مقالات سياسية

أفكارنا هي التي تسجن مصيرنا

د. الهادي عبدالله أبوضفآئر

التغيير سنة كونية فأحوال الامم لا تدوم على وتيرة واحدة ومنهاج مستقر، تتغير وفق الزمان والمكان وتنتقل من حالٍ إلى حال، ولكن لن يفيد تغيير الانظمة اولئك الذين لم يغيروا منظومتهم الفكرية. الافكار السالبة طوفان تغرق نقاء القلب وصفاء الضمير وتجرف سيولها المندفعة جدران الحق حتى يصبح بلا رؤية ولا بديل. وتعيش حياة قوامها الفشل المُحصن بجدار المبررات، موصدة  المؤامرات ابواباً وخداع الذات منهجاً، بلا ريشة ترسم طريقاً للانتصار، ولا آليات تنظيمية تحقق المطالب. فالحرب التي تدور رحاها في السودان ليست محض صدفة أو حرب جنرالات فهذا اختزال مخل، أنما هي نتيجة طبيعية للامراض المتأصلة فينا من جهل وتخلف وتنّمُر، وفقدان القدرة  على تكوين علاقات جيدة، وعدم  إمتلاك رؤية ثاقبة، وتصور واضح من أجل تغيير الواقع، نخب فاشلة، واحزاب تفوق في عددها اسماء الله الحسنى، لكنها تنقصها الحكمة في إدارة الاختلاف وغياب منهج لإدارة الدولة، حيث تمتاز  بالانانية والعنصرية واحتكار الحقيقة المطلقة، والتكبر والتفاخر وعدم الاعتراف بالاخر، وعدم قبول المُختلفُ دينياً، شكلياً، عرقياً، مناطقية، جهوية، ثقافياً، أو قبلياً. القتل والفوضى والحروب الأهلية، وصراعات طائفية كل هذه الصفات تراكمت، وادت إلى ما نحن عليه الان، فالتجاعيد الموجودة في وجهنا الحضاري نتيجة البذرة التى زرعناها في حقل عقولنا، فاليوم فقط نحصد ما زرعناه، من يزرع البرسيم لا ينتظره أن يثمر عنباً. قانون كوني لا يحابي الله فيه احداً.

بالتأكيد: لا توجد مصوغات منطقية لحرق الذهب بعد ازالة الشوائب. المعاناة التي تواجهنا هي من بنات افكارنا، الغير منسجمة مع قوانين الكون، Law, not confusion الافكار الواعية ليست مواد ملموسة، إنما هي مقاييس للعقول النيرة، تسعى من خلالها التكّيف مع قوانين الكون وتتفاعل معه، إبتداءً بإصلاح النفس، والكف عن اتهام الآخرين والبحث المضني عن طرف ثالث نُحمله الفشل والإخفاقات ونصر دوماً أنه سبب كل المشاكل. فاتورة إصلاح نفسك ارخص من تكلفة إصلاح الغير. مثلاً عندما تلعن الشيطان وتعتبره سبب مشاكلك فعليك إصلاح الشيطان وهذه فاتورة لن تقدر عليها،  عندما تظن أن امريكا أو الغرب سبب مشاكلك، عليك اصلاحهم. تدخّل الآخرين في شؤونك الداخلية لا تكون إلا بدعوة كريمة منك عبر بوابة فشلك وتخلفك، وعبر الثقوب الموجودة في منظومتك الفكرية. سر النجاح يكمن في التوقف عن انتقاد العوامل الخارجية، القدرة في تحويلها إلى رافعة تساعدك في البناء بدل الهدم ومن خلالها تكتشف نقاط ضعفك ونقاط القوة الكامنة فيك، وما لديك من الامكانيات.

