مقالات سياسية

أمير الخراب … من الحرب إلى الحرب (1-2)

حمّور زيادة

“كانت العشيرتان تحرصان على استمرار الحرب. الحرب شقيقتنا الكبرى”
رواية “لا تقولي إنك خائفة”، جوزبه كاتوتسيلا

***

في 30 مايو/ أيار 2019، بعد أقل من شهرين من سقوط نظام عمر البشير في السودان، نشرت وكالة رويترز تقريراً عن نائب رئيس المجلس العسكري الذي يحكم البلاد، قالت فيه “يقول معارضون ودبلوماسيون غربيون إن انخراط قائد عسكري بما يتمتّع به دقلو من نفوذ في السياسة قد يُضعف الجهود الرامية لإقامة نظام ديمقراطي في البلاد ويغيظ ضبّاط الجيش الذين يحترسون من طموحاته”.

استطلع التقرير رأي الإعلامي فيصل محمد صالح، الذي سيصبح بعد أربعة أشهر وزيراً للثقافة والاعلام في حكومة عبدالله حمدوك، عن محمد حمدان دقلو (حميدتي)، فقال “لا يوجد ضابط في الجيش لا صغير ولا كبير يقبل بما يفعله حميدتي. وفي الأمد البعيد، قد يتحول الأمر إلى مواجهة”.
كان الرجل خطراً منذ اليوم الأول. القائد العسكري الذي يلقبه أتباعه “أمير البلاد” و”السيد النائب” (بحكم منصبه نائبا لرئيس المجلس العسكري، ثم نائباً لرئيس مجلس السيادة) رجلٌ شديد الذكاء، وشديد الطموح، ولا يؤمن بشيءٍ إلا نفسه. جاء من اللامكان بلا أي مبالغة. وصعد بسرعة إلى قمّة السلطة في بلاد فقدت عبر 30 عاماً من الحكم الشمولي روافعها الطبيعية التي تساعد المواطنين على الترقّي السياسي والوظيفي، فما عاد من طريق للصعود إلا البندقية، والقرب من السلطة.

بدأت قصة “الأمير” في العام 2003. يقول في مقابلة صحافية في مايو/ أيار 2016 انه عمل في التجارة منذ 1991 حتى 2003. لم يكن له شأن بالسياسة، حسب تعبيره. اشتغل في تجارة الإبل، وأقام في ليبيا خمس سنوات. كان مجرّد تاجر يعبر الحدود بين السودان وليبيا وتشاد ونيجيريا، مثل كثيرين من أبناء منطقته. يشارك في تجارة أسرية محدودة. لكن في 2003 تغيّر كل شيء. تعرّض اثنان من أسرته لكمينٍ من إحدى الحركات المسلحة وقُتلا. وصل إليه الخبر في مدينة الكُفرة الليبية. بشكل ما، تبدو تلك لحظة درامية، مثل التي غيّرت حيوات امرئ القيس والزير سالم وأخيل. كل منهم كان مشغولاً بحياته بعيداً عن الاضطرابات والحروب الدائرة، ثم وصل الموت إلى بيته، فهبّ للانتقام.

جمع تاجر الإبل، البالغ 28 عاماً وقتها، 200 من أهله وقبيلته، وبدأ تدريبَهم على القتال. قرّر مقاومة ما كانت تسميه الحكومة السودانية “التمرّد”. خاض أول معاركه بقوة قوامها 400 مقاتل، وسيارة واحدة، ومدفع أر بي جي وحيد. بعد 20 عاماً، سيكون محمد حمدان دقلو، تاجر الإبل المولود في شمال دارفور عام 1975، نائباً لرأس الدولة، ويقود جيشاً من مائة ألف مقاتل، مسلحاً بأسلحة ثقيلة ومدرّعات خفيفة، وأنظمة تجسّس، ويحمل رتبة فريق أول.

منذ تكوين أول قواته وحتى 2006، ظل الرجل يتعامل مع استخبارات الجيش السوداني. لكنه في ذلك العام قفز قفزته الأولى، حيث حمل مطالبه وذهب الى رئيس الدولة، المشير عمر البشير. وطالب بجعل المليشيا الخاصة به قوّات نظامية، تحمل رتباً عسكرية، وأن تكون قوات دائمة، لا موسمية مثل بقية المليشيات المدنية التي تستعين بها السلطة في حروبها في دارفور. لم ينل حميدتي ما يريده من البشير في اللقاء الأول. لكن البذرة كانت قد زُرعت.

