أخبار السودان

يجب أن يكون اصلاح قوات الأمن السودانية أولوية قصوى مع تسارع الانتقال الديمقراطي

تتفاوض الفصائل السياسية في السودان على تشكيل حكومة انتقالية جديدة في خطوة كبيرة نحو قيام حكومة بقيادة مدنية طال انتظارها منذ ما يقرب من ثمانية عشر شهرًا بعد الانقلاب العسكري الذي قاده الجنرال عبد الفتاح البرهان.

ربما ستكون المهمة الاكثر اهمية لهذه الحكومة في حال تشكيلها (رغم فوات موعد التشكيل المعلن عنه سابقًا في ١١ ابريل) هي توضيح الدور الذي ستلعبه قوات الأمن السودانية في البلاد في المستقبل.

لضمان نجاح انتقال السودان إلى الديمقراطية، يجب على قادته وضع قيود على سلطة القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع وهذا يعني ان تحكم القوات المسلحة السودانية (بقيادة البرهان) وقوات الدعم السريع (بقيادة الجنرال محمد حمدان دقلو) بسيادة القانون وتعمل على حماية الديمقراطية وحقوق الإنسان في السودان من أجل تحقيق تحول سياسي ناجح.

في غياب إصلاح ذي مغزى لكبح القوة الحالية للأجهزة الأمنية، يمكن أن يؤدي التوتر المؤسسي بين هذين الجهازين الامنيين إلى نشوب صراع أوسع من شأنه أن يزعزع استقرار البلاد ويهدد الانتقال إلى الديمقراطية.

إصلاح الأجهزة الأمنية لن يكون سهلًا، وهو موضوع نقاش مستمر فيما تحاول الفصائل إبرام صفقة بشأن حكومة انتقالية، لكن هناك خطوات يمكن ان يتخذها قادة السودان ومن يدعمون انتقال السودان إلى الديمقراطية فورًا.

لعب الجيش السوداني دورًا رئيسيًا في المشهد السياسي للبلاد منذ استقلاله عام 1956. وصل عمر البشير إلى السلطة في انقلاب عسكري وتمت الاطاحة به في عام 2019 بعد ثلاثين عامًا من الحكم الاستبدادي

بعد الإطاحة بالبشير، دعا القادة المدنيون والمؤيدون للديمقراطية إلى إصلاحات جذرية لقطاع الأمن، لكن السودان لا يزال يعاني من محاولات الإصلاح.

خلال الانتقال إلى الديمقراطية منذ عام 2019، تعاونت القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع في بعض الاحيان وتنافسا مع بعضهما في احيان اخرى على السلطة في البلاد.

من الامثلة على ذلك نذكر انه في انقلاب أكتوبر 2021 الذي أطاح بالقيادة المدنية في السودان بقيادة رئيس الوزراء آنذاك عبد الله حمدوك، انضمت القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع إلى مجموعة من الحركات المسلحة والجماعات المهمشة في السودان، لكن في الوقت نفسه، تنافسا معًا وراء الكواليس للاحتفاظ بأكبر قدر ممكن من القوة الاقتصادية والسياسية والنفوذ والسيطرة.

ستكون إدارة التوتر بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع مصدر قلق بالغ للقيادة السودانية لأنها تسعى إلى تجنب الصراع المستقبلي بين قوات الأمن التي يمكن أن تؤدي إلى مزيد من العنف. هذا عنصر أساسي لإرساء السلام والأمن والتنمية المستدامة في البلاد مع السماح بتطوير وتحديث المؤسسات الأمنية في السودان.

اي اصلاح هادف لقطاع الامن يجب ان يعالج دور القوات المسلحة السودانية ويضفي الطابع المهني على قوات الدعم السريع ويدمجها في القوات المسلحة السودانية، كما يجب أن توضع الأجهزة الأمنية بحزم تحت سيطرة وإشراف مدنيين، كما يجب ان يشمل ايضا الاطار القانوني لتحديد دور قوات الامن رسميًا واقامة جيش وطني موحد تثق بعد المجتمعات المحلية في جميع أنحاء السودان، لا سيما في مناطق النزاع في البلاد.