المخرج يكون  بازالة الأفكار السالبة التي تفرقنا، كما أننا حريصون على غسيل البقع المتسخ في ملابسنا وازالة الروائح النتنة باستخدم مزيل العرق من اجسادنا.  فالاولى  تنظيف عقولنا وافكارنا حتى تسمح لنا بمعرفة الخلل وازالة الاوساخ الموجودة في منظومتنا الفكرية، ومعرفة موطن العطب. كل مآسينا واوجاعنا وتخلفنا، نتيجة لتربع الخلل الداخلي في أفكارنا، عندما نمتلك معرفة واعية تساعدنا في معرفة اسباب انهيارنا وهواننا وضعفنا على الناس. زراعة الأفكار الواعية في حقل خصب وتنظيفها من الاعشاب الضارة، استحالة أن تنتج ثمار خبيثة، كما أن زراعة الافكار الهدامة تنتج دوماً ثمار مؤذية وأشواك تدمي الاقدام الحافية. واذا اردنا من بذور القمح ان تنتج غيرها، نكون بذلك غير منسجمين مع قانون الكون ولا متسقين مع انفسنا.

مهما تكن حداثة القطار لا فائدة، ما لم تكن خطوط السكة مستقيمة، الافكار هي مصدر الافعال، كلما كانت نقية تنتج روحاً إبداعية خالية من الضباب والشوائب، بالتالي إصلاح المنظومة الفكرية قبل الدخول في مضمار السياسة اولى، لانها الركن العتيد في بناء صرح الثقافة وعماد النهضة وركيزة الفكر، وهو الدرج الوحيد للارتقاء من البؤر السياسية والمطبات الاجتماعية لتحقيق رؤية واضحة الغايات ومحددة المعالم، حتى تتواءم مع قوانين الكون، الافكار السالبة تُبلور  عادات ضارة، سرعان ما تتحول بالممارسة إلى سلوك يصعب معالجته، والافكار البناءة تتحول إلى ادوات بناء، تصبح سلوك سليم، يؤدي إلى حياة نقية طاهرة من دنس ورجس الاستهبال السياسي، الفكرة المريضة تعبر عن ذاتها، وتقتل كل جميل فينا بنفس السرعة ولكن بصورة ابشع  وعواقب وخيمة، ثم تتحول إلى عادات وتقاليد اجتماعية هدامة، فالحذر كل الحذر فالطلقة التي تقتلك لا تستطيع سماع صوتها.

كل منا لديه الرغبة في تغيير الواقع الأليم، من دموع ودماء، اشلاء  ومشردون حفاة عراة، ولكن ليس لديه الرغبة في تغيير قناعاته الفكرية، فالنتيجة دوماً رسوب واخفاق، اعادة الفحص الذاتي لدواخلنا وترتيب أوراقنا بعيداً عن الأماني ،الاحلام والأوهام، بذلك لن نفشل في تحقيق الهدف الذي رسمناه، فالغاية مهما صغر حجمها أو كبرت يجب أن نجهز انفسنا لتقديم تضحيات جسام من اجلها، حيث ترتقي بالافكار مصدراً للازدهار الاقتصادي والسياسي والاجتماعي، وإلا فلنستعد لظروف أسوأ من خلال الافكار الكسولة والمخادعة للذات، والغير قادرة للتغيير، حيث لم نتعلم من المبدأ اعقلها وتوكل ولم نستفيد من المسطرة الإلهية في قوله تعالى (لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ ۗ مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا) الكل يتحمل نتائج اعماله ويحصد ثمار زرعه.

العوامل الخارجية لا يمكن ان تكون رافعة نحملها  اخفاقاتنا وفشلنا. الشيطان غادر ديارنا، لانه لم يكن  ارض خصبة للمعركة، الشيطان معركته مع الإنسان ليس مع الاديان، ماذا يفعل مع الراهب المتعبد في صومعته لا يستطيع ان يطعم نفسه أو شخص في مسجده يرفع صوته بهلاك الآخرين ولا يستطيع صناعة دواء لعلاج نفسه ولا ابرة لخياطة ملابسه. ميدان المعركة لم يكن في السودان، لذلك هاجر إلى سنغافوره وسويسرا، النرويج، امريكا، ايطاليا، المانيا، واليابان. ميادين معارك اعمار الكون، (الصراط المستقيم) تحقيقا لوعده لأقعدن لهم صراطك المستقيم حيث العمران من ابراج  وجسور وكباري، وصناعة الدواء والزراعة والتكنولوجيا الرقمية وايواء اللاجئين وتقديم الخدمات الإنسانية وكفل الايتام واطعام والجوعى، واخلاق العمل والتعامل بالحسنى، ووقف النزيف المتدفق وتضميد الجراح وبناء المستشفيات، وصناعة الأمصال والادوية وفتح أبواب المدارس والمعامل والجامعات والمعاهد لتعليم الأطفال الذين سلبوا حقهم في التعليم بسبب الكوارث التي تمر بها بلدانهم، الصراط المستقيم فضله مستمر لا ينقطع ومن أفضل الإعمال عند الله تعالى لانه يرسم الابتسامة والسعادة على الوجوه المكلومة. هنا الفرق ما بين العبادة والاستعانة. (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) فالعبادة بالصراط المستقيم (وَأَنِ ٱعۡبُدُونِيۚ هَٰذَا صِرَٰطٞ مُّسۡتَقِيمٞ) والاستعانة بالشعائر (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ۚ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ)
مهما بلغت من الاستعانة ان لم يقودك الى الصراط المستقيم فأنت خاسر.
[email protected]

