
لقد ظل شعبنا بكافة مكوناته الثقافية والاجتماعية والاقتصادية في المدينة والريف يناضل لعقود من الزمان خلون من أجل الديمقراطية والدولة المدنية دولة القانون والدستور دولة العدل والحقوق المتساوية دولة الرعاية لا الجباية دولة المواطنة التي تتطلع اليها كل شعوب العالم الحر المؤمن بإنسانية الإنسان وكرامته فلم يكن خروجنا في ثورة ديسمبر المجيدة ٢٠١٨م لإسقاط نظام الانقاذ الاجرامى هو الأول فقد انتفضنا ضد كل الديكتاتوريات التي تسلطت علي رقابنا كما لم يكن في مجمله عملا فوضويا غير محسوب العواقب وإنما كنا ندرك بعلم وسعة أفق بأن القائمين علي امر الحكم لن يسلموا بسهولة فهم سلطويون فاسدون دمروا الدولة السودانية وكل مؤسساتها واختطفوا سلطاتها واضحت تدار وكأنها ضبعة يمتلكها بعض من صبيتهم فهؤلاء الاوباش الذين تخلوا عن مشروعهم الحضاري القائم علي تنظيرات خيالية لا تحتكم لاسس العلم والحضارة والذي اذاقونا أصناف من العذاب لفرضهم ثم يئسوا بفضل مقاومتنا فتركوه واكتفوا بما كنزوا من الثروات والمال الحرام حيث اثروا علي حساب حليب أطفالنا وشقاوة الأمهات ثم خضعوا للاملاءات الخارجية يؤثرون مبدأ السلامة لذواتهم وشخوصهم ففصل الجنوب وقع في عهدهم مقابل سلامة رئيسهم المطلوب للعدالة الدولية اثر جرائم حرب وابادة جماعية وجرائم ضد الإنسانية ارتكبها ضد شعبنا الباسل فترة حكمه وكان أشهرها مجازر الإبادة الجماعية في إقليم دارفور .
لقد فرطوا في وحدة البلاد وأمنها واستقرارها وبذلوا كل مافي وسعهم ليستمروا في السلطة ولم يتقبلوا رفض الشعب لفكرهم واستبدادهم وإسقاطهم في ٦ابريل ٢٠١٩م
ولئن كنا قد إنتهجنا السلمية في ثورتنا فإننا كنا و مازلنا واثقون بانها سلاح قاهر لا يجيدون استخدامه ولا يقدرون علي مقاومته وهم الذين تربوا علي ممارسة العنف حتي علي مستوي النشاط الطلابي بالجامعات والمؤسسات الأكاديمية وكان شعارهم (فالترق كل الدماء) يعبر بشكل قاطع علي مدى جنوحهم وتفضيلهم للغة العنف والدماء والدمار .
واليوم تشير اطابع الاتهام بأنهم يقفون خلف تفجر الصراع العسكري في بلادنا والذي ان لم يتوقف فورا ربما يقود البلاد الي حرب دموية طاحنة تنتهى بانتصار مشروع تقسيم البلاد وتفتيتها لدويلات جهوية صغيرة تقاتل بعضها البعض بينما من اوقدوا نار الحرب يسرقون ثرواتها ومواردها ويقهرون شعوبها ويفرون الي الملاذات الآمنة في مدن الغرب وعواصمه الساحرة .
