مقالات وآراء

محطات مختلفة لتفكيك الحرب وخطاب البلابسة

يوسف السندي

تعريف: البلابسة هم الذين يدعمون احد أطراف الحرب الحالية بشعار ( بل بس).

( ١ )
يوجد في السياسة السودانية معسكران متصارعان منذ الاستقلال:
١/ معسكر الشمولية: وهو معسكر الذين يريدون ان يحكموا السودان بالبندقية غصبا عن شعبه. ( اعضاء هذا المعسكر الان هم: الجيش والدعم السريع والكيزان واحزاب اعتصام الموز وبعض حركات دارفور المسلحة).
٢/ معسكر المدنية: وهو معسكر الذين اشعلوا الثورات وآخرها ثورة ديسمبر، ويؤمنون بالدولة المدنية الديمقراطية. ( أعضاء هذا المعسكر الان هم: لجان المقاومة، قوى الحرية والتغيير، احزاب الشيوعي والبعث والناصري، والنقابات المنتخبة).

توجد اختلافات داخل هذين المعسكرين، ونوع المعسكر يحدد نوع الاسلحة المستخدمة في معالجة الخلافات داخله، الاختلاف داخل معسكر المدنية يحسم بالطرق السلمية عن طريق الأفكار والبرامج والتنظيم وقبول الجماهير، بينما الاختلاف داخل معسكر الشمولية يحسم عن طريق العنف سواء بالانقلابات او الحرب. عليه، الحرب الحالية هي اختلاف داخل معسكر الشمولية، والسلاح المستخدم في فض الخلاف هو: الحرب.

اذا انتصر احد المتحاربين هؤلاء او اتفقوا وتصالحوا، فالنتيجة غير مؤثرة بصورة كبيرة، لأنه في النهاية هو معسكر الشمولية ذاته. بعد ايقاف الحرب سيأتي هذا المنتصر ليواجه معسكر المدنية في المعركة الحقيقية للبلد، معركة انتصار الشمولية ام المدنية. والاكيد ان معسكر المدنية سينتصر لا محالة لأن هذا هو مسار التاريخ الحتمي.

( ٢ )
لجان المقاومة، والحزب الشيوعي، والنقابات ( مثال نقابة الصحفييين ونقابة الاطباء)، غير موقعين على الاتفاق الاطاريء، وحزب البعث غادر قوى الحرية والتغيير بسبب توقيعها على الاتفاق الاطاريء، وهؤلاء جميعهم يرفعون شعار (لا للحرب).

لذلك اختزال شعار لا للحرب في قوى الحرية والتغيير وهياج البلابسة بان قحت تقف ضد الحرب لكي يعود الاتفاق الاطاريء، هو حديث ساذج، لا يفترض ان ينطلي على شخص عاقل.

( ٣ )

في انتخابات الديمقراطية في عام ١٩٨٦ نال حزب الأمة القومي (تقريبا) جميع مقاعد دارفور. تفسير هذا سياسيا يقول ان حزب الامة حقق وحدة سياسية بين مكونات دارفور المختلفة عرقيا واثنيا، وهذا يعني ان هذا الحزب قادر عبر وجوده الفعال في السياسة وفي دارفور، على ان يعالج مشاكل مكونات دارفور وربطها ببعضها ومنع تفككها. وهذا هو بالضبط معنى ودور الحزب السياسي ( مهم فهم هذا الدور لمن يعملون بجد غير مفهوم في هدم الاحزاب وهم غير واعون بما يمكن أن يفعله الحزب).

لكن ماذا حدث؟
قام انقلاب الانقاذ، وتم حل الاحزاب السياسية بما فيها حزب الأمة القومي ومصادرة دوره واعتقال قادته وكوادره ومنعه من النشاط السياسي في كل أنحاء السودان.

ايقاف النشاط السياسي بواسطة الانقلاب أفقد دارفور احد أهم عوامل الجمع بين مكوناتها الداخلية، وهو نشاط ووجود حزب الأمة القومي مما جعلها عرضة للخلاف والاختلاف.

جعلت الانقاذ دارفور منطقة مغلقة امام حزب الأمة القومي، فكان نتيجة هذا تمزق مكوناتها واشتعال الحرب فيها، ثم حينما قامت الحرب بدل ان تستفيد الانقاذ من اخطائها السابقة، واصلت في إغلاق دارفور امام الاحزاب السياسية وقامت بتجنيد مكون اخر داخل دارفور لمحاربة المكون الذي أشعل الحرب، فحدث الانقسام الشنيع بين مكونات دارفور، والذي لم ينتهي حتى هذه اللحظة.

ما فعلته الانقاذ بدارفور لم يفعل مثله الا المستعمر، الذي أغلق جنوب السودان امام شماله عبر قانون المناطق المقفولة الذي صدر في عام 1922 م مما عزل الجنوب وجدانيا عن الشمال، وقاد الى الحرب في الجنوب في ١٩٥٥ ثم لاحقا للانفصال في ٢٠١١.

هذا السرد يوضح ان الاستعمار والحكومات الانقلابية يعملان بنفس المفهوم، مفهوم فرق تسد، مفهوم تمزيق الوحدة الوطنية لاشغال الناس بانفسهم حتى لا ينشغلوا بهم. هضم هذا المفهوم سيساعد كثيرا في قراءة معنى وابعاد الحرب الحالية وافاقها ومدلولاتها وطرق معالجتها.

( ٤ )

الحرب الحالية رغم أنها الحرب رقم سبعة تقريبا في السودان، الا انها الحرب الأولى التي تصل الى مركز الدولة، وتؤثر بصورة مباشرة فينا نحن أهل الوسط والشمال، بينما كانت بقية الحروب كلها في الاطراف/ الهامش.

لذلك المتوقع ان تغير هذه الحرب بصورة حادة في مفاهيم سكان المركز المسيطرين على القوة والثروة في السودان، سلبا او ايجابا، سلبا في اتجاه زيادة خطابات الكراهية والعنصرية والاستعلاء والانفصال، او ايجابا في اتجاه العمل بقوة نحو إحلال السلام وإقامة وحدة جامعة تقضي تماما على اسباب الحروب مجتمعة.

اختار الكيزان والبلابسة طريق الكراهية والاستعلاء. بينما اختارت الاحزاب والنقابات ولجان المقاومة طريق السلام.

اذا انتصر خطاب الاستعلاء والكراهية فستشتعل هذه البلاد بحروب أهلية لن تبق ولن تذر. واذا انتصر خطاب السلام والوحدة فستشتعل هذه البلاد قمحا ووعدا وتمنى.

[email protected]

تعليق واحد

  1. بتقسيم الناس الي معسكرين أحدهما شمولي والآخر مدني حكمت على السودان بأن تستمر الساقية فيه مدورة الي ما شا الله لها لأن ليس لأحدهما القدرة على مسح الاخر نهائيا من الخارطة.. لماذا لا تتفائل خيرا وتسعى لان يكون هناك معسكر ديموقراطي واحد وهناك الف باب يمكن طرقه للوصول للهدف ولعلمك ليس هناك شخص ديموقراطي واخر غير ديموقراطي لكن توازن القوة والمصالح هو الذي يرسخ المفاهيم الديموقراطية في المجتمع..نقطة أخيرة بالنسبة لباقة معسكر أحزاب المدنية والديموقراطية انت متأكد من كلامك ده ام وقعت ليك في كرتلة.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..