‫7 تعليقات

  1. جزاك الله خير.. لكن الظاهر انو السياسيين العندنا ديل هم خدام الشيطان تركهم لينا وراح البلاد المتقدمة.

  2. هنالك نماذج مشرفة في السودان لمستوى الوعي و لكن ؟: تعرفت في السنة الماضية على شاب من ولاية البحيرات في نهاية العقد الثالث من عمره ، رجع من الغربة ليساهم في بناء وطنه جنوب السودان مصطحبا معه أسرته الصغيرة ، أدهشني هذا الشاب بمستوى الوعي الذي وصله مقارنة بمعظم من عايشته من مواطنيه طوال فترة مكوثي في جوبا .. فالرجل يحاول جاهدا عمل إضافة محسوسة لوطنه و لو عبر القطاع الخاص في ظل شح الفرص في القطاع العام ..فقلت في نفسي: هذا هو النموذج الذي كنت سأستهدف إنتاجه بسياساتي التربوية لو كنت وزيرا للتعليم العالي . من أهم أسباب فشلنا في السودان العشوائية في السياسات ؛ فالمزارع يجب عليه تحديد المحصول الذي يود زراعته ، و بعد زراعته كيفية حمايته من الطفيليات التي تزاحم هذا الزرع في تغذيته، و معرفة وقت حصاد المحصول ، و السوق المناسب لبيعه ، و لكن أهل السياسة في السودان ، يمتلكون المقدرات المادية و البشرية ، و لكن يعوزهم كيفية الإستفادة منها .. ربما تنجلى الحرب ، و لكن نجاح السودان في مداوات جروح الحرب يحتاج إلى رجل في قامة رجب طيب أردوغان ، الذي نجح في إخراج أفضل ما في تركيا من إمكانات مادية و بشرية و إستغلها أفضل إستغلال ، فنجح و نجحت تركيا معه .

  3. البعض من الخونة و العملاء و المارقين على سودانيتنا الاصيلة الغبشاء السمحة يقول بأنه لا يمكن تغيير طريقة تفكير الشعب مالم يتم تغيير النظام الذى يمسك بتلابيب التربية و السعن و الثقافة و الاعلام و الدلوكة أنطلاقا من (الحديث المكذوب) _ أن صلح الراعى صلحت الرعية , و مثلهم من يقول بأن كل من العمليتين بأمكانها أن تتم بطريقة موازية لا تعارض بينهم .
    وكلاهما يستهدف مخدرتنا و مغبشتنا و مغرزتنا السمحة , يريدون النيل من حركتنا الاسلامية التى تستمد زخمها من ثقافة الشعب الأخدر السمح الابنوسة الورع الاصيل , من الطايوق و اللايوق و الحنقوق , من الويكاب و أم تكشو , من الصارقيل و الضانقيل .
    فأخرجت بروفيسورات يبيحون دم سكرتير الامم المتحدة ووزراء مالية يحاربون الاسمنت ومواد البناء البغيضة , و يضربون وسائل الانتاج القذرة و الغير خدراء و غير أصيلة و سمحة , و خبراء أستراتيجين يرعبون العالم فى القنوات العالمية .
    هم يستهدفون خدارتنا , يريدون النيل من مغبشتنا و مغرزتنا و مأصلتنا السمحة و لكن هيهات , واحد واحد , أخدر أخدر , تكبيييير

  4. الأخ الدكتور الهادى أبوضفائر لك الشكر الجزيل على هذا المقال الرائع ففيه الدعوه إلى التغيير و أى تغيير؟ التغيير فى البدئ لأفكار متحجره معاديه لقوانين الطبيعه عنيده فى فهم أفكار الآخرين وللأسف تستخدم الآن الإجرام بكل أنواعه للفوز فى معركه دار شياطين .

