سقوط الأقنعة في حرب الجيش والدعم السريع

الخرطوم: أحمد حمدان
بعد نحو شهرين من حرب الجيش والدعم السريع، انزلق السودان إلى درك لم يكن يتوقعة أكثر المتشائمين.. منازل ومنشأت حيوية مدمرة، جثث متناثرة في شوارع الخرطوم، أبرياء محاصرين في منازلهم ينتظرهم الموت جوعا، بعد أن تعطلت مصادر دخلهم وعرقلت أطراف القتال وصول المساعدات الإنسانية اليهم، والأسوأ وجود تيار واسع من المثقفين والناشطين، أعمتهم المصالح الضيقة عن رؤية هذه المآسي، ولا زالوا منخرطين في نفخ نار الحرب لتقضي على ما تبقى، بعد أن حجزوا مواقعهم الآمنة خارج البلاد.
ومنذ اندلاع “حرب السلطة” في 15 ابريل 2023، بدأت الأقنعة تتساقط عن وجوه كثير من الذين كانوا يهتفون بالسلام والحرية والعدالة، حيث تخلوا عن سلمية ثورة ديسمبر المجيدة، وانخرطوا في الحرب الملعونة، مقاتلين بالكلمة المنحازة لأحد طرفي الصراع، وأكثرهم كانوا فاعلين رئسيين في تأجيج النيران من خلال الدعاية الحربية القائمة على التضليل الاعلامي الذي يستهدف عواطف وغرائز العامة “الدينية والعنصرية والجهوية، والقومية أيضاً”.
ومع ذلك فقد حافظت مجموعة “الديمقراطيون”، على موقفهم المبدئي الرافض للحرب والمتمسك بالسلمية والمدنية، من خلال عدم مساندة أي من الطرفين بل وتجريمهما على الانتهاكات الفظيعة التي ارتكباها ضد المدنيين ومنشاتهم الحيوية، وقد وقفت هذه المجموعة بشجاعة منقطعة النظير امام حملات الترهيب التي يقودها الطرفين اللذان يحاولان تقسيم السودانيين بين مع وضد، خصوصاً أنصار الجيش الذين ما انفكوا يبتزون الناس بالقومية والوطنية، مع وصف قوات الدعم السريع، بالمرتزقة الأجانب.
مساندو الجيش
وقد انقسم مساندو الجيش إلى ثلاثة فئات، في مقدمتهم “الاسلاميين” وأنصار نظام الرئيس المخلوع عمر البشير، الذين بدوا أكثر تطرفا في محاربة الدعم السريع، ورفعوا شعار “يا تسليم كامل او تدمير شامل” ويعني ان قوات الدعم السريع ليس أمامها غير خياران اما ان تستسلم او تستمر الحرب حتى سحقها وتدميرها تدميرا شاملا، وبعد شهرين من الحرب لم نر استسلاما ولكن رأينا تدميرا لبنية البلاد التحتية بطرقة لم تكن تخطر على بالنا.
هكذا نفخ الاسلاميين نيران حربهم مع قوات الدعم السريع، التي كانت بالأمس اداتهم الباطشة ضد معارضيهم السياسين وحملة السلاح، وللمفارقة كانوا وقتها يصفون من ينتقد انتهاكات الدعم السريع، بذات الاتهامات التي يكيلونها اليوم ضد من يرفض الرقص معهم على انغام “التسليم او التدمير”.
الاسلاميون يروون أنفسهم أصحاب الوطنية المطلقة ورأيهم سديد، يجب أن يؤخذ به، ومن يخالفهم فهو خائن وعميل، فحينما يقولون إن “الدعم السريع” خرج من رحم القوات المسلحة وهو حامي حمى البلاد، يجب أن يردد الشعب هذه الأسطوانة، وحينما يشق “الخارج من الرحم الفاسد” عصى الطاعة عليهم، يجب أن يلعنه الجميع، وينخرطون معهم في محاربته بالسلاح.
أما الفئة الثانية من مساندي الجيش هم “مجموعة المركز ذات المصالح المتشابكة”، وتضم في داخلها العنصريون والجهويون، ومن توارثوا امتيازات البلاد وأكتنزوا الثروة المحمية بالسلطة، ولم يكن في مخيلتهم يوماً أن يأتي أحد لينزع عنهم أو يشاركهم هذه الامتيازات.
الخيط بين الفيئتين “الثانية والأولى” رفيع جداً، ولا تكاد تميز بينهما حين المحاججة، فكلاهما ينطقان بلسان واحد في مرات عديدة، رغم الاختلاف السياسي الكبير بين بعض أفراد هاتين الفيئتين.
