رسائل ضد الحرب (٤)

طلعت محمد الطيب
اعتاد السودانيون علي عنف وبطش واستباحه جماعه الاخوان المسلمين للآخر المختلف معهم بعد شيطنته وتكفيره واعلان ” الجهاد ” عليه حتي قبل انقلابهم علي السلطه المدنيه الشرعيه في العام ١٩٨٩م.
ويتذكر جيلنا الذي تخرج من الجامعات والمعاهد السودانيه قبل انقلاب الانقاذ كيف انهم كانوا يجلبون السيخ الي ساحات المعاهد التعليميه ويستخدمونه ضد خصومهم من التنظيمات السياسيه والافراد الذين يختلفون معهم .
والحقيقه يجب ان تقال وهي ان تفجيرهم للعنف بعد ان يكسوه ثوبا مقدسا حتي يصبح “جهادا” لنصره الدين ، كان ذلك العنف يبعد الاخرين عن الفعل السياسي ويساعدهم بالتالي علي فرض اجندتهم المتعلقه اصلا بالسيطره علي الاتحادات الطلابيه ، وبذلك ظلت الجماعات الاسلاميه تنجح تماما في ابتزاز المجتمع المدني المتسامح بالعنف والترهيب الذي ظلوا يمارسونه ضد مواطنيهم حتي غدا استراتيجيه متبعه لديهم .
بيد انهم الان يواجهون مليشيا الدعم السريع وهي التي تمرست في العنف والمدججة بالسلاح من اعلي الراس حتي اخمص القدمين ، مما افشل مخططهم واستراتيجيتهم في فرض اجندتهم من خلال سيطرتهم علي الجيش والقوات النظاميه الاخري ولذلك نجدهم قد فشلوا في الاستمرار في استخدامها مثلما فعلوا في قمع شباب ثوره ديسمبر السلميه واصطياد شبابها عن طريق القناصه من كتائب ظلهم ، في ظل استمرار لجنتهم الامنيه في الحكم بعد سقوط البشير .
وحتي تقف هذه الحرب اللعينه التي يدفع المواطن السوداني ثمنا باهظا لها في الانفس والممتلكات والبني التحتيه ، فاننا نحتاج الآن اكثر من اي وقت مضي الي ان ان نفهم العقليه التي تدير الجيش والتي تعرضت للهزائم المتواليه من قوات الدعم السريع وهي العقليه الجماعيه والمنظومة الفقهيه لجماعه الاخوان .
اعتادت عضويه تنظيم الاخوان المسلمين منذ ان سيطروا علي العباد والبلاد لاكثر من ثلاثه عقود، اعتادوا علي الافلات من العقاب بعد ان استباحوا البلد بواسطه سياسات التمكين وبعد ان دجنوا حتي النيابه والقضاء . لكن الافلات من العقوبه لم ينتهي كامر دنيوي ، فقد قدم فقه ” البيعه ” مبررات كذلك للافلات من العقاب حتي في الحياه الاخري لان نيل العضويه واداء البيعه يمكن كل عضويه التنظيم من دخول الجنه دون استثناء وضمن ” قافله الاخوان ” كما صرح بذلك عمر التلمساني وهو القيادي البارز واحد المنظرين المؤسسين لجماعه الاخوان المسلمين في مصر . ولذلك راينا ولاول مره مثلا ، ان الدوله قد ابتكرت وظيفه اسمها ” المغتصب ” لاستباحة الخصوم السياسيين وذلك المغتصب الذي ابتدعته دوله المشروع الحضاري سيدخل الجنه كمسلم عاصي حتي وان كان سيدخلها في مؤخره القافله !!
هكذا مهدت جماعه الاخوان المسلمين لعمليه الافلات من العقاب حتي يجدوا التبرير للتشفي من خصومهم والفتك بهم دون ادني احساس بتانيب الضمير وعلي طريقه ” امسح اكسح وما تجيبو حي ” كما قال احمد هارون علي رؤوس الاشهاد.
ولكن شعبنا الذي يعاني من القتل والنهب واحتلال المنازل بواسطه كل من افراد الدعم السريع والجيش وبعض المنفلتين من العصابات والمجرمين الذين هربوا من السجن بشكل مخطط من فلول النظام السابق، ليس له مصلحه في الحرب الدائره الان في الخرطوم او في بعض مدن دارفور ولا يثق في ايا من الفريقين المتحاربين وذلك وفق شواهد ومعطيات معلومه للجميع وربما يكون الشيء الوحيد الذي يخفف عنهم، هو ان مليشيا الدعم السريع قد انتقمت لهم من فلول الانقاذ وكتائب ظلها والحقت بهم هزيمه فادحه بعد ان كانوا يعلنون علي الملأ انهم ” ارجل ” من مشي علي ارض السودان حسب زعمهم ، وهم الذين اعتادوا علي ضرب وقمع وقتل المدنيين العزل طوال فتره حكمهم وحتي اليوم . بعباره اخري يجمع الناس علي ان جماعه الاخوان المسلمين قد خلقت بيديها ” السم القدر عشاها” كما يقول المثل السوداني المعروف واصطدمت به بعد ان رفض في الاستمرار ليكون اداتها في قمع الشعب .
من ناحيه اخري ما تزال الهوه النفسيه كبيره بين الشعب السوداني وقوات الدعم السريع وذلك لدورها في دعم انقلاب البرهان علي حكومه حمدوك والقتل والاغتصاب الذي حدث للشباب السلميين امام القياده العامه وقبلها في حروب دارفور الخ ..
وربما تكون قوات الدعم السريع قد حققت انتصارات عسكريه كبيره علي الجيش وفلول النظام السابق ولكنها فشلت بنفس القدر في ان تفوز بافئدة المواطنين لعدم انضباط قواتها وتعاملها مع سكان الخرطوم كاسري ومصدر مشروع للغنائم ، مهما تحدثت قيادتها عن نواياها في التحقيق وانزال العقوبه علي الافراد المتفلتين من جنودها.
ولان الغايات النبيله لا يمكن الوصول اليها الا بالوسائل المشروعه ، تبقي تصريحات قياده الدعم السريع حول دعم التحول المدني الديمقراطي محل شك وارتياب كبير من المواطنين .
وربما تكون قوات الدعم السريع محظوظه لانني لا اتوقع ان يتدخل المجتمع الدولي لمساعده الجيش ومنعه من الانهيار حتي يتم التفاوض بينه وبين المعارضه المسلحه في نديه كما حدث في بعض دول المنطقه واخرها سيراليون . ذلك ان المجتمع الدولي مقتنع بان جيشنا ليس جيشا احترافيا بل هو جيش عقائدي تسيطر عليه جماعه الاخوان المسلمين .
من سوء حظنا كشعب سوداني اننا ابتلينا بيمين متطرف يتبني مفهوم ” شموليه الاسلام ” اي ان الاسلام به كل شيء من هندسه وطب وعلوم وفلك الي سياسه واقتصاد واجتماع وهذا ما يجعلهم يتوهمون امتلاك مفاتيح الحقيقه المطلقه وان يمارسوا التعالي علي التجارب الانسانيه من حولنا اضافه الي القمع والاقصاء . يسارنا ايضا يعاني من مرض شموليه “الموقف الفلسفي” ورفضه لاي تلاقح مع افكار جديده.
وعلي الرغم من انني ضمن من ينادي بوقف الحرب فورا ، الا انني ادرك تماما ان ذلك يصبح ضربا من التفكير الرغبوي اذ يبدو ان الحرب ستطول بقدر ما سيطول امدها وهو امر اصبح رهينا بانتصار احد الطرفين علي الاخر .
[email protected]