مقالات وآراء

“اغتيال الضباط بدارفور بين غياب هيبة الدولة وضرورة الإصلاح الشامل”

د. مهدي تاج الدين عبدالنور

**من يهن يسهل الهوان عليه

ما لجرح بميت إيلام .
هذا البيت ذاع صيته وهو ضمن ما قاله المتنبي ، وتحوَّل إلى حكمةٍ خالدةٍ لا نكُفُّ عن استخدامِها ؛ خاصةً في أوقاتِ بؤسِنا المُتجَدِّدة ، وهو خيرَ ما يَصِفُ الحالَ ويُشَخِّصه.
صحيح أن بلادنا عانى ومازال يعاني من الإنفلات الأمني والهشاشة بشكل عام ؛ ولكن الملاحظ أن الاستهداف قد طال قادة الأجهزة الأمنية أنفسهم ، إذ تم إغتيال ضابط برتبة العقيد بنيالا ولم يمضي أسبوعا واحدا فتم اغتيال ضابط آخر برتبة المقدم بزالنجي ، وقبل تلك تم اغتيال ضابط يتبع للدعم السريع وعدد من أفراد الشرطة بمحلية أزوم التابعة لولاية وسط دارفور ، وبالأمس الموافق 11 أبريل 2023م تم قتل ثلاثة موظفين وشرطي تابعين لمصرف الإدخار والتنمية الاجتماعية فرع الفاشر ونهب مبلغ مالي كبير ، كل هذه الأحداث أتت متلاحقة في غضون أسابيع قليلة ، والأخطر من ذلك أن المتفلتون (أي الجهة المعتدية) ، قد استهدفت موكب والي وسط دارفور نفسه وكان برفقته لجنة أمن الولاية التي ضمن عضويتها قائد الجيش والشرطة والدعم السريع والأمن والنيابة.
صحيح أيضا أنَّ الوالي ومرافقيه قد نجوا من القتل ، ولكن ماهي ردة الفعل تجاه من أطلقوا النار ؟ هذا هو بيت القصيد!.
إن الدعوات لترسيخ هيبة الدولة ليست جديدة لأن الأصل هو تطبيق القوانين تجاه المخالفات والتجاوزات ، هذه هي القاعدة التي يتعين على السلطة فرضها وحماية الناس وحقوقهم ، فلا نمو اقتصادي ولا ديمقراطية سياسية ولا حقوق إنسان في غياب الأمن والنظام.
إن السلطة لم تكن بحاجة إلى ضوء أخضر لتمارس واجباتها ، فهذه مسألة مفروغ منها والحزم والعدالة والمساواة هي المبادئ التي يجب أن تقوم عليها أي دولة محترمة وتتمسك بها كل الوقت ، ولكن من يهن يسهل الهوان عليه .
لقد استفزت تلك الأحداث المؤسفة والمرعبة الرأي العام ، وقد تبدأ الأجهزة الأمنية في التحرك ولكن فرض هيبة الدولة لا يقتصر على مطلقي العيارات النارية ولا على النهب المسلح والبلطجية فحسب ، فهذه هي أسهل ما يقوم بها الأمن العام ، بل المطلوب أن تكون الحلقة متكاملة في القوانين والقضاء وغيرها من المؤسسات.
إن هيبة الدولة ليست مسؤولية القوات الأمنية فقط ، بل مسؤولية مجتمع بأكمله ، وليست القضية في أن تتحرك الحكومة وأجهزتها لإثبات وجودها عبر ردات فعل ترافق الحدث وتنتهي معه ، بل يتعين عليها القيام بدورها في توفير الأمن والأمان والاستقرار بقوة القانون في كل زمان ومكان ، والحملة التي تقودها القوات الأمنية لفرض هيبة الدولة وسلطة القانون لا يجوز أن تكون مجرد (فزع) مؤقت تعود بعدها الأمور إلى ما كانت عليه.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..