
لدي قناعة راسخة أن واحدة من أكبر إشكالياتنا ، وأهم أسباب تدهورنا كشعب وكدولة على جميع الأصعدة ، هو التعامل الشخصي مع الشأن العام ، بمعنى إسقاط المسائل الشخصية وشخصنة ما هو عام وليس شخصي ، وهذا هو مربط الفرس وأس الدمار الذي أصبح سمتنا الغالبة لزمن طويل ، وجاءت حرب رمضان ٢٠٢٣م اللعينة لتدك بلادنا دكا بلا رحمة .
لم يشاورنا أحد في هذه الحرب ، تم تجاهلنا كالعادة من قبل أولئك المتحكمين فينا ، فالمواطن السوداني لم يدخل في يوم من الأيام قائمة اهتمامات الحكومة ، ولا كان من ضمن أجنداتها على مر الحكومات التي تعاقبت منذ الاستقلال ، بيمينها ويسارها ، عسكريتها وديمقراطيتها ،
استيقظنا من النوم كالعادة ونحن نحمل معنا همومنا الصغيرة ، مشاكلنا المعهودة ، وخططنا قصيرة المدى لمجابهة متطلبات الحياة البسيطة التي أصبحت مرهقة ، مكلفة وصعبة، إثر التردي العام والحركة العكسية التي أصبحت سمتنا البارزة كدولة ، العالم يمضي قدما ونحن نسير للخلف متباكين على ماض أفضل من حاضرنا ومستقبل مجهول الهوية ، استيقظنا على كارثة أن هنالك حرب بين الجنرالات ، وأنه بدأ تبادل العنف وإطلاق النيران ، بدون أن يشاورنا أحد ، أصبحت الحرب كائنا مقيتا يمشي بيننا على قدمين ، وأحيانا يطير جوا وتأتينا النيران من السماء ،
طال الكابوس بل واستعرض وبمرور الوقت كان لا بد أن نتقبل حقيقة أن هذا الأمر البغيض قد يطول كثيرا،،
أحاول كعادتي أن أتحدث بلسان المواطن ، ذلك الإنسان السوداني البسيط الذي لا يرجو من وطنه ، سوى العيش بكرامة ، والحصول على متطلبات الحياة الأساسية من مأكل ، ملبس ، تعليم وعلاج ، طموحاتنا محدودة وقد ارهقنا اللهث وراء لقمة العيش ، لا يخفى على أحد أن جنرال المليشيا ما كان ليقود البلد هكذا إلى التهلكة بدون أن يجد دعما من جهات داخلية وخارجية ، وأكاد أجزم بأنه الآن حيا كان أم ميتا يجتر مرارات الخيبة ويعض بكل أسنانه على أصبع الندم ، وليس الإطاري واللغط الذي دار حوله ببعيد ، ودمج المليشيا في القوات المسلحة، فأي محاولة لتفنيد تواطؤ قحت ودعمها للمليشيا في سبيل تمرير الإطاري بأي وسيلة يعد ضربا من حماقة ، فالجنرال الإنقلابي رفض الإطاري بينما دعمه قائد المليشيا ، وهنا يتحتم علي الرجوع إلى مستهل مقالي ، وهو شخصنة الشأن العام ، وكالعادة كان كل يبكي على ليلاه ، وتصدرت الأجندات الشخصية الموقف ، للأسف لم يفكر أحد بتجرد في مصلحة الوطن والشعب المدحور بالفقر والجهل والمرض ، لم يترفع أحد عن المصالح الشخصية والأجندات الرخيصة ، قائد المليشيا كان يسعى حثيثا لإقامة إمبراطوريته التي يحلم بها ، وقد سار طويلا في طريق تحقيق حلمه ، وتاريخه الملئ بالخيانة يوضح جليا بأن قحت كانت عتبة فقط يطأها برجله مواصلا طريقه لإقامة إمبراطوريته ، ما أدهشني هو سذاجة قحت وانطلاء أكاذيبه المزعومة عليها من إرساء قواعد الحكم المدني في السودان ، فكيف يمكن لديكتاتور أتى به المخلوع سئ الذكر ليحميه من الجيش السوداني أن يتقبل أصلا فكرة الديمقراطية ، وجرائمه في دارفور سجلها التاريخ الذي لا يغفل ولا يرحم ،
الجنرال الإنقلابي خاض الحرب أيضا وفقا لأجنداته الشخصية ، فهو مواجه بالكوارث التي جلبها للوطن بانقلابه المشؤوم ، وبعناصر المؤتمر الوطني التي يواليها وتمارس عليه كما من الضغوط ولم تتخلص بعض من هوسها القديم بالعودة إلى سدة الحكم.