ولئن صحت التهم الموجهة إليهم او لم تكن صحيحة علي وجه الدقة فإن واقع الحال يقول أنهم وحلفائهم يحاولون الاستفادة منها والاستثمار في أجوائها وما خطابهم علي لسان احمد هارون المطلوب للعدالة الدولية الا تاكيد لما ذهبنا اليه ولكن هيهات فإن شعبنا قال كلمته فيهم الا عودة لهؤلاء ولا ردة عن مطلوبات الانتقال واهدافه في ترسيخ ثقافة الديمقراطية وإعادة بناء الوطن علي اسس حضارية تستوعب تعقيدات مشهدنا السياسي وتضع الحلول الناجعة للمسير في دروب التعافي والنهضة الشاملة
غير أننا نحملهم مسبقا كل ما وقع من خراب ودمار في بلادنا وما استجد فيه من نزاع مسلح علي السلطة استجابة لمصالح طبقية لقوي الظلام المحلية والإقليمية والدولية التي تخصصت في زعزعت الأمن والاستقرار في اغلب بلدان العالم بغرض تمرير أجندتها في تقسيمها ونهب ثرواتها واضطهاد شعوبها وتحويلهم الي لاجئين تائهين يبحثون عن السلامة لأنفسهم زاهدين في أوطانهم الواعدة وثرواتها الزاخرة الوافرة بعدما تحولت الي محارق (بفضل تضارب المصالح وتصارع مراكز القوى التي صنعوها) تلتهم أرواحهم البريئة وتغتصب نسائهم الوديعة وتيتم اطفالهم الرضيعة وتفني زهرة شبابهم الشفيفة وتدمر الوطن ليصبح أرضا بلا شعب واثرا بعد خبر
وفي هذه اللحظات العصيبة التي تمر بها بلادنا من المهم ان نؤكد علي انه مهما تكن أسباب الحرب في بلادنا ودواعيها فإننا ضدها اصالة وضد من اوقدوها من مجرمي الداخل وأعوانهم بالخارج وضد كل من يهلل لها او يزيد من اوارها او يساند في استمرارها وضد اي تدخل خارجي فيها الا بقية الإصلاح في الحفاظ علي وحدة البلاد وسلامتها والانتصار لإرادة الجماهير في انتزاع السلطة لإقامة حكم مدني ديمقراطي راشد
ولئن حاول البعض ان يصور لنا ان هذه الحرب المشؤومة هي بين أنصار الثورة دعاة الديمقراطية وبين بقايا النظام فإننا نرد عليهم بأن ثورتنا سلمية وبالسلمية والقيادة الموحدة ستنتصر ولا تحتاج لبندقية وان كلا الطرفين المتصارعين تخرجوا من مدرسة واحدة هي مدرسة الاستبداد والفساد وخيانة العهود السلطوية الباطشة وقد كانا شركاء في كل الجرائم التي ارتكبت ضد شعبنا منذ ١١ أبريل ٢٠١٩م وحتي هذه المؤامرة اللئيمة التي ستقضي علي الاخضر واليابس وان لم تتوقف فلن يكون هنالك بلد إسمه السودان وفي احسن الأحوال سنجد بلادنا فقدت سيادتها ووضعت تحت البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة
ولئن كانت هذه الحرب تدور في عاصمة البلاد وداخل مواقعها الاستراتيجية من مقرات السلطة والسيادة والمطارات فإننا كنا نتوقع هذه وغيره ودعونا مبكرا لضرورة التخلص من تركة النظام البائد في تعدد الجيوش وصناعة المليشيات بالطرق والوسائل المهنية المعروفة في اعادة الدمج والتسريح حتي نتجب هذا كله وغيره ولكن البعض كان يراهن علي إمكانية إستغلالها لاخافة المعارضين فلم يكن راغبا في تفكيكها بل كان رافضا لمشروع الإصلاح الأمني والعسكري برمته .
واليوم بعد انفجار الأوضاع بهذه الصورة المأساوية يجب ان نبتعد عن كل ما يغذيها او يزيدها حدة واشتعالا او اتساعا لرقعتها وندعو جميع مكونات شعبنا للعمل سويا من اجل إيقافها الفوري ومحاسبة كل من تورطوا فيها ومقاطعة الجهات الداعمة لاستمرارها أين كانت ونؤكد علي ان قوى ثورة ديسمبر المجيدة حاضرة في المشهد ويقظة تعمل بحذر شديد حتي لا تتفاقم الأوضاع للأسوأ وهي حريصة علي استعادة المسار الديمقراطي وتحقيق كل أهداف ومبادئ الثورة .
كما وجب علينا ان نطرح رؤيتنا للحل وتتمثل في التوافق علي سبعة شخصيات وطنية مخلصة مؤمنة بالتغيير خارج الكتل المتصارعة لتقود تفاوض مع الجيش علي تعيين رئيس وزراء مفوض يعمل علي تشكيل حكومته خلال اسبوعين فقط بمواصفات ومعايير متوافق عليها ثم انسحاب القوات المسلحة من المشهد السياسي والعود الي الثكنات وأول مهامها هي انفاذ مشروع الإصلاح الأمني والعسكري ودمج الجيوش خلال اقصر فترة ممكنة تحددها لجنة عسكرية يمثل فيها كل حملة السلاح إضافة لضباط من قدامى المحاربين والمفصولين تعسفيا من الخدمة العسكرية .
وفي الختام نسال الله ان يقضى بإسكات صوت الرصاص في بلادنا الي الابد فهذه حرب عبثية تضر بحاضر البلاد ومستقبلها وتهدر مواردها وتزيد من معاناة شعبها فالأفضل للجميع أرضا سلاح .