هناك خطوة حاسمة اخرى تتمثل في فك ارتباط المؤسسات العسكرية بالاقتصاد. هذا الامر سيكون صعبًا للغاية ويتطلب تخطيطًا دقيقًا حيثُ تهيمن القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع حاليًا على جميع جوانب القوة السياسية والاقتصادية والإعلامية تقريبًا في السودان – وتعمل على حماية هذا التأثير.

من الواجب على السلطات المدنية اغتنام الفرصة واتخاذ خطوات لمواجهة تحديات إصلاح قطاع الأمن في السودان أثناء الانتقال إلى القيادة المدنية.

لقد أنشأ نظام البشير مجموعة واسعة من قوات الأمن المكلفة والفاسدة وغير الفعالة التي اتهمها النقاد بالعمل خارج نطاق القانون، وارتكاب انتهاكات حقوق الإنسان، وخلق اقتصاد تستفيد منه المؤسسات الأمنية بشكل مباشر مما يمنع المزيد من الإصلاح الاقتصادي القوي والتنمية.

من اجل وضع البلاد على مسار افضل، يجب على القادة المدنيين في السودان إجراء إصلاحات تبدأ في فصل الجيش عن قطاعات البناء والاتصالات والطيران والبنوك.

الخطوات التي يجب على القادة العسكريين والمدنيين في السودان اتخاذها

يجب على الجيش بالتنسيق مع القيادة المدنية الجديدة الالتزام بالإصلاح الذي يساعد على تحديث وتطوير القوات المسلحة السودانية، وهذا يشمل ضمان تكليف القوات المسلحة السودانية بحماية المدنيين وخضوعها للمساءلة أمام القيادة المدنية في البلاد. يجب ان تكون القوات المسلحة السودانية محترمة ولا تخيف اولئك الذين كلفوها بحمايتهم.

يجب على القادة المدنيين والعسكريين تبني تشريعات تعالج الثغرات المحددة في الوثائق الانتقالية للسودان، كما يجب على السلطات المدنية من خلال استخدام الاطار القانوني في هذه الوثائق العمل مع القيادة العسكرية لتقليص حجم القوات المسلحة السودانية، وإيجاد فرص اقتصادية مجدية للجنود السابقين، وتحديد الأولويات الأساسية لمهمتها، ونشر وحدات الجيش القادرة على تلبية احتياجات الدولة، كما يجب على السلطات السودانية أيضًا تحديد التمويل اللازم لإنشاء ودعم استراتيجية واسعة لنزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج تتجنب التركيز على إعادة دمج مقاتلي الميليشيات وتشمل الإشراف المالي المناسب على القوات المسلحة.

بالاضافة الى هذه الجهود، يجب على السلطات المدنية البحث عن طرق لإصلاح الاقتصاد السوداني تساعد على فصل مجموعة واسعة من الشركات المرتبطة بالخدمات الأمنية، وخلق فرصة لتحسين بيئة الأعمال، وإرسال الإشارة إلى المستثمرين والبنوك ووكالات التصنيف الائتماني، بأن السودان مفتوح لقطاع التجارة والاعمال، كما يجب على السلطات المدنية اتخاذ خطوات لزيادة الشفافية والمساءلة في تجارة الذهب غير المشروعة لتعطيل التدفقات المالية غير المشروعة إلى الميليشيات السودانية، بما في ذلك قوات الدعم السريع.

نظرًا لأن الاقتصاد السوداني يواجه حالة من عدم اليقين بسبب ارتفاع أسعار الغذاء والوقود والنقل، يجب على صندوق النقد الدولي والبنك الدولي موازنة الحاجة إلى الإصلاحات الاقتصادية في البلاد مع ضرورة عدم زعزعة استقرار حكومة جديدة بقيادة مدنية.

ستحتاج هذه الحكومة إلى السير في مسار صعب لتنفيذ الإصلاحات التي تعالج سوء الإدارة الاقتصادية من قبل القوات المسلحة السودانية، وارتفاع تكاليف المعيشة، وارتفاع أسعار السلع الأساسية بعناد، الأمر الذي زاد من تعقيد الجهود لتأمين التمويل الدولي ودعم الاقتصاد.