الجميع ينظر إلى السودان بأجمعه ، ومصلحة مواطنية من ثقب المصلحة الشخصية ،
ليس لدي أدنى شك أنه لو نبذ كل من ذكرتهم الأنانية وحب الذات ولو للحظة وفكروا في هذا الوطن المبتلى وبنيه لتغير الحال ولكن هيهات ،
قامت الحرب بين الجيش السوداني ومليشيا كانت صناعة حكومة حقيرة اتفق الشعب على طردها وتم خلعها بثورة عظيمة كانت حديث العالم .
أنا كمواطن سوداني بسيط ، لا أنتمي إلى أية أحزاب سياسية وليس لدي أطماع شخصية في السلطة والجاه ، لم أفكر لحظة في أي موقف غير الوقوف مع الجيش ودعمه في هذه الحرب التي فرضت علينا ، حيث لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تقارن المؤسسة العسكرية الرسمية التليدة مع مليشيا تم منح منتسبيها الرتب العسكرية العليا بدون وجه حق ، فهذه المليشيا لم تكن يوما شرعية ، وعندما قال الجنرال الإنقلابي أنها من رحم الجيش ، لا بد أنه يقصد أنها إبن غير شرعي وكان حمله سفاحا ولم يجلب ميلاده سوى العار لهذا البلد البائس .
اختلفت الآراء كالعادة بين من رفعوا شعار لا للحرب ، وعلى رأسهم قحت ، متجاهلين أن الحرب قد فرضت علينا ، وبالطبع ليس هناك من بشر سوي سيؤيد مثل هذه الحرب الكارثية .
وأطلقوا على من يقف ضد هذا الشعار الرنان (دعاة الحرب) ،
هنا لا بد من التركيز على عدة نقاط :
أولا : هل استجاب من أشعل الحرب لكل النداءات التي وجهت من الداخل والخارج لإيقافها؟ .
ثانيا : بالرغم من بشاعة الحرب دعونا ننظر للجزء الملئ من الكوب ، هل كان هناك أية بارقة أمل أن يسير هذا الوطن إلى الأمام في وجود جيشين أحدهما كائن سرطاني استشرى وانتشر مهددا سلامة المواطن في كل العهود ، استعمله عمر البشير كفزاعة أرهب وأرعب بها كل من يقف ضده ، وجاء البرهان ليترك الورم السرطاني يتمدد حتى الخرطوم العاصمة ويتربع فيها ناشرا قواته في كل مرافقها الحيوية ومؤسساتها السيادية المهمة ، وقحت كانت تمني النفس بالسير في نفس الطريق واستخدام المليشيا كفزاعة ضد الشعب الذي انخذل منها وأصبح لا يراها أفضل من كيزان الشيطان .
بالنسبة لي هذه الحرب رابحة إن خلصتنا من هذه المليشيا المدمرة .
