مقالات وآراء

ماذا لو انتشر السودانيون داخل وطنهم” الحدادي مدادي” !

مع كامل إحترامنا لخيارات الناس الفردية والجمعية في البحث عن مخارج ينقذون بها حياتهم ، بالخروج من بيوتهم، خروجا املته ظروف هذه الحرب العبثية التي أخذتهم على حين غرة ! الكثير من الناس الذين مكنتهم ظروفهم المادية، قد نزحوا نحو دول الجوار العربية والأفريقية وإستقبال هذه الدول للسودانيين الفارين من بيوت الأجداد والآباء التي عاشوا فيها لعقود في امن وسلام ووئام، هو دين مستحق ، فقد ظل السودان البلد الكريم المضياف بشهادة كل من زاره من الأجانب يفتح ابوابه علي مصارعها لمواطني هذه الدول العربية منها والافريقية عندما وضعتهم الظروف في خانة النزوح واللجوء وهذا تاريخ مسجل وموثق فى لوح المنظمات الاممية المحفوظ .هل ينس السودانيون ما كان يردده السوريون النازحون الي السودان عندما اغلقت ابواب البلدان العربية كلها في وجوههم! فقالوها صراحة ” السودان البلد الوحيد الذي إستقبلنا دون شرط ولا قيد”! وهل السوريون وحدهم ! كلا تذكرون كيف استقر اشقاؤنا الفلسطينيون في شندي وما حولها في سبيعات القرن الماضي واصبحوا جزءا من النسيج الأجتماعي في تلك المنطقة ! والأرتريون والاثيوبيون الذين ماعادوا مجرد نازحين او لاجئين فحسب ، بل اصبحت لهم اسواقا ومقاه وصوالين حلاقة وركشات تتكدس في مواقف الجريف شرق والسجانة والديوم الشرقية !

إذن من باب رد الجميل وصناعة المعروف ان تفتح دول الجوار السوداني ،عربية كانت او افريقية ابوابها الوسيعة للسودانيين ” عزيز قوم ذل ” حتي تضع هذه الحرب العبثية اوزارها ويعود السودانيون الي ديارهم المهجورة معززين مكرمين .

نعود الي السؤال الذي إفترعناه عنوانا لهذا المقال ” ماذا لو انتشر السودانيون في وطنهم الحدادي مدادي؟
رب ضارة نافعة ! ولا اعتقد ان هذا القول يكون دقيقا ومعبرا عن حال السودانيين المأساوي الآن ، عندما داهمتهم هذه الحرب اللعينة ،وقتلتهم تقتيلا ،ودمرت منازلهم ومستشفياتهم ، ونهبت مقتنياتهم ،وحرمتهم من الوصول الى المستشفيات ومن الماء والكهرباء ومن كل ضروريات الحياة ! ثم أجبرتهم علي النزوح الي متاهات مجهولة ما كانوا مستعدين لها نفسيا ولاجسمانيا ولا ماليا !

ظللنا نتحدث ونسرف في الحديث عن التنوع السوداني في الاعراق والاديان والثقافات والتراث ، لعلها فرصة الآن ان نضع كل هذا الميراث من التنوع في بوتقة من الواقع عندما ينتشر السودانيون حول جغرافيتهم الوسيعة في الوسط والغرب والشرق والشمال يتعرفون علي بعضهم بعضا معرفة بنت المعاناة وشدة الحرب وكربها ،يتلاحمون ويتوحدون، وينصهرون في وحدة حقيقية تفرضها مآلات هذه الحرب الشرسة، يحسون انهم جميعا سواسية تحت صوت الرصاص وايقاع الدانات ، هكذا يندمجون لاول مرة مع بعض وجها لوجه، ويكسرون الحدود الوهمية بين الولاية والاخري، والمدينة الاخري !
جربوا سافروا الي اهليكم في الوطن ليس بالضرورة ان يكون لكم اقارب بصلة الدم او الرحم في مدينة بعينها ، يكفي ان يكونوا اشقاءكم في الوطن جربوا ان نضع خصائلنا وعاداتنا وتقاليدنا وسماحتنا التي تحدث عنها الاجانب كثيرا في الكرم والجود والايثار والترحيب بالغريب ، لقد آن الاوان ، أن نترجمها الي واقع من الوحدة “يخوجل ” و” يقدل” بين المدن والقري والبوادي والتخوم ، وحدة نضمد بها جراح الحرب، ونصون بها مشاعرنا الممزقة ، ونعمق بها وجداننا القومي المهتك ، ونرتق بها نسيجنا الإجتماعي المفتق ، بدلا من السفر الي بلاد مهما رحبت بنا ،فنحن فيها اجانب ،ومواطنون من الدرجة الثانية، بل نازحون ! إذهب الي كادوقلي وبربر وكوستي وام روابة وسنار والقضارف والابيض وعطبرة ومروي وكريمة ودنقلا والدمازين وحلفا وزالنجي وكسلا وغيرها من المدن السودانية حيث تلقي اهلك السودانيين في إستقبالكم يوسعون لكم المكان وربما ينحرون لكم الذبائح !

جعفر عبد المطلب

تعليق واحد

  1. أؤيد فكرت. و من هنا تبدأ التنمية الحقيقة بالذات للريف.
    تخيل لو كل اهل شمال السودان الذين فى اسطوطنوا فى الخرطوم لو كانوا بنوا كل هذه المنازل والاعمال التجاريه و الصناعيه فى مناطقهم كيف كان سيكون حالهم و حال اقتصاد السودان

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..