وبعد عامين، عندما احتاجه الرئيس السابق مرة أخرى، نال تاجر الإبل السابق ما طلب. وهكذا تحوّل من وصف نفسه بعد سنوات “ابن البادية البسيط، الذي لم ينل من الدولة إلا عنفها” إلى أمير حرب، مشارك في جرائم نظام البشير في دارفور، والانتهاكات ضد المدنيين، وأحد أهم أدوات عنف الدولة ضد مواطنيها. وبعد عشر سنوات، استطاع الرجل الذي بدأ حياته العسكرية بمائتي متطوّع من قومه أن يجعل لقواته وضعاً قانونياً بموجب قانون خاص أصدره نظام البشير من البرلمان السوداني. وأصبح “اللواء” محمد حمدان حميدتي قائداً عسكرياً موازياً للجيش باعتراف الدولة.

… لكن لماذا يقبل رجلٌ طموحٌ مثلُه بالقليل؟ لقد عرف الطريق، ولم يعد لديه ما يمنعه من التقدّم إلى الأمام. إلى الأمام بلا نهاية. أو إلى النهاية، نهايته ونهاية البلاد.
(يتبع)
نُشر في العربي الجديد – 13 مايو 2023

‫12 تعليقات

  1. ١-
    اقتباس:
    … لكن لماذا يقبل رجلٌ طموحٌ مثلُه بالقليل؟ لقد عرف الطريق، ولم يعد لديه ما يمنعه من التقدّم إلى الأمام. إلى الأمام بلا نهاية. أو إلى النهاية، نهايته ونهاية البلاد.
    ٢-
    تعليق:
    لوموند: “حميدتي” الجنرال الدموي الذي يريد أن يكون ملكا. https://arabi21.com/story/1187944/%D9%84%D9%88%D9%85%D9%88%D9%86%D8%AF-%D8%AD%D9%85%D9%8A%D8%AF%D8%AA%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%AC%D9%86%D8%B1%D8%A7%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%85%D9%88%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%B0%D9%8A-%D9%8A%D8%B1%D9%8A%D8%AF-%D8%A3%D9%86-%D9%8A%D9%83%D9%88%D9%86-%D9%85%D9%84%D9%83%D8%A7

  2. من حق الأمير المؤسس حميدتى ان يحلم بحكم السودان ودا حق طبيعي ,لان السلطة ليست حكر على المركز الوسط النيلي النخبوي الغردونى المتمظهر في شليلية محاصصيه و بنية امتيازات تاريخيه. تمظهر احتكار السلطه في نوعيه وشكلية ضباط القوات المسلحة بينما جنود وصف ضباط القوات المسلحة مجموعه هامش وهامش مدن من منظور ثقافى تنموى عرقى اقتصادى…………….. ولكن من الخطاء ان يسمح الأمير حميدتى ان يستغله المركز النيلى مرتين: مره استغله الكيزان لقتال الهامش الاخر ومره أخرى استغلته قوى الحريه والتغيير وياسر عرمان والثالوث الماسونى النوبى الراسمالى طفيلى كلاب دحلان , وهما يكمن خطاء الأمير حميدتى التاريخى الذى يمثل الهامش الصاعد ——-يكفى اعتراف عثمان ميرغنى بان حميدتى اكثر شخص قومى في السودان ————–مذبحة فض الاعتصام تمت بتوقيع قوى الحرية والتعيير والشيوعيين عبر قوى مشتركه ———– وبين الكاتب حمور والمخابرات المصريه ود وعشق الدرويش —-فيا حمور كنت وطنى ولا تكون بوق للمخابرات المصريه واذا القضيه أموال —-فالامير قادر ان يعطيك وزنك ذهب فتسخر قلمك للوطن ——————-من الذى استدرج الأمير حميدتى للحرب ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟

    1. المصيبة ما حق حميدي في ان يحكم فهذا حق كامل للجميع المصيبة يستشهد بمين عثمان ميرغني هههههه مع اني مع الجنجويد وحميدي ضد الكيزان وجيش الكيزان بس ضد أن اكون في قارب واحد مع الكيزان والانتهازية وبعض العنصريين وجماعة الهامش والمركز و خطاب تخوين الاخرين ومنهم من قضى عمر حميدي في السجون من اجل الوطن ومنهم مقضى نحبه وهو يناضل من اجل الوطن العينة دي امثال الربيع و بقال ما لها مكان في المستقبل لا مع حميدتي ولا غير حميدي هؤلاء زي مناديل الورق تبصق فيها وترميها وسيعيشون مرتزقة وانتهازية ويموتون مرتزقة وانتهازية

    2. من حق حميدتي كمواطن سودانى ان يسعى لتولى الحكم فى السودان بالطرق الشرعية بعد تاسيس نظام ديمقراطى مدنى حر، وليس باستغلال عنف الدعم السريع

    3. حكم السودان حق لجميع اهل السودان، اما دقلوا فلا حق له وان اقنع العالم انه سوداني بالميلاد، الاخلاق لانُورَّثُ بالقتل و لاتشتري بالمال، وهذا ما لم يدركه الجنجويد والمرتزقه الي الان، وإن تطاول هذا المجرم لحكم السودان بشراء الزمم او قوه السلاح وفُرِض علي الشعب السوداني المغلوب علي امره، لن يرضي عنه المجتمع الدولي، وإذا كان الغراب دليل قوم سيهديهم إلى جيف الكلاب. ويدخل السودان في عزله اخري.