يخفي هؤلاء “مصالحهم الذاتية” خلف شعارات من شاكلة قومية الجيش وأنه مؤسسة نظامية منضبطة يعود تاريخها لما قبل استقلال السودان، وحينما يحاججهم الرافضون للحرب المتمسكون بالتحول المدني الديمقراطي عبر الوسائل السلمية، ويذكرونهم بتاريخ هذه المؤسسة العسكرية الطويل في السطو على السلطة عبر الانقلابات العسكرية، وعرقلتها لتطلعات الشعب في استدامة الديمقراطية، يهربون في استهبال بين، إلى محطة المقارنة بين “الجيش والدعم السريع”، وذلك في محاولة لوضع من يحاججونهم في خانة داعمي “المليشيا” بعد أن احتفظوا هم بخانة دعم “الجيش المنظم المنضبط”.
على الرغم من أن تمليش الدعم السريع، أمر ربما لا ينكره إلا الذين انخرطوا في صفوف هذه المليشيا، كعاملين بأجر، كما أنه ليس موضوع جدال حتى، إلا أن “مجموعة المصالح المتغطية بالجيش”، يصرون على اقحامه متى تطرق أنصار التحول الديمقراطي، لنقد الجيش وكشف انتهاكاته التاريخية والحاضرة، ويرفعونه في وجوههم ككرت اتهام بمولاة الدعم السريع، في محاولة للجمهم واسكاتهم والتشويش عليهم في أحسن الأحوال.
انهم يريدون ان يتركز الهجوم على قوات الدعم السريع وحدها، فهي فقط من ترتكب الانتهاكات الفظيعة، فهي تحتل منازل المواطنيين وتنهب سياراتهم، وتحول المستشفيات لثكنات عسكرية، ولكن في المقابل فإن طيران الجيش يدك هذه المنازل والمستشفيات ويحيلها إلى حطام، ويقتل الأبرياء في “شمبات ومايو والمويلح” وغيرها، ومع ذلك لا يرون فظاعة هذه الانتهاكات، بل أن الوقوف على الحياد من الحرب وكشف انتهاكات الطرفين، إنما هو محاولة للمساواة بين “المليشيا والجيش النظامي”، هكذا منطقهم، ألم أقل ان الخيط رفيع بين الفيئتين الأولى والثانية؟.
يطرح هؤلاء سؤالا مخاتلا، ويظنون أنهم قد افحموا “الديمقراطيون” الذين يساوون بين الجيش والدعم السريع، يقولون “من أجل ماذا يقاتل الدعم السريع؟ مع أن السؤال الصحيح كان ينبغي أن يكون “من أجل ماذا يتقاتل الجيش والدعم السريع؟”، لكن كما تعلمون فأن المشروعية للجيش حتى في شن الحروب والقتال، لأجل ماذا، لا أحد يسأل، ومن يتجرأ على السؤال فهو خائن عميل وغيرها من سلسلة الاتهامات الجاهزة.
ثم يأتي أصحاب “السؤال المخاتل”، بالإجابة من عندهم في شكل سؤال استنكاري، هل تظنون أن الدعم السريع يقاتل من أجل جلب الديمقراطية كما يتحدث قادته؟، هكذا في تذاكي واستهبال يضيقون خيارات الإجابة على “سؤالهم المخاتل”، امعانا في حرف النقاش عن مساره الموضوعي الذي يفترض أن ينتهي بإجابات منطقية عن كل سؤال مهما كانت درجة “غبائه”.
وإذا أخذنا بسؤال لماذا يقاتل الدعم السريع؟ فيمكننا إن نجيب ببساطة أنه يقاتل من أجل السلطة، السلطة المحتكرة بواسطة “مجموعة المصالح” التي اختطفت قرار الجيش منذ أمد بعيد، والمعروف أن الجيش عبارة عن قرار تصدره الرتب العليا فيطاع وينفذ من البقية، والمتحكمين في قرار الجيش لم يكن في مخيلتهم يوماً أن يأتي أحد لينازعهم هذه السلطة على قرار ما يفعله حميدتي ودعمه السريع اليوم.
لقد صنع هؤلاء حميدتي ودعمه السريع من العدم، ليكون “كلب صيد” ينفذ قرارهم بمطاردة المتمردين في مناطق الهامش البعيدة عن المركز، بيد أن “راعي الابل” متواضع التعليم، لم يلتزم بالخطة، وخرج عن المسار المرسوم له، ونقل الحرب إلى قلب المركز بل إلى داخل القيادة العامة للجيش التي طالما كانت “مركز عمليات” لإدارة الحروب في أطراف البلاد.
أيضاً هنالك فئة ثالثة من داعمي الجيش، تضم أصحاب المرارات الشخصية تجاه قوات الدعم السريع، بسبب ارتكاب هذه المليشيا في وقت سابق، انتهاكات فظيعة بحقهم كأشخاص أو مجموعات سكانية، ومعروف ان قوات الدعم السريع تحتفظ بسجل قذر من الانتهاكات التي كانت محمية من الجيش ونظام البشير، ولا أعتقد أن من تعرض لها يستطيع نسيانها مهما طال الزمن.
