس وتصبح وحدة البلاد على كف عفريت . ولجدولة الاوليات الوطنية لا بد من اعتراف جميع الاطراف التي ستشارك بطاولة الحوار بان ما ورثوه عن حكم الاسلام السياسي هو دولة فاشلة وبالتالي يتم وضع برنامج للخروج من حالة الدولة الفاشلة وتاليف حكومة تتولى تنفيذ هذا البرنامج . وللتأكيد على ان السودان دولة فاشلة لا بد من التذكير بالمعايير المعتمدة للتصنبف والمؤشرات التي تثبت صحة التصنيف .
-معايير معتمدة يجب توافرها لتصنيف الدول الفاشلة، ومنها ما يأتي :
– عدم قدرة الحكومة المركزية في الدولة على فرض سلطتها على ترابها الوطني.
– عدم قدرة الحكومة المركزية على تأمين حدودها من الاختراقات الخارجية سواء حدودها البرّية أم مياهها الإقليمية أم مجالها الجوّي.
– عدم تمتّع الدولة بالشرعية اللازمة للحكم وانعدام تداول السلطة فيها ، وتفشّي الفساد الإداري في أجهزتها ومؤسّساتها ، بالإضافة إلى غياب النظم القانونية أو ضعفها.
– الانقسام المجتمعي وحدَّة الصراعات الدينية والعرقية المهدّدة لوحدتها الوطنية.
أمّا المؤشّرات الموجودة في الدول الفاشلة ، فهي عبارة عن مؤشّرات اجتماعية واقتصادية وسياسية وعسكرية.
-المؤشّرات الاجتماعية ، وتشمل: الضغوط الديموغرافية المتزايدة ، هجرة السكان أو نزوحهم في الداخل من منطقة إلى أخرى أو الحركة الكبيرة للنازحين ، تنامي عدد المجموعات التي تسعى إلى الانتقام من مجموعات أخرى ، المشكلات الحزبية والعرقية ، الفقر والبطالة والجريمة والمخدرات والسرقة ، وتنامي الهجرة المزمنة والطوعية بما في ذلك هجرة الأدمغة.
– المؤشّرات الاقتصادية ، وتشمل : التنمية الاقتصادية غير المتكافئة ما بين المجموعات التي تنتمي إلى البلد الواحد (الإنماء غير المتوازن) ، والتدهور الاقتصادي الحاد (اختلالات بنيويّة ، ركود في الدورة الاقتصادية ، وانهيار قيمة النقد الوطني) .
– المؤشّرات السياسية، وتشمل: تراجع مساحة الشرعية في النظام السياسي القائم ، فقدان الثقة بالدولة ومؤسّساتها ، تراجع وظيفة الدولة لجهة تقديم الخدمات العامة ، إساءة استخدام السلطة وزيادة التدخل الخارجي في شؤون الدولة الداخلية ، زيادة الشقاق الحزبي ، والصراعات بين النخب الحاكمة.
– المؤشّرات العسكرية، وتشمل: انتهاكات حقوق الإنسان ، ضعف السلطة الأمنية ، وبروز قوى أمنية غير نظامية.
ان هذا الاستعراض السريع يؤكد ان تركة نظام البشير ضخمة الى حد لا يمكن معه الانتقال الفوري الى الحكم المدني الدبمقراطي قبل تصفية هذه التركة او على الاقل وضع السكة على طريق تصفيتها .اي بات ملحا اليوم تبديل بوصلة اتجاه المرحلة الانتقالية من البحث عن حلول للمشاكل عن طريق الاعيب المكون العسكري بالتكافل والتضامن مع اطراف المبادرة الدولية لان هذا الطريق دخل في حالة الانسداد التام والمطلوب بالحاح اليوم هو تبريد وتخفيف حدة الصراعات رأفة بالشعب السوداني وتوفير الحد الادنى من الثقة المفقودة حاليا بين كافة الاطراف دون اي مراهنة على الخارج لان الخوف من ضياع جزرة المساعدات الدولية وفخ تلبية متطلبات وشروط القروض الخارجية لن يأتي بالسمسم والصمغ العربي فلنصدق جميعا ان السمسم والصمغ العربي ينبت في ارض السودان ويجب ان يكون ملكا لاهل السودان . ماحك جلدك الا ظفرك وهذا هو المقياس الوحيد للوطنية.