  3. كتب Elnadeef قائلا :
    … من حق الأمير المؤسس حميدتى ان يحلم بحكم السودان ودا حق طبيعي ,لان السلطة ليست حكر على المركز الوسط النيلي النخبوي الغردونى المتمظهر في شليلية محاصصيه و بنية امتيازات تاريخيه. تمظهر احتكار السلطه في نوعيه وشكلية ضباط القوات المسلحة).!!!

    … عارف يا استاذ Elnadeef لا خيار لكم يا الدارفوريين سوي الانفصال عن نخب ( الشريت) النيلي الغردوني الجلابه العنصريين لأننا ستظل كما نحن ( غردونيون.حتي النخاع و نخب في ارضنا وبلادنا ولا نعتبر دارفور جزءا منها بل نعتبرها عالة علينا و ابتلاء من رب العالمين..

    … دارفور الصقها المستعمر بأرض الحضارات كوش،لأن المستعمر ادرك ان الدارفوريين هم مجموعة من الهمج الرعاع،الذين لا يمكن أن يتطوروا وليس لديهم القدرات لحكم دارفور فتم لصق دارفور ب ( الشريت) النيلي عسى ولعل ان يتعلم الدارفوريون منهم و يغيروا اسلوب حياتهم من النهب المسلح الي العمل وكسب الرزق الحلال ولكن وقيع الله ما بترفع..

    …خيار فصل دارفور عن بقية السودان، هو الخيار الذي لا بديل له وسيتم عاجلا وليس اجلا، خاصة بعد غزوة جنجويد الريزيقات للخرطوم والدمار والاغتصاب والقتل الذي مارسه جنجويد الريزيقات ضد اهلنا…

    .. غوروا من وشنا الله لا عادكم يا وش الشوم والنكد…

  4. وهل ذهاب حميدتي كجنرال محترف من حرب الى حرب ميزة ام عيب هكذا هو الجنرال او بلاش جاهز دائما للحرب إن فرضت عليه مش احسن من ضباط الجيش الحرامية وبيأجر المليشيات عشان تقاتل بالنيابة عنهم ويتأمرون ضد الشعب وثورته والأن حرب هم السبب فيها وهم الاشعلوها وهم من كون طرفها الثاني وجلبه للخرطوم لقتل الشعب وبعد ما يضربون منازل المواطنين بالطائرات وسارقين الجيش ومجوعين الجنود واسلحة خربة وفاسدة يدعون الشعب لتحمل مسؤولية مصايبهم العسكري السوداني يا يكون زي الجنجويد يا بلاش (عينك في تركب فيه) ده الشغل السوداني الصح وهذا الجندي السوداني البشرف لا تقول لي مليشيا عملت أنت من عملت لها قانون وعلى لسان برهان الجبان أن الجنجويد جزء من الجيش وليس للمدنيين حق في التدخل في المؤسسة العسكرية او اصلاح المؤسسة العسكرية والمؤسسة العسكرية تصلح نفسها بنفسها خلاص حميدتي الأن يصلحها صح

  5. اهم حقيقة وهي: ان من يصنع المليشيات هو الجيش ودي سبب المصايب
    عندكم فكرة عن قوات الدعم السريع2
    المرة دي من جبال النوبة وقائدها هو الامير كافي طيارة
    بعد ان انعم عليه الجيش برتبة عقيد وتمت ترقيته العام المضي الى رتبة عميد بواسطة القائد العام للجيش السيد البرهان
    ولا ننسي مليشيا تمازج الممتدة من غرب كردفان الى افريقيا الوسطى دى برضو صنعها الجيش مايسمي بالجيش
    وعن طريق ادارة الاستخبارات هم من يصنع المليشيات ويعطيها الرتب والسلاح والاموال لخدمة الحركة الاسلامية الارهابية
    اذن الجيش مليشيا كبيرة
    والدليل هو انشاءها لمليشيات الدعم السريع جناح حميدتى ومليشيات الدعم السريع جناح النوباوى كافي طيارة ومليشيات تمازج الاغلبها اجانب ومرتزقة دا غير المليشيات الاخري
    اذن مايسمي الجيش هو مليشيا وعقائدية كمان ولائها لجماعة الكيزان الارهابية

  6. أن تكون أديب أو روائي جيد لا يعني بالضرورة أنك تفهم في الحرب والسياسة … يمكنك أن تكتب عن وقف الحرب وعن السلام .. لكن التحليل السياسي موضوع آخر فها هو بركة ساكن ينظر ويجلط ويدعو لمناصرة الجيش … أرحمونا ياخي وخليكم في كتابتكم الأدبية فهي أفيد وأجمل لنا ولكم

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..