هل يملك مالك عقار الشجاعة لتبني الوصفة الروسية لحل الأزمة السودانية

يوسف عيسى عبدالكريم
زار نائب رئيس مجلس السيادة السيد مالك عقار روسيا في الأيام الماضية و التقى بوزير خارجيتها لافروف طالبا منه المساعدة في حل الأزمة السودانية. وكلنا يعلم أن روسيا قد شهدت في الايام السابقة ما يمكن أن يعرف في التاريخ الحديث بأكبر تمرد لقوة غير نظامية على دولة حيث قامت قوات فاغنر الروسية المشهورة في عالم الحروب بالوكالة بالتمرد على الدولة الروسية و هددت باجتياح العاصمة موسكو مطالبة بإقالة قائد الجيش الروسي وقد توقع المراقبين انهيار و سقوط دولة روسيا خاصة وأن التمرد قد حدث في عز انشغالها بمحاربة التحالف الغربي في أوكرانيا وهو ما هدد بقاء الدولة إلا أنه و بنفس القدر الذي تصاعدت به وتيرة الاحداث استطاعت موسكو أن توجه ضربة قوية للغرب الذي راهن على هذا التمرد لشل قدرة روسيا على السيطرة في أوكرانيا. فقد فاجاءت روسيا العالم بقبولها بشروط الوساطة التي قادها رئيس بلاروسيا واستطاعت إنهاء التمرد في غضون يومين. والمتابع لتسلسل للأحداث يجد أن الحالة الروسية إذا تجاوزنا بعض الفروقات تكاد تشابه بقدر كبير الحالة السودانية.
فقوات الدعم السريع و قوات فاغنر تتشابهان في الغرض الذي إنشئتا من اجله فهما قوة مساندة للجيش الحكومي وتقومان بالمهام القذرة التي لا يستطيع الجيش تنفيذها خوفا من الوقوع تحت طائلة القانون الدولي .
ومن حيث التصنيف يمكن اعتبار فاغنر والدعم السريع قوات شبه نظامية تعتمد في تكوينها على قدامى المحاربين ومعاشيي الجيش وعقيدتها القتالية مبنية على أسلوب مقاولة الحروب وتنفيذ المهام لمن يدفع أكثر كما تمتاز القوتين بتسليحهما الخفيف ومهاراتهما في الانتقال والتخفي وحرب المدن
وإذا ما نظرنا في أسباب تمرد القوتين تكاد تكون أيضا شبه متطابقة فقد صرح رئيس فاغنر أنه قد قبل بوساطة رئيس بلاروسيا لإنهاء التمرد وقد جاء من ضمن بنودها ترك الحرية لأفراد فاغنر بتوقيع عقودات مباشرة مع الجيش الروسي أو التسريح من الخدمة وهي إشارة لوجود اشكالات تتعلق بعمليات الدمج و علاقة قوات فاغنر مع القوات المسلحة الروسية و هي نفس الاسباب التي قادت إلى تمرد الدعم السريع على الجيش السودانى.
ولكن تكمن المفارقة في انه و بالرغم من شخصية الرئيس الروسي بوتين الدكتاتورية ذات النزعات القيصرية والتي كان من المتوقع منه أن يشن حرب شاملة على قوات فاغنر ويقوم بسحقها كالحشرة على حد تعبير كلاشنكو عقابا لها على تمردها إلا أنه فضل حسم التمرد بالتفاوض دون إراقة نقطة دم أو اطلاق رصاصة واحدة وكذلك في الطرف الآخر و بالرغم من الإمبراطورية التي صنعها بريغوجين قائد فاغنر من الصفر والانجازات التي حققها الا انه فضل الانسحاب من المشهد بعد ما توفرت له ضمانات كبيره بإسقاط تهمة التمرد عنه و توفير ملاذ آمن له في دولة ثانية.
وهنا يبرز أهمية دور الوسطاء المحايدين في تقريب وجهات النظر بين طرفي الصراع و نزع فتيل الأزمة وهو الشيء الذي مازالت تفتقده الأزمة السودانية
لعدم توفر عامل الثقة بين الأطراف المتحاربة و لجان الوساطة كما أن هناك عامل حل اخر توفر في المسألة الروسية وهي عدم رغبة طرفي الأزمة بوتين و بريغوجين في خوض اي صراع مسلح ينتج عنه تشتيت جهود روسيا و هزيمتها في حربها مع أوكرانيا.
وهذا هو صوت العقل المفقود في المعادلة السودانية حيث نجد أن كلا الجنرالين البرهان و حميدتي لا يعيران اي اهتمام للظرف الصعب و المنعطف الخطير الذي تمر به الدولة السودانية والمواطن في الخرطوم وبقية ولايات السودان..
إذا فالسيد مالك عقار مطالب بتطبيق الوصفة الروسية لإخماد التمرد و اعتمادها كأسلوب لحل الأزمة السودانية علها تجدي في إنهاء هذه الحرب التي دخلت شهرها الثالث من دون أي أفق للحل.
قوات الدعم السريع لا تعتمد في تكوينها على قدامى المحاربين ومعاشيي الجيش , بل أغلب عناصرها شباب صغار في السن و بعضهم دون العشرين
يا سيد يوسف المقارنة ذكية لكن شتان بين المقارنين … تقديم التنازلات المناسبة في الوقت المناسب خاصة في قضايا الصراع الداخلي والحروب الأهلية هو حكمة وفن لا يتقنه إلا العقلاء الحريصون على أوطانهم … كان يمكن لبوتن الإصرار على “كسح ومسح” تمرد قوات فاغنر وقتل قائدها او سجنه لكنه فضل التسوية لأن روسيا لا تملك رفاهية قتال داخلي حتى لساعة واحدة في ظل حربها الكارثية على أكرانيا … أما مرسال الكيزان وبوقهم عقار فهو لا يملك من أمره شيء فهو ينفذ تكتيكات الكيزان الساذجة في انتهازيتها “نعد روسيا بالذهب والقاعدة البحرية وستقف في جانبنا وفي نفس الوقت نبتز أمريكا” … الحرب الأهلية أو أي صراع داخلي مسلح، خاصة في الدولة الفقيرة، لا تنتهي إلا بتقديم التنازلات ولنا في تاريخ الحروب الأهلية شواهد من كولمبيا إلى جنوب أفريقيا مرورا بأنقولا وليس نهايةً بأثيوبيا، وانظر إلى تجاربنا المريرة فبعد عقود من الحرب الأهلية في الجنوب ومقتل مئات الآلاف وتشريد الملايين وتدمير أحد أغنى أقاليم السودان جلسنا بعد خراب سوبا ووقعنا اتفاقية مشاكوس وكررنا نفس الشيء في دارفور فبعد أن قتلنا 300 الف، في أقل تقدير، وشردنا مئات الآلاف ذهبنا لجوبا ووقعنا سلام مجهجه، البشر لا يفعلون هذا، حتى الحيوانات لا تفعل هذا، لكننا أبتلينا بقادة فقراء في الوطنية، أثرياء في الغباء، متبلدين إنسانياً والحمد لله.
قوات الدعم السريع قد تمكنت من مفاصل الدولة وأصبح قايدها الرجل التاني في الدولة بعكس فاغنر التي ظلت مؤسسة خاصة تتعامل مع الدولة بالعقود.