انخرطت الفيئة الثالثة في دعم الجيش بصورة غير مباشرة من خلال التغاضي عن انتهاكاته، والتركيز على مهاجمة قوات الدعم السريع، والانخراط بصورة ما في حملات دعاة الحرب ونافخي كيرها، تحركهم في ذلك مرارات شخصية انستهم حقيقة ان هذه المليشا كانت مجرد أداة في يد باطشة.
حميدتي والديمقراطية
يتشدق قادة ومنظرو الدعم السريع، بأنهم يقاتلون من أجل الديمقراطية وتلبية مطالب الشارع بالحكم المدني، التي نكص عنها الجيش، بيد أن الغالبية يعلمون أن تلك مجرد شعارات معلومة الأهداف، بينما الحقيقة هي أن حميدتي منذ أن قدم إلى الخرطوم في آواخر سنوات حكم البشير، كان همه السيطرة على السلطة بكافة الوسائل، وما اغراه في ذلك إنما هو ضعف وهوان الجيش الخاضع لسيطرة “مجموعة المصالح” والتي عبره ظلت تحتكر السلطة لحماية مصالحها.
نحو اربع سنوات مكثها حميدتي في كرسي الرجل الثاني في السلطة، مكنته من الإطلاع على جزء من إرشيف إدارة الدولة السودانية، ومعرفة شبكة “مجموعة المصالح” المتغطية برداء الجيش، لذلك استعد جيداً لهذه الحرب التي يبدو أنه ظل يدرس تاكتيكاتها في كل يوم من سنواته الأربع التي قضاها داخل القصر الجمهوري.
ويأتي تأييد حميدتي ودعمه السريع، لمشروع الاتفاق الاطاري، الذي انتجته قوى سياسية كانت فاعلة في حراك الشارع الذي أسقط البشير، كواحد من التاكتيكات التي يعتمدها في سبيل الوصول لغايته وهي “السلطة” ليحمي عبرها المصالح الاقتصادية للطبقة الاجتماعية الجديدة الطامحة في حل محل الوارثون القدامى منذ الاستعمار.
لن يؤمن حميدتي ودعمه السريع، بالتحول المدني الديمقراطي، حتى يؤمن “الكيزان” بثورة الشعب التي أسقطت نظامهم المغبور، هذه حقيقة، للتأكد منها يمكنك أن تنظر لمجموعة المصطفين خلف قوات الدعم السريع، في هذه الحرب، ستجد أغلبهم “كيزان” مغاضبين من اخوانهم المصطفين خلف الجيش في ذات الحرب، فيما يشبه المفاصلة بين الاسلاميين في عام 1999، مع اختلاف أدوات الحسم، حيث احتكرت مجموعة البشير وقتها أدوات العنف بالدولة، واستخدمتها لحسم مجموعة “الترابي” قتلا واعتقالا وتعذيبا، بينما الآن تساوت موازين القوى بين “البرهان وحميدتي” فكانت النتيجة حرب ضروس في شوارع الخرطوم، وانتهاكات بشعة بحق مواطنين لا ناقة لهم ولا جمل فيها.
إن كانت من محمدة للاسلاميين في هذه الحرب، فإنهم حقاً قد يصبحون حائط صد، يمنع تحولها إلى حرب أهلية تفكك البلاد على أساس عنصري أو جهوي، فوجود “الرزيقي” الكوز، مثلاً في صف داعمي الجيش الذي يقاتل أبناء عمومته، كفيل بذلك، إن لم يصنفه اخوان “عمسيب” بالتشادي أو النيجري.
بالمناسبة إعداد الفئة الثالثة التي ذكرها المقال تذداد كل يوم بسبب الانتهاكات المستمرة للدعم السريع.
الذى يفهم السياسة وكذلك العسكرية يعرف جيدا ان الذى يحصل الان فى السودان لا هو عسكرى ولا هو سياسي انما هي خيانة عظمة للدولة السودانية من قبل جنرالين مجرمين حرب أيديهم ملطخة بدماء الاحرار من الشعب السوداني .
لذلك ما ان تنتهي الحرب ويعود سودانا الى طبيعته ولكي يتعافا نهائيا لابد من بتر السرطانات فى القوات المسلحة السودانية اما الدعم السريع كما قالوا الثوار سابقا الجنجويد ينحل ولا يدمج فى القوات المسلحة لانهم قبلين وليس وطنين .
اما قادة القوات المسلحة وقادة الدعم السريع يعدموا رميا بالرصاص فى الساحة الخضراء اما العالم وينقل التلفزيون السوداني مباشر عملية التخلص من العفن .