    النظر بعمق فى إصول الفشل فى السودان يقودنا لامحاله إلى تبنى الحكومات منذ بدايه عصر الحداثه ( الدوله المهديه ) و إلى يومنا هذا لسياسات لا ترغب فى بناء الوطن على أساس يتوافق مع ما وجدوه من كيانات و مقومات و ثروات إجتماعيه و ثقافيه أصيله لها عمر مئات السنوات فى الوجود.
    بعد الإستعمار الإنجليزى المصرى أتت للمره الثانيه فرصه ذهبيه للتأسيس السليم للدوله فمن كان بيدهم الأمر كان عليهم حضن الثروات الإجتماعيه و الثقافيه و إرضاعها العلوم التطبيقيه و النظريه المسيره للعالم الجديد و أهم توجه كان أن يتم تحديد الهويه السودانيه ما هى و لو كان هناك تنوع كان من الواجب بناء ثقافه إحترام الغير بل إعتباره ثروه و تنوع ولاكن تم عكس ذلك و للأسف كل أساتذتى فى المراحل المدرسيه المختلفه كانو يلقنوننا إن أساس مشكله الجنوب الإنجليز لأنهم منعوا حريه الحركه بين الشمال و الجنوب ففصلوا الشمال عن الجنوب بدعوى محاربه الرق شئ مضحك مبكى كنت أناقش أساتذتى فى هذا الأمر و للأسف كان هناك أغلبيه بالفصل ترى صحه ما قاله الأستاذ.
    الحل الراديكالى يقول :
    # تحديد هويه السودان و الإنصياع للأغلبيه.
    # فصل الدين عن الدوله.
    # إطلاق الحريات العامه.
    # عزل الدوله عن العالم الخارجى ألى أن يتم بناء
    الأساس الجديد للدوله.

    الحرب الدائره الآن إذا إنتهت بما يسميه السودانيين حق الله بق الله … و نحنا شعب متسامح و طيب… و شويه زغاريد… و زبح تور أبيض كان أم أسود يعنى هذا فى النهايه ضياع الفرصه الثالثه و إستمرار إدمان الفشل و أن يبغى السودان وكر للظلم و الإقطاع و التخلف و فى النهايه الفناء كعصف مأكول.

  5. مع احترامي وتقديري لكل من يحاول ايجاد عقدة انسان السودان ومحاولة حلها لكن للاسف الشديد العقدة الحقيقية لا احد يجرؤ علي التحدث عنها ولا حتي انا

    1. الحقيقة واضحة كالشمس واحد من خيارين يا نعمل شركة دينة تدخلنا الجنة وكل واحد منا يتدبر دنياهو يا نعمل شركة وطنية تدخلنا الدنيا و كل واحد منا يتدبر اخرته ومافي واحد يجي يقول ممكن نعمل خلطة بطريقة اثنين في واحد مافي طريقة الطريقان متوازيان لا يلتقيان و تثبيت ارجلنا على الطريق الواحد الذي سوف نختاره ليس بسهل و سوف نتعثر فيه عشرات المرات حتى نصل اما ان نضع ارجلنا في طريقين سوف نتعثر ملايين المرات وسوف لن نصل ومفترض نعمل استفتاء للشعب يختار واحد من الشركتين.

  6. هناك ممارسات مجتمعية يراها البعض بريئة وجزء من الحرية بينما هي تخلق الصراع اكثر من اي شيء اخر. علي سبيل المثال النمو السكاني غير المتوازن حيث هناك قبائل افريقية محددة زاد افرادها زيادة هائلة علي حساب اخري مما احدث تغيير سكاني وشعرت القبائل الاخري بالخطر. هذه قنابل موقوتة نراها تنفجر في دارفور وسنراها تنفجر في مناطق اخري بما فيها الوسط نفسه. هذه المشكلة لا تحتاج الي تحليل عميق بل تحتاج قوانين شجاعة وصارمة لتنظيم النسل

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..