ثالثا : في الفترة الأخيرة استخدمت فزاعة الكيزان كأداة قذرة في تجريم كل من يقف ضد قحت ، متناسين أن فشل قحت واضح بين ، ومنذ حكومة حمدوك الأولى (حكومة الكفوات وليس الكفاءات) اتضح أن هذا الجسم أقل بكثير من مسؤولية بناء هذا الوطن ، وأن الأمر بالنسبة لهم ليس أكثر من لعبة الكراسي والمناصب ، أضاعوا الثورة وكانوا الممهد الرئيسي للانقلاب المشؤوم ،
بذات السطحية ورفع شعار (لا للحرب) جزافا هكذا ، بذلوا الغالي والنفيس في سبيل إقناع الناس بشيطنة الجيش السوداني وأن من يخوضون الحرب هم الفلول من الكيزان وكتائب ظلهم سيئة السمعة وأن الجيش بكامله لا يحتوي جنودا أو ضباطا شرفاء ، تجاهلوا عمدا أن هذا الزعم لا يعقل بأية حال من الأحوال ، فغالبية كيزان الجيش تم انتدابهم من قبل الدعم السريع، والكيزان متمركزين كعادتهم حيث المخصصات المادية العالية ، وهل حميدتي إلا صناعة الكيزان؟؟!!! .
لا يفوتني هنا التنبيه إلى أن البقية قد فروا من ويلات الحرب إلى حيث عقاراتهم وأموالهم بالخارج والتي نهبوها من حقوق هذا الشعب،،،
لماذا لم يتذكروا حامد الجامد ورفاقه من شرفاء الجيش الذين يقدسون القسم الذي أدوه لحماية هذا الوطن وشعبه.
رابعا :أي منطق سليم لن يتقبل أي رأي سوى دعم الجيش السوداني ، المؤسسة العسكرية الرسمية ضد هذه المليشيا ، وبعد بتر هذا الكائن السرطاني الخبيث من جسد الوطن ، ستكون الخطوة القادمة (جرعات الإشعاع والكيماوي) هي التخلص من الجنرال الإنقلابي طواعية او قسرا ، وإعادة هيكلة المؤسسة العسكرية وتنظيفها من الكيزان الخونة والفلول ، وتأهيل الجيش السوداني ليقوم بدوره في حماية هذا الوطن وهذا الشعب في ظل حكومة مدنية من كفاءات حقيقية غير حزبية ليس لها أجندات شخصية او أطماع منصبية وإنما همها إعادة بناء هذا الوطن .
نقطة سطر جديد!!!!! .
مقال جيد فيه من الوسطية مايرضي طموحات الشعب السوداني المغلوب علي أمره والتخلصمن المليشيات الكيزان في آن واحد وكنس الفلول الكيزانية من الجيش ليصبح جيش الشرفاء والقوات المسلحة التي تشبه اخلاق الشعب السوداني
حل الدعم السريع هو مطلب وغاية الغالبية من الشعب باختلاف توجهاتهم والشعب يؤيد وجود جيش مهني واحد ولكن تختلف الطريقة. يمكن تأييد الحرب اذا كانت المليشيا تتكون من عدد محدود ولا تمتلك إمكانيات كبيرة. ولكن عندما تكون المليشيا لها قدرات تماثل الجيش تقريبا والكثير من افرادها كانوا بالجيش يوما ما فهنا تصير الحرب صراع افيال وسوف يدمر العشب الذي هو الوطن. ومن المستبعد ان ينتصر أحدهما عسكريا ولابد ان يجلسا للحوار. فإذا كان الاتفاق هو النهاية الحتمية فلماذا الحرب اذا. واذا بدأت الحرب لماذا الاصرار على احراز اكبر قدر من الخسائر بغض النظر عما يطال الشعب من اذى في ذلك قمة الغباء والأنانية ولا يمكن ان يكون ذلك الا بداعي تدمير البلد من منطق علي وعلى أعدائي. اذا توقفت الحرب اليوم باتفاق بعد استحالة النصر عسكريا فهذا يدل على غباء الطرفين وانه كان يمكن الاتفاق من اليوم الأول وتجنب الكثير من الخسائر.