مُستقبل الحرب .. إنفراط سُرة افريقيا

مهيلم إبراهيم
يتحدث الجميع عن مصير السودان عند إستمرار هذه الحرب و مآلاتها الانسانية و الاجتماعية و قد أسهبت الدراسات عن الحروب والصراعات في العالم و وضعت محاذير يُمكن تصورها في السودان .
بعد انقضاء أكثر من شهرين في حرب السودان وضح حجم التحديات التي يواجهها المواطن المُعدم منذ فترة طويلة .
السودان القديم يمثل نسخة مُصغرة من خارطة القارة الافريقية و جمع مناخات القارة المتعددة و كذلك مواردها الطبيعية و ايضاً تعدد السحنات و الثقافات المحلية .
( مثل السودان بوتقة لتلاقح هذه الثقافات و اجتمعت داخل خارطته أعرق الحضارات الانسانية ) .
إن استمرار الحرب الحالية شبيه بالنفخ علي سُرة الجسد بعد انفراطها ، و من وسط السودان تبدأ النيران في الانتشار الي بقية الولايات و الاقاليم المتعددة في الاطراف و شيئياً فشيئًا تذهب الحرب الي تغيير أهدافها لأن من أشعلها لا يملك طفاية حريق تمكنه من إخمادها وقت يشاء .
تأثر سكان مدينة الخرطوم ذات ال15 مليون نسمة و خرج منهم نزوحًا خلال شهرين أكثر من 6 ملايين شخص تقديرياً الي الولايات المختلفة و ينتظر البعض الذين اقعدتهم ظروف الحياة فرصة انتهاء الحرب أو فرص بديلة تكفي لحزم الحقائب .
تأثرت الولايات ذات المصالح الاقتصادية المرتبطة بالخرطوم و عجزت عن وضع حلول لسكانها المستقرين و كذلك عجزت عن توفير معينات الحياة للنازحين الفارين من الحرب ، كما عجز الدعم الخارجي الشحيح عن توفير الغذاء و الدواء و أماكن الايواء .
بذلك و عند إستمرار الحرب سيعم شظفها و بطشها إلي تلك الولايات بسكانها الذين سيطلبون النزوح و اللجوء الي دول و ولايات اكثر امناً تتوفر فيها فرص العيش .
سكان السودان الحاليين يمثلون زهاء ال50 مليون نسمة بالتقدير ، ضغوط الحياة و الحرب ستجعل تاثيرها يمتد الي خارج الحدود الي دول الجوار المتمثلة في :
( ارتيريا / اثيوبيا / جنوب السودان / افريقيا الوسطي / تشاد / ليبيا / مصر ) و البالغ عدد سُكانها 314 مليون نسمة مع السودان .
هذه الدائرة المحيطة بالسودان بتداخلاتها العرقية و الثقافية و مصادر كسب العيش المتشابهة و قلة فرص المعيشة ستُصدِر الحرب بآثارها و سكانها الي دائرة أوسع تمثل جوار الجوار السوداني الذي يبلغ عدد سُكانه حوالي 274 مليون نسمة ! .
( و هي الدول المتمثلة في : الصومال / كينيا / جيبوتي / الكونغو الديموقراطية / الكونغو برازفيل / الجزائر / النيجر / يوغندا ) .
( بذلك تصبح دائرة الحرب تؤثر في حوالي 600 مليون نسمة بالمجاعة و الندرة و المهددات الصحية و إمتداد النيران )
هذا تصور مبسط عن الحرب في الخرطوم و كيف سيمتد التاثير في افريقيا و يمكن من بعد ذلك تصور جميع الاهوال المتعلقة بالهجرات العابرة إلي خارج القارة ، و التغيرات التي سوف تحدث في مناطق الحرب من إنتشار للأمراض و المجاعة كذلك الغياب الإداري للدول الأمر الذي سيجعل من التشكيلات الاجرامية هي الحاكمة و العصابات هي النافذة بالحماية داخل هذه المجتمعات .
إن إيقاف الحرب في الخرطوم و دارفور الآن هو وجاء و تلافي لأحداث أكبر بكثير مما نتصور و ليس تفكيك السودان و حده الذي سوف تقف عليه الأمور بل سيمتد بامتداد انتماءات سكان السودان الي حروب أهلية يمكن أن تلتهم معظم بلدان القارة خصوصاً في السودان الغربي القديم و دول شرق افريقيا .
إن إدراك خطورة إستمرار الحرب يجب أن يُمثل دافع للسلم بإنهائها و فرصة لبناء ذلك السودان الذي يحلم به الجميع ، يبدأ بنزع فتيلها و تحييد مكامن تفعيلها في المدن الاخري و الولايات عبر ثورة تبشر يالجديد و تعمل علي نبذ خطاب الكراهية و العنف بالسلم الاجتماعي و تعمل كذلك علي مكافحة هذه الآثار بتحمل الولايات مسؤلية الإنتاج و تزليل العقبات أمام الفئات الزراعية و الرعوية و غيرها لتلافي المجاعة القادمة و تمتين النظم الإدارية عبر بناء قاعدة إدارية من شباب لجان المقاومة و غيرهم من حداة الثورة و التغيير ، صالحة للبقاء متي ما وضعت الحرب أوزارها لتكون قادرة علي الصعود بذلك النموذج الي الحكم المركزي المدني .