كيف نوقف الحرب

يوسف السندي
في المملكة الحيوانية عموما منذ ظهور الخليقة الى اليوم يستخدم العنف من أجل تحقيق المصلحة، بغض النظر عن الخسائر الناتجة.
الإنسان جزء من المملكة الحيوانية، ولكنه يتصف بالعقل، ويستخدمه من أجل تقليل الخسائر، والعنف/الحرب أكبر مصدر للخسائر، لذلك ظل الإنسان تاريخيا يحاول ان يتجنب خسائر الحرب، ويسمو عن طبائع العنف الحيوانية غير العاقلة.
في التاريخ القديم عاش الناس في قانون الغاب، القوى يأكل الضعيف، كانت الخسائر كبيرة، لذلك طور الإنسان القوانين وصولا الى الدولة بهدف تقليل العنف غير المتكافيء والحفاظ على المجموعة.
لذلك الدولة التي تضطر الى استخدام العنف باستمرار هي واحد من اثنين:
– دولة غير واعية بدورها.
– دولة تسكنها حيوانات غير عاقلة وغير مستجيبة للقانون.
بعد الحرب العالمية الأولى، وخسارة ملايين الارواح، طور الإنسان عصبة الامم، من اجل تقليل العنف الدولي، ثم بعد الحرب العالمية الثانية وخسارة اكثر من ٦٠ مليون شخص ودمار هائل، وصل الإنسان إلى تكوين الامم المتحدة ومجلس الامن ومجلس حقوق الإنسان ثم المحكمة الجنائية الدولية والخ، وكان الهدف الاساسي من كل ذلك هو نفس الهدف الاول القديم: تقليل العنف المؤدي للخسائر.
يلاحظ ان الإنسان الأول حين كان عنيفا بلا قوانين، كان فردي النزعة، ثم لحماية نفسه وتقليل خسائره من العنف صار يتوحد قليلا قليلا مع الاخرين، تطور هذا الاتحاد شيئا فشيئا من الاسرة، الى الجماعة، الى القبيلة، الى الدولة القطرية، الى الامم المتحدة.
هذا يسوقنا الى ان العامل الحاسم الذي ظل الانسان يستخدمه لمواجهة العنف ظل واحدا مهما اختلفت الازمان وهو: الوحدة.
الوحدة تقلل العنف والخسائر.
في سوداننا، كونا الدولة منذ أمد بعيد، بيد اننا فشلنا حتى يومنا هذا في معالجة مشكلة الإنسان الأول وهي تقليل الخسائر الوطنية الناتجة عن العنف/ الحرب، ويرجع هذا الى عدم وصولنا الى وحدة حقيقية، وحدة وجدانية، وحدة شعوب ومصير واحد.
يمكن التدليل على ذلك بان الحروب في السودان بدأت منذ ١٩٥٥، بدأت في الاطراف، ثم دخلت إلى العمق رويدا رويدا حتى وصلت الان الى العاصمة الخرطوم، وبدل ان يسوقنا هذا العنف المزمن الى العلاج الإنساني الحاسم: الوحدة، ساقنا الى العكس، اذ تفرقنا اكثر، فانفصل الجنوب، وهناك دعوات لانفصال جبال النوبة، والنيل الازرق، ودارفور، وهناك جماعة البحر والنهر، وهي دعوات لا تعالج أزمة العنف/ الحرب في بلادنا، بل تزيد من خسائرها.
الوحدة الوطنية ليست ترفا، ولا دعوات ساذجة، بل هي ترياق للحرب، وعلاج للعنف.
اذا لم تأخذنا هذه الحرب الى عقد اجتماعي يوحد الشعوب السودانية ويرسى وحدة حقيقية بين سكان السودان، فان معالجة العنف بالعنف لن تقود الى دولة مستقرة ابدا.
كلام مقنع.. نسأل الله أن يهدي الجميع.