
إن هذه الحرب ليست سوي سم أطعمنا له كياناتنا العسكرية والمدنية ، وها هم يتجرعونه قطرة قطرة ، ويجرعونه الشعب السوداني قطرة قطرة .
ودوما ما تلبس الحرب لبوسات “منطقية” ودوافع ضرورية ، ولكنها تظل دوما مرآة لما يدور في عقلك . فحيازتك للسلطة لا تغير شخصيتك ، إنما تضخم ما أنت عليه في حقيقتك فحسب.
على أن أغبى أنواع الحروب هي التي تعبر عن دوافع شخصية ذاتية كحرب “الجنرالين” في السودان . فقد صرح البرهان وحميدتي بعبثية الحرب وخسرانها على التوالي. كما لم يمنعهما الحياء من الإفصاح عن شخصنة هذه الحرب البليدة . فقد أبان البرهان أنه ليس ضد “الدعم السريع” ولكنه ضد قيادة الدعم السريع ، وأبان حميدتي أنه ليس ضد “الجيش” ولكنه ضد قيادة هذا الجيش ومن يقف خلفه من الإسلاميين ، حلفاء الأمس . وما يشكف زيف مبرراتهم لخوض الحرب ، إنما هو عدم اكتراثهم لحياة وممتلكات الشعب السوداني ولو من باب التظاهر بذلك ، ولكنه الغباء . فلو كانوا غير ذلك لفتحوا مسارات لإغاثة الملهوف وستر المقتول ، تماما مثلما فتحوا ذات المسارات لإغاثة ملهوف الأجانب .
ستتوقف الحرب قريبا ، إن لم يكن بسبب الأصوات العسكرية التي ترى عبثية الحرب ، فبالتدخل الدولي السياسي والاقتصادي . فمن فرادتنا ، أن تتدخل العديد من الشركات ، التي تعتمد كارتيلاتها على المواد المنهوبة من السودان ، لتمارس نفوذا سياسيا دوليا لوقف الحرب المجنونة هذه .
ثم ماذا بعد الاتفاق لوقف الحرب ؟؟ .
كثير من الكتاب يسندون قعود الدولة في السودان عن الانطلاق المستحق ، منذ الاستقلال الحديث منتصف القرن الماضي ، إلى تدخلات العسكر في مجرى الفعل السياسي ، وتمدد هذا الوهم ووجد مقعده في شعارات آخر ثورات الشعب السوداني المجيد والمجيدة .
ولكن الوضع في حقيقته ليس كذلك ، إنما هو فشل الكيانات السياسية التي نسميها مجازا أحزابا وتفاهة مشاريعها . ودعني أقرر مرة واحدة ، وإلى الأبد ، إن فشل الأحزاب السياسية في إدارة الدولة السودانية التي منحهم إياها الشعب السوداني ، إنما هو المغناطيس الوحيد الذي يجتذب العسكر إلي الاستحواذ على السلطة ويجعلهم عرضة لقصاصات الأفكار التائهة التي يجتذبها الفراغ بدوره ، وكان انقلاب العسكر الأخير في 25 أكتوبر ترجمة ناصعة لملء الفراغ (راجع مقالنا الذي حمل عنوان : نعم انقلاب لكنه ملء تلقائي للفراغ) .
عند الاتفاق على وقف الحرب ، يكون الجلوس للتفاوض على الانتقال ، وهنا يأتي الحل الناجع بإبعاد كل الأحزاب وكل واجهاتها من المشهد الانتقالي كلية ، فهي ببساطة ليست قدر هذه المهمة . وذلك لأنها لم تكن قادرة على تطوير طرحها وأكتفت بأن استمرأت مخدع الشعارات الناعم الذي يؤمنها من وجع الدماغ في التقكير الذي يستوعب ذلك الوعي المكشوح خارج مواعينها في ديسمبر 2019م .
ولكن أين تكون هذه الأحزاب وواجهاتها في الفترة الانتقالية؟؟.
للأحزاب مكانان في الفترة الانتقالية : المفوضية العامة للانتخابات والمجلس التشريعي . وبس .
فلتشغل ، إذن ، الأحزاب وواجهاتها كامل مفوضية الانتخابات من مديرها إلى غفيرها . وذلك من أجل وضع قوانين الانتخابات وسبل مراقبتها بالطريقة التي يرونها تؤدي ، في رأيهم ، إلى انتخابات حرة ونزيهة ، بما يشمل تقسيم الدوائر وعمليات الإحصاء والإدارة المرتبطة بها . وليس ذلك من أجل تحييد حججها الأثيرة بتزييف إرادة الجماهير عند فقدانها الانتخابات ، كونها وضعت قوانينها بيديها فحسب ، بل لينمو مع ذلك إحساسها أن للسلطة واجبات وشغل يجعلها مستحقة .
وأما المجلس التشريعي ، فليكن للأحزاب الربع منه . وربع ثاني للحركات المسلحة . أما النصف ، فللشباب . ولا داعي لنسب أخرى كالمرأة وغيرها . فلو كانت تؤمن هذه المجموعات المتنطعة بالمرأة وغيرها ، فلتقدمها جزءا من نسبتها في هذا المجلس .
وفي هذا المجلس ، يتعلم الشباب بعض “فنون” الحكم الضرورية من ملاواة الأحزاب لبعضها البعض داخل كل من المجلس والمفوضية ، ومن أجنحتها لجنة حصر خراب الحرب وإعادة الإعمار . وهو أمر يشجع الشباب لتكوين حزبهم المبرأ من الأسرية والطائفية والدوغما ومفاهيم الإثنية ، كما يسرع في إنضاج الأحزاب لتقوى على البقاء .
ستمضي خمس سنوات تتعافر فيها الأحزاب داخل المفوضية لإخراج قانون يرضيهم . وظني المستحب أنهم يكونون صرعى “الأمبيفلانس” تجاه الأمر الانتخابي ، وهو تناقض الوجدان . فمن جهة ، هم شغوفون لنيل السلطة مما يدفعهم إلى تجويد شغلهم السياسي ويتخلون عن أفكارهم الصبيانية كتحرير العالم من “الإمبريالية” أو “نفوق العالم أجمع” أو نحن والعرب أصحاب “رسالة خالدة” وذلك لأن العالم من فوقهم ومن تحتهم الجيل الراكب راس. ومن جهة أخرى ، هم يخشون نهاية عجلى للفترة الانتقالية قبل ترتيب أصوات جماهيرهم ، فتبعدهم الانتخابات من دفء السلطة إلى صقيع التيه السياسي في معارضة تتطلب فهما جديدا.
وبنهاية الخمس سنوات ، تكون حركة الدكتور استيفن قرير اكتسبت زخمها البديع حول العالم بعد تدشين فيلمه “القرن المضاع ، كيف نستعيده” ، في مطلع الشهر القادم أو الذي يليه. وهو يتناول كشف القمع المدروس لأعمال نيكولا تسلا المتعلقة باستقبال الطاقة المجانية التي تتحدر من أزقة متصل الزمان والمكان ، وهي قادرة على مد كل كواكب مجرة الطريق اللبني بالطاقة المجانية التي لا تنتهي ، وتضع بذلك الأرض أقدامها على مشارف اتحاد المجرات الفيدرالي . وتأتي أهمية هذه النقطة ، ضمن أشياء أخرى ، لأنها تعزز من فرضية تقلص الحروب بسبب مورد مهم كالطاقة (الكهرباء و النفط) وما يتبعه من زيادة في سكان الأرض ، مضافا مع توهان النحل عن خلاياه لارتباك المجال المغنطيسي الذي يسترشد به النحل لتلقيح الخضروات والفواكه (70% من غذاء الإنسان والحيوان) ، الأمر الذي يجعل زراعة كل شبر ممكن من “سلة غذاء العالم” أمرا بالغ الأهمية .
كان حمدوك صاحب مشروع نهضة حقيقي ، بل هو الوحيد الذي طرح فكرة تقسيم السودان لخمسة أقاليم اقتصادية ، وهو المشروع العملي الذي أفتقده السودان منذ استقلاله ، منتصف القرن الماضي . وهو مشروع شبيه بالمشروع الأثيوبي الذي انتشلت به اثيوبيا أكثر من عشرين مليونا أثيوبيا من الفقر كما أشارت إلى ذلك سوزان رايس في كلمتها في جنازة ملس زيناوي . فمن شأن إعادة هذا المشروع ، وانخراط الشباب فيه بالتدريب والعمل ، أن يساهم في إعادة إعمارنا ونهضتنا ويحررنا من قيود العطف المزعج للمجتمع الدولي نحونا .
ولعلك تذكر ، أن جيمي كارتر صرح ، ذات مرة ، أنه لم يقض ليلة في البيت الأبيض بعد خروجه منه ، إلا مرتين إثنتين والمرتان الإثنتان كانتا بسبب السودان ، فقد شرح لبيل كلنتون ، الرئيس حينها ، أهمية السودان لأمريكا وللعالم مستقبلا ، ولكن كلنتون كان غارقا في أزماته العاطفية في ذلك الوقت .
كيف تتشكل الحكومة ، إذن ، بلا أحزاب ؟؟ .
والإجابة هي بالمتاح الممكن ، بما يساعد على اقتلاع ما يعرف بالدولة العميقة لتسيير دولاب العمل . وذلك يتم ببساطة بتعيين نواب الوزراء والولاة والمدراء العامين مكان رؤسائهم ، وبذلك تكون رفعت “العمق” درجة إلى السطح . فأنت لا تستطيع محاربة المجرمين تحت الأرض في الظلام ، لأن تلك بيئتهم التي يجيدون العمل فيها ، فعليك إخراجهم إلى الضوء رويدا رويدا ، فتتفكك معهم شبكات المصالح اللصوصية مع فتح ملفات الفساد التي تتناسب طرديا مع درجة الإنكات من هذا “العمق” ، وذلك حتى لا يرتج دولاب العمل وتفقد السيطرة عليه ..
مافهمنا اى حاجة انت عاوز تقول شنو ولابس كلام خارم بارم ساكت
استاذ عادل قلت : ويتخلون عن أفكارهم الصبيانية كتحرير العالم من “الإمبريالية” أو “نفوق العالم أجمع” أو نحن والعرب أصحاب “رسالة خالدة”
تعرف المثل البيقول ( قطية فرتقو وبنو بقشو )
او شعر نقضو ومشطو بقملو
مافي فايدة زي ما هم مافي افكار جديدة السودان منطقة مقفولة والأفكار في ثلاجة درجة حرارتها 100 تحت الصفر , والدليل الجيش بدل يجمع السودانيين علي كلمة واحدة قام بتقسيم الشعب مع او ضد وأي فكرة خارج الصندوق أنت خائن وعميل ,ولو ما مصدق شوف التعليقات الحتنزل هنا