الخطوات التي يجب على الولايات المتحدة اتخاذها

يمكن للولايات المتحدة أن تساعد في انتقال السودان إلى الديمقراطية وأن تساعد في تسهيل إصلاح قطاع الأمن.

احتوى قانون تفويض الدفاع الوطني لعام 2021 قانونًا خاصًا بالانتقال الديمقراطي في السودان والمساءلة والشفافية المالية لعام 2020، مما أدى إلى رفع مكانة السودان على أجندة السياسة الخارجية وإرسال إشارة إلى القيادة السودانية الجديدة بأن الولايات المتحدة مستعدة لدعم السودان في سياق تنفيذ إصلاحات صعبة.

هذا القانون هو أداة تواصل فعالة، ويشجع استجابة منسقة للحكومة الأمريكية لدعم القيادة المدنية، ويمكن أن يوجه التقارير العامة بشان القضايا الحساسة، ويدعم نظام العقوبات، ويظهر للقطاع الخاص أن السودان ليس مفتوحًا للعمل كالمعتاد.

يمكن لواضعي السياسات استخدام هذا التشريع لدعم الإصلاحات الاقتصادية في السودان والاستقرار والإشراف على أجهزة الأمن والاستخبارات على المدى القصير مع السعي إلى محاسبة منتهكي حقوق الإنسان، والمفسدين للانتقال، وأولئك الذين يسعون إلى استغلال الموارد الطبيعية في السودان.

كما يمكن للولايات المتحدة من خلال العمل مع الدول الأخرى، أن تلعب دورًا رائدًا في تشجيع المؤسسات المالية الدولية على الاستفادة بعناية من الموافقة على مشاريع البنك الدولي، والنظر في وقف مدفوعات صندوق النقد الدولي، وإنشاء تقارير عامة لضمان استمرار إصلاحات القطاع الاقتصادي والأمني على المسار الصحيح.

يجب على المجتمع الدبلوماسي الاستمرار في ممارسة الضغط المنسق على السلطات السودانية لضمان متابعتها لالتزاماتها الشفهية والعمل مع الجهات الخارجية الرئيسية – بما في ذلك الإمارات ومصر – لتشجيعهم على أن يكونوا مساهمين هادفين في التقدم الديمقراطي في السودان.

يوفر انتقال السودان إلى القيادة الديمقراطية فرصة مهمة أخرى لإصلاح قطاع الأمن في البلاد، ومع تقدم الحكومة الانتقالية إلى الأمام، يمكن للقيادة المدنية في السودان أن تُظهر للمستثمرين والبنوك وشعبها أن ارتباطًا أكبر بالاقتصاد العالمي، وأجهزة أمنية حديثة، والالتزام بمكافحة الفساد يصب في مصلحتها على المدى الطويل.

إن القيام بذلك من شأنه أن يعزز الطريق نحو سودان سلمي وديمقراطي.

بنيامين موسبرغ من المجلس الاطلسي في واشنطن

مقال منقول من صفحة زيد بنيامين – تويتر


بنيامين موسبرغ هو نائب مدير مركز إفريقيا التابع للمجلس الأطلسي، وقاد جهود وزارة الخزانة الأمريكية سابقًا لمكافحة الفساد وغسيل الأموال وتمويل الإرهاب والجرائم المالية في القارة الأفريقية.

تعليق واحد

  1. كاتب التقرير شخص منافق وغير صادق … هل ينكر من كتب هذا التقرير بأن الجيش السوداني لم يحكم السودان يوما … كل المسميات بإسم انقلاب ونظام ديكتاتوري تم ويتم بخطيط من الساسة .. كبوة السودان هي وساخة النخب واشباه المثقفين و سماسرة السياسة .. لو كنتم صادقين عليكم بتنقية الممارسة السياسية حتي ينصلح الحال. مانحتاجه هو احزاب سياسية قوية لديها مشاريع وطنية وقواعد راسخة اصلاح العمل السياسي اهم مما تتحدثون عنه وكفاية خواء فكري